يعد التسول ظاهرة قديمة جديدة... قديمة في اهدافها وجوهرها... متجددة في الشكل والمضمون. وعلى رغم التحولات الاقتصادية ومظاهر الرخاء الاجتماعي الذي تعيشه بعض دول العالم الا ان هذه الظاهرة برزت واستفحلت حتى تفاقمت وتحولت مشكلة. والتسول ليس ظاهرة تخص بلداً دون آخر بل هو ظاهرة منتشرة في افقر بلاد العالم وفي اغناها. والتسول مهنة جذبت الشعراء والفنانين الذين راحوا يكتبون عنها ويستوحون ظروفها. وببساطة تبدو مهنة التسول عالماً آخر او قل امبراطورية اخرى لها قوانينها وأصولها الى الحد الذي جعل الصحافي السعودي احمد بادويلان مدير العلاقات العامة في دار طويق للنشر والتوزيع في السعودية يدخل في دهاليز هذه الامبراطورية ليكشف عن خباياها وأسرارها في كتابه "اليد السفلى... اسرار وخفايا امبراطورية المتسولين". يرصد الكتاب ظاهرة التسول في مدينة جدة السعودية ويرى ان طبيعة جدة موطن لكل من يأتي لزيارة المشعر او الحج والعمرة. وهي أسهمت في بروز ظاهرة تتألف من بعض المتخلفين والفارين من القانون والمقيمين بطريقة غير قانونية فامتهنوا التسول بأسلوب دقيق ومنظم. وتمّ من جراء ذلك اعداد خريطة لأنشطة جدة عام 1999 لضمان توزيعهم على جميع الاماكن صبايا ونساء يحملن اطفالاً وكباراً في السن في اماكن التجمعات سواء في الاحتفالات والمهرجانات أو في مباريات كرة القدم. ويسرد الكتاب بعض حكايات التسول مثل حكاية الفتاة الانيقة التي ترتدي افخر الثياب وتحمل الهاتف المحمول وهي تفاجئ "الضحية" وتدّعي انها تمر بضائقة مالية وتحب الستر، وانها تتوسم فيه الخير والصلاح. او ذلك الوافد الذي يعزف الناي يومي الخميس والجمعة على الكورنيش أو تلك الافريقية التي امتهنت التسول مع اطفالها الخمسة. وتشير الاحصاءات الى ان حصيلة التسول في جدة في شهر رمضان تبلغ نحو نصف مليون ريال. وتشير الدراسات الى ان 97 في المئة من المتسولين من جنسيات وافدة اتوا بتأشيرة الحج او العمرة. ويروي الكتاب بعض حيل التسول مثل الذي يحمل عقد زواج ليبرهن انه غير قادر على اتمام الزواج بسبب قلة النقود، او الكسيح الذي يجري كالصاروخ اذا لمح احداً من الشرطة، أو الرجل الثري الذي يمتلك عقارات تدر عليه الدخل الوفير ويزعم انه مسكين، او الرجل الذي يرتدي ملابس امرأة ويطرق الابواب بحجة مرض زوجها بالشلل. ويقول المؤلف احمد بادويلان ان طبيعة العلاقة التي تربط بين المتسولين غريبة وشاذة. فالكراهية هي التي تسود بينهم والغيرة تأكل قلوبهم كما تأكل النار الهشيم. والمدهش ان المتسولين لا يدركون احياناً اسباب تسولهم على رغم ما يحكونه من قصص وهمية. ويورد الكتاب بعض حصيلة التسول، اذ يكسب احد الوافدين العرب نحو 21 الف ريال شهرياً. ومتسول آخر يكسب 50 الف ريال في شهر رمضان. ثالث يحصل على 3000 ريال في اليوم. ورابع تسول نحو 90 الف ريال خلال شهر رمضان. والتسول اصبح مهنة تشرف عليها شركة تعاونية تطوف على الاسواق "الدسمة"، ولها زعيم يتولى التخطيط ويصدر الاوامر، والمتسول لا يملك الا الطاعة، والويل لمن يخالف او يخرج على القوانين. وكل موقع له امين صندوق يراقب افراده ويمر عليهم كل ساعة لجمع "المحصول". أما التسول في مصر فله نوادره وغرائبه. فهناك وكيلة المدرسة التي تتسول ليلاً وقد اشترت شقة من التسول بمبلغ 100 الف جنية علاوة على سيارة جديدة وحساب في احد البنوك. او العجوز ذات الثمانين عاماً التي لديها منازل تقدر بنحو 100 الف دولار وكلّها... من التسول.