فوجئت وأنا اعود الى ما كتبت في هذه الزاوية الصيف الماضي انني امام "كبسولة وقت"، فالقضايا نفسها، ولعلها تكون هي هي في الصيف المقبل. وفي حين انني تحدثت عن المواجهة الفلسطينية مع الاسرائيليين امس، فإنني اكمل بمواضيع خاصة وعامة، بدءاً بوزير الاقتصاد الفلسطيني ماهر المصري، فقد كتبت ان صداقة شخصية وعائلية تجمعنا منذ اكثر من 30 سنة، وافترقنا بسبب اقامتي في لندن، وإقامته في رام الله، وتعامله اليومي مع الاسرائيليين او ضدهم اذا شئنا الدقة، وكتبت انني "اصبحت اتفق مع ماهر على ان نلتقي في اجازة، ثم يلغيها قبل الموعد بيوم او اثنين. حدث هذا قبل سنتين والسنة الماضية. واتفقنا على اجازة هذه السنة إلا ان ابو عمار اصطاده قبل ان يعبر الجسر، وطلب منه ان يستأنف المفاوضات مع المسؤول الاسرائيلي المقابل له، في اليوم التالي. وهكذا كان، وذهبَتْ اسرته الى عمّان، وألغينا حجز الفندق...". كتبت هذا الكلام الصيف الماضي قبل انتفاضة الأقصى، وماهر سيقضي الصيف من دون اجازة هذه السنة ايضاً، بل انه لم يحاول ان يطلب اجازة. ولم احاول ان اغريه بالاجازة. فعمله أهم. واتصلت به قبل يومين، فقال انه يجد صعوبة في الذهاب من رام الله الى نابلس لزيارة والدته المريضة واخته، بسبب خطر الطريق. أكتب عن ماهر المصري لأنني اعرف تفاصيل حياته الشخصية بحكم الصداقة، ولا بد من ان المسؤولين مثله يواجهون الصعوبات نفسها، وأن كل فلسطيني يدفع ثمن الصمود في وجه الهجمة الوحشية الاسرائيلية. غير انني اريد ان اتجاوز المواجهة مع اسرائيل الى مواضيع اخرى لم تتغير بين سنة وأخرى، ولعلها لا تتغير في حياتنا. كتبت الصيف الماضي عن مواجهة جديدة بين الولاياتالمتحدةوالعراق، وسجلت شن الطائرات الاميركية والبريطانية غارات على اهداف داخل العراق. ولا حاجة بي اليوم الى تذكير قارئ عربي باستمرار المواجهة والغارات. وأكمل بشيء مختلف تماماً، فأكثر العرب يصل الى جنوبفرنسا بعد منتصف هذا الشهر، وتزدحم المنطقة بهم في آب اغسطس. وكتبت السنة الماضية مقالاً تقليدياً عما يتعرض له العرب من سرقات، وتحدثت عن صديق سبقته زوجته الى غداء معنا، فاتصل يسألها عن الساعة، واستغربت ان يسألها هاتفياً عن الوقت فقال انه لا يسأل عن الوقت، وإنما عن ساعتها فقد سطا لصوص على البيت، وهو يريد ان يعرف ان كانت الساعة في معصمها، او انها ذهبت مع الفلوس وجوازات السفر. هذه السنة والموسم في أوله، استطيع ان اسجل ان صديقة عربية من سكان لندن سُرقت خلال 24 ساعة من وصولها الى جنوبفرنسا، في حادث مماثل لسرقة تعرضت لها السنة الماضية. وهي تعتقد ان رجلاً جهّز فيلاّ العائلة بخزنة حديد هو اللص في المرتين، إلا انها لا تملك اثباتاً. وقد طارت الفلوس، ولم تحزن الصديقة كثيراً، ولكن أغضبها فقدان جوازات السفر مرة اخرى. ومَنْ يدري، فلعل اللص بدأ ب"البصبصة" لجمالها، ثم اكتشف انها ثرية. وموضوع آخر، فقبل سنة كتبت حرفياً هذه السطور: قضية الدكتور سعدالدين ابراهيم ومركز ابن خلدون للدراسات الاجتماعية والانمائية، مهمة جداً بمدلولاتها التي تتجاوز اعتقال رجل واحد ومساعدته وعشرة آخرين او نحوهم من العاملين في المركز، فالتعامل مع المنظمات الأهلية "بارومتر" الديموقراطية في دول العالم الثالث... الحكومة المصرية خسرت معركة المواجهة مع مركز ابن خلدون، إلا انها لا تعرف ذلك بعد، والضجة العالمية التي اثارها اعتقاله جعلته بطلاً او شهيداً... يجب ان تدرك الحكومة المصرية انها لن تربح معركة الرأي العام العالمي ضد منظمة العفو الدولية، والمادة 19، وشبكة حقوق الانسان لأوروبا والبحر الأبيض المتوسط، ومراقبة حقوق الانسان، والاتحاد الدولي لحقوق الانسان، ومرصد حماية المدافعين عن حقوق الانسان، والمنظمة العالمية ضد التعذيب. هذا الكلام اكثر صدقاً اليوم منه عندما كتبته قبل سنة. ماذا ازيد، وجدت ان خبراً لم اكتبه قبل سنة تكرر هذه السنة، فقد نشرت صحيفة "هاآرتز" الصيف الماضي عن نقص الماء في الاراضي الفلسطينية. ويعرف القراء ان مشكلة ماء قامت في اسرائيل نفسها الاسبوع الماضي، بعد ان تبين تلوث ماء الشرب بالأمونيا، حتى انه يظل غير صالح للشرب بعد ان يغلى. أكتفي هذه المرة بتسجيل مقارنة من الصحيفة الاسرائيلية، فهي سجلت ارقاماً من مصلحة المياه الاسرائيلية تظهر كيف تحصل مستوطنة تكواه على اضعاف اضعاف المياه لكل فرد الذي تزوده بيت لحم وضواحيها، وكيف ان كل فرد في مستوطنة ميكوروت يحصل ايضاً على اضعاف الماء الذي يحصل عليه الفرد في الخليل. ما هو سبب مشكلات الفلسطينيين والعرب كلهم؟ سجلت الصيف الماضي: كتبت دائماً منتقداً السياسة الاميركية وسأظل افعل ما بقيت اكتب. وأنصح كل كاتب ان يفعل مثلي، وأن يهاجم السياسة الاميركية، فهو اذا لم يعرف سبب هجومه على السياسة الاميركية ساعة الكتابة، فانه سيجد بعد سنة او اكثر الاسباب التي تبرر الهجوم، والتي لم يعرفها في حينه. فالسياسة الاميركية لا تُرسم لخير، وهي قطعاً معادية لكل مصلحة عربية، من المحيط الى الخليج مروراً بفلسطين. كان هذا رأيي السنة الماضية وقبل عشر سنوات وعشرين، وهو رأيي غداً. الرئيس القذافي قال في لوساكا الاسبوع الماضي ان الولاياتالمتحدة اساس كل شر، ولكن لا اعتقد انه كان ينقل عني.