التجارة: تنامي السجلات التجارية المُصدرة بنسبة 48%    وفد سعودي يستعرض تجربة المملكة في سلامة المنتجات مع المصنعين والمصدرين في سنغافورة    الذهب يرتفع 2% وسط تراجع الدولار ودخول رسوم جمركية أمريكية حيز التنفيذ    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تحتفي بولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025    "الرياض آرت" يثري المشهد الفني ضمن أسبوع فنّ الرياض    تصعيد الحوثيين لهجماتهم يُهدد الأمن الإقليمي    غوتيريش يؤكد إعاقة إسرائيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة    الفوتوغرافي السعودي محمد محتسب يُتوَّج بلقب ZEUS    "الموارد": "الفرع الافتراضي" خفض الزيارات الحضورية 93 %    السعودية رائدة في مجال المحافظة على البيئة والموارد الطبيعية    وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز التعاون العسكري    "الفطرية": ولادة خمس غزلان ريم في" الواحة العالمية"    شدد على منع امتلاك النووي.. ترامب: محادثات مباشرة بين أمريكا وإيران    هواتف بلا "واتساب" في مايو المقبل    السعودية بوصلة الاستقرار العالمي (2-3)    وزير الخارجية يصل إلى واشنطن في زيارة رسمية    في ذهاب نصف نهائي أبطال آسيا 2.. التعاون يهزم الشارقة الإماراتي ويضع قدماً في النهائي    في ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه دورتموند.. وباريس يخشى مفاجآت أستون فيلا    ضبط مقيم في الشرقية لترويجه "الأمفيتامين"    «القمر الدموي».. خسوف كلي يُشاهد من معظم القارات    إطلاق الاختبارات الوطنية "نافس" في جميع مدارس المملكة    الديوان الملكي: وفاة الأمير عبدالله بن مساعد آل عبدالرحمن    في إنجاز عالمي جديد يضاف لسجل تفوقها.. السعودية تتصدر مؤشر تمكين المرأة في مجال الذكاء الاصطناعي    أمير جازان يرأس اجتماع لجنة الدفاع المدني الرئيسية بالمنطقة    جازان تودّع شيخ قبيلة النجامية بحزن عميق    15 ألف قرار بحق مخالفين    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في يومي الصحة والتوحد العالمي    الشؤون الإسلامية في جازان تقيم عدة مناشط دعوية في الدوائر الحكومية خلال الشهرين الماضيين    صحيفة الرأي توقّع عقد شراكة مع نادي الثقافة والفنون    إنجاز طبي سعودي.. استئصال ورم في الجمجمة بالمنظار    تقلب المزاج.. الوراثة سبب والاتزان النفسي علاج    تمير من سدير يا جمهور الهلال!    رحلة آمنة    رودريغيز يستهدف جيسوس للتغطية على كوارثه!    السعودية وإعادة رسم خريطة التجارة العالمية    NASA تعجز عن إرسال رحلة للمريخ    مسبار يستقر في الفضاء بنجاح    ديربي حائل بشعار الصعود.. العين يلتقي أحد.. الجندل يواجه العدالة    باقي من الماضي والآثار تذكار    الدرع قصدك فيه فرحة والاوناس لاشك عند اللي يجي له ثميني    سلوكيات بريئة تشكك بالخيانة    6 أندية ترافق الخليج والهدى إلى ربع نهائي كأس اتحاد اليد    بجوائز تتجاوز 24 مليون يورو.. انطلاق "جولة الرياض" ضمن جولات الجياد العربية    التصوير بالرنين المغناطيسي يضر الجسم    عودة الذئب الرهيب بعد 10000 عام    الشعور بالجوع يعيد تشكيل الخلايا المناعية    زهرة اللبن (الأقحوانة البيضاء) حورية الرومان وملهمة الشعراء    فهد بن سلطان يستقبل وكلاء ومنتسبي إمارة تبوك بمناسبة العيد    الأهلي المصري يكرر فوزه على الهلال السوداني ويتأهل إلى نصف نهائي «أبطال أفريقيا»    سعود بن بندر: الاستثمار في البنية التحتية الذكية والابتكار يؤتي ثماره في تحسين جودة الحياة    أمير المدينة يلتقي قائد أمن المنشآت    روسيا: مستقبل الحد من الأسلحة النووية.. يعتمد على الثقة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    أمير منطقة تبوك يستقبل وكلاء ومنسوبي الامارة بمناسبة عيد الفطر    رئاسة الافتاء تصدر كتابا علمياً عن خطر جريمة الرشوة على الفرد ومقدرات الوطن    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تنظِّم لقاء معايدة    العلاقة بين وسائل التواصل والتربية السليمة    "البصيلي": يستقبل المهنئين بعيد الفطر المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - "أوبرا المعدمين" : غاي يسخر من الطبقات الصاعدة الجديدة
نشر في الحياة يوم 28 - 07 - 2001

ترى ما الذي رآه الكاتب المسرحي الألماني الكبير برتولد بريخت في العمل المسرحي/ الموسيقي الذي لفتت انتباهه إليه اليزابيت هاوبتمان، فقرر ان يحدّثه ويعصرنه وينقله من الإنكليزية الى الألمانية، جاعلاً منه واحداً من أعماله المسرحية الكبيرة تحت عنوان "أوبرا القروش الثلاثة"، بريخت سوف يتحدث في مذكراته طويلاً عن هذه المسرحية وسيتحدث اكثر عن انه هو نفسه فوجئ بالنجاح الكبير الذي حققته حين عرضها المسرح البرليني في آب اغسطس 1928، مع موسيقى خاصة وضعها لها كورت فايل. لكن بريخت سيتحدث اقل عن كون هذه المسرحية نفسها، كانت حققت نجاحاً مماثلاً، حين قدمت في أصلها الإنكليزي للمرة الأولى، أيضاً، قبل ذلك بمئتي عام بالتمام والكمال. يومذاك كان عنوانها "أوبرا المعدمين"، وإذ قدمت في مسرح "لنكولن انزفيلد" في العام 1728، قلبت مؤلفتها جون غاي، بين ليلة وضحاها، من كاتب فقير معدم كثير الديون، الى مؤلف ثري. لكنها في الوقت نفسه حولته الى كاتب مغضوب عليه من جانب السلطات الرسمية، ولا سيما من جانب الوزير الأول روبرت والبول، الذي اشتهر بالثراء الفاحش الذي حققه بفضل صفقات غامضة أوصلته الى أعلى درجات الجاه والثراء، كما اشتهر بعبارته التي كانت تقول: "إن لكل انسان ثمناً، فقل لي ما هو ثمنك؟". والحال أن والبول كان على حق إذ غضب على "أوبرا المعدمين" وعلى مؤلفها جان غاي، لأن هذا العمل - الذي يعتبر فنياً، المؤسس الحقيقي لفن الكوميديا الموسيقية - كان عملاً لئيماً غايته ان يفضح "الأساليب التي حقق بها الأثرياء الجدد ثرواتهم، ومكنتهم من ان يعيشوا في وئام وانسجام مع الطبقة الأرستقراطية التي كان لديها كل شيء سوى المال، فجاءها الأثرياء الجدد بالمال. صحيح ان الفكرة أصلاً نغصت على الأرستقراطية عيشها، لكنها اضطرت الى التماشي معها. وكان ذلكم هو الوضع الذي أراد الكاتب جون غاي فضحه، من خلال كتابته تلك المسرحية. والجمهور تجاوب، لأنه كان يرى الفضائح المالية من حوله. وكان يشاهد طبقات تنهار وأخرى تصعد بفضل المال والرشاوى والسرقات، في زمن كان غريباً، حقاً. غير ان غاي، الذي سدد سهام نقده وسخريته على ذلك النحو الى الأثرياء الجدد والسياسيين، لم يفته في طريقه ان يسدد السهام نفسها الى الفنانين والمثقفين الذين لم يتورعوا عن وضع اعمالهم في خدمة الطبقة الجديدة، مدلّسين على الجمهور، خادعينه ومصورين له انه يعيش في احسن العوالم الممكنة.
لقد كانت رغبة جون غاي، ان يقول ان الواقع عكس هذا تماماً. ولهذا اختار ان تجري احداث "أوبرا المعدمين" في العالم السفلي اللندني. لكنه اختار أيضاً - وقبل بريخت بقرنين - ان يلجأ الى اسلوب التغريب، حيث تبدأ المسرحية قبل فتح الستارة، بكاتبها المفترض يشرح للجمهور حبكتها وكيف انه كتبها لأنه معدم فقير. ومن هنا لم يكن من قبيل المصادفة ان تكون شخصياتها مثله: لصوصاً وأفاقين ومحدثي الثراء، ونصابين ونساء ساقطات. لأننا فقط عبر سكان العالم السفلي هؤلاء يمكننا ان نرصد انهيار القيم الأخلاقية على مذبح المال وأثريائه، في زمن بت تقاس فيه ب"كم تملك؟" لا "بمن انت؟". إننا هنا حقاً أمام ولادة الزمن الجديد. وهذا الزمن الجديد، في الأوبرا داخل الأوبرا، يمثله السيد بيتشام الذي تخصص تقريباً في تصريف ما يجنيه اللصوص من سرقاتهم. بيتشام يحقق ثروته إذاً، وهو رجل السلطة، من خلال خداعه لطرفي المعادلة: اهل القانون والخارجين على القانون. ومن بين هؤلاء الأخيرين اللص ماكهيت الذي يتزوج بولي ابنة بيتشام التي أغرمت به. ولكن لأن بيتشام اعتاد على الخداع، ها نحن نراه يحاول تطبيق ابنته لكي تغدر بزوجها الحبيب لما فيه مصلحته كأب وتاجر ولص. لكن بولي ترفض، بل تخبر حبيبها ماكهيت بما يدبره أبوها ضده. وماكهيت هرباً من مؤامرة بيتشام ينطوي من جديد على عالمه السفلي، حتى يجد نفسه اخيراً في سجن نيوغيت، وسط أمثاله من اللصوص والقوادين والعاهرات. وهناك أيضاً في ذلك السجن الحسناء لوسي ابنة السجان، التي كانت ذات يوم عشيقة لماكهيت. وهنا، في مقابل وعد هذا الأخير لها بالزواج، تقوم لوسي بسرقة مفتاح السجن لكي يهرب حبيبها القديم - الجديد. ولكن ها هنا تبادر امرأة اخرى الى الخيانة من جديد. ويحدث ذلك في وقت خشيت فيه لوسي ان يعود ماكهيت الى بولي، فتحاول أن تقتل هذه الأخيرة بالسّم. ولكن من جديد يُقبض على ماكهيت بالتعاون بين بيتشام ولوكيت والد لوسي، ويحكم عليه هذه المرة بالإعدام. فتسارع بولي ولوسي طالبتين له المغفرة. وإذ يكاد يحصل عليها تأتي نساء كثير تزعم كل منهن ان ماكهيت غدر بها. وينتهي الأمر بالشروع في إعدامه. وهذه المرة يكاد يعدم بالفعل وسط نحيب النساء. وهنا وسط هذا الضجيج ينهض واحد من الممثلين ويحتج على نهاية كهذه غير مألوفة في عالم الكوميديا الموسيقية. ما العمل؟ حسناً، الحل ليس صعباً. يتم العفو استثنائياً، عن ماكهيت ويقوم الجميع برقصة ختامية على وقع اغنية تقول "في هذا النوع من الدراما، لا يهم كيف تنتهي الأمور طالما ان عليها ان تنتهي نهاية سعيدة".
من الواضح ان سخرية جون غاي طاولت هنا الجميع: الفقراء والأغنياء، اللصوص والأقل لصوصية. وكذلك وجد الكاتب متنفساً له عبر السخرية ايضاً من الأوبرا الإيطالية التي كانت ذات خطوة في ذلك الحين. لكنه إذ يسخر من هذه الأوبرا، يسخر منها خصوصاً بسبب ارتباطها بذوق الطبقة الجديدة الصاعدة: طبقة لصوص المال. وجمهور المسرحية الذي شاهدها في ذلك الحين أدرك على الفور ماهية الشخصيات، فحتى اسماؤها كانت من الشفافية حيث قالت كل شيء، لكن السير روبرت والبول الذي كان الهدف الرئيس لم يتمكن من جون غاي إلا لاحقاً، حين وضع هذا الأخير تكملة بعنوان "بولي" كانت اكثر فضحاً، فعمد الى منعها. ولقد أثار ذلك خلافات حتى داخل الطبقة الحاكمة، ولا سيما حين قررت دوقة كوينسبري دعم غاي حتى أبعد الحدود. فهو إذ خسر مادياً بفعل منع والبول لمسرحيته التالية، عاش وكتب لاحقاً في كنف الدوقة وزوجها حتى رحيله المفاجئ والبكر في العام 1732.
عرف جون غاي بسخريته اللاذعة وبصداقته لألكسندر بوب وجون آربتنوت، اللذين كتبا معه بعض اعماله. لكن نجاحه اقتصر على "أوبرا المعدمين" دون غيرها، مع انه كتب اكثر من دزينة من مسرحيات بعضها لا يزال حياً حتى أيامنا هذه. ولد غاي العام 1685، وعرف منذ صباه الباكر كشاعر وكاتب وساخر. وهو عاش منذ العاشرة، يتيماً في كنف عم له، قبل ان يعمل في صناعة الحرير، لكنه سرعان ما ملها وانخرط في اجواء لندن البوهيمية وراح يكتب الشعر، ثم تقلب في الكثير من الوظائف، وبدأ يكتب المسرحيات التي راحت تقدم من دون نجاح، حتى كان النجاح الكبير ل"أوبرا المعدمين" 1728 لكنه لم يعش بعدها إلا سنوات قليلة، كانت سنوات صراع وهو رحل في العام 1732.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.