أصدرت جريدة "الموندو" الاسبانية طبعة خاصة من رواية "محاورة في الكاتدرائية" للكاتب البيروني ماريو فارغاس يوسا حصل أخيراً على الجنسية الاسبانية. وتصدر هذه الطبعة في سياق برنامج أفضل مئة رواية اسبانية في القرن العشرين، بعد برنامج أفضل مئة رواية في العالم الذي أصدرته عام 1999. وفي هذه المناسبة اجرت معه الجريدة حواراً، تحدث فيه عن ذكرياته وعن الرواية وعلاقة الأدب بالدكتاتورية في أميركا اللاتينية. رداً على سؤال عن عبارة ترتبط برواية "محاورة في الكاتدرائية" وعن انه قال ذات مرة "ان قمت بانقاذ احدى رواياتي من النار، سأنقذ "محاورة في الكاتدرائية"، يقول يوسا: "ربما لم أكن عادلاً عندما قلت هذا، لكنني بذلت فيها مجهوداً رهيباً يصعب تخيله، كان لدي زخم من الشخوص والمواقف وشعرت انني تائه، وخلال العام الأول خصوصاً عملت بتشوش: لم أكن أعرف كيف أنظم المادة الموجودة لدي. وفي النهاية وصلت الى فكرة حوار يعتبر هو العمود الفقري للرواية، حوار تتفرع منه حوارات أخرى، لكنني مررت في ظروف صعبة حتى وصلت الى هذه الفكرة ... كان جهداً خرافياً، ان اضع نظرة تركيبية نحو هذا العالم. بعدما انتهيت منها كنت انهكت، لكنه كان مشروعاً يسحرني كثيراً، على الأقل حتى ذلك الوقت، لأن ما قدمته في "مدينة الكلاب" كان وصفاً للعالم عبر عيني مراهق، فتى من الطبقة الوسطى. في "محاورة في الكاتدرائية" أردت ان أصف مجتمعاً بأكمله يعيش ظاهرة الديكتاتورية، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية حتى أبسط المستويات الشعبية". وان كان يعتبر هذه الرواية جزءاً من الجنس الأسطوري في أميركا اللاتينية "رواية الديكتاتور" يجيب قائلاً: "بالطبع، لأن الديكتاتور مؤسسة أساسية في تاريخ أميركا اللاتينية. وللأسف لم تختف بعد. ما زالت حية تحرك ذيولها. هذه الرواية عن ديكتاتورية "أورديا" التي كانت شديدة الأهمية لي ولكل جيلي. بدأت عندما كنا أطفالاً وانتهت عندما اصبحنا رجالاً صغاراً، لقد أثرت فينا في شكل كبير". ويقول عن بنية الرواية: "الرواية تقوم على حوار رئيسي بين الصحافي ثابليتا وسائق قديم، كان ايضاً حارساً شخصياً لأبيه، الذي التقى به مصادفة في بيت للكلاب الضالة وكان ذهب ليأخذ كلبه. وهو حوار رئيسي، لأن حوارات ومناقشات اخرى تخرج منه وترتد اليه، وهي تعود الى لحظات مختلفة من حياة الصحافي أو الحارس. وتصوّر هذه الحوارات حياة البيرو خلال ثمانية أعوام هي ديكتاتورية "أورديا". الحوار تم بعد سنوات وهو يصف الديكتاتورية وليس الديكتاتور، وانما من خلال المظاهر ونتائج هذا النظام في عالم التجارة والجامعة والصحف والمصانع في لحظات مختلفة من الحياة". ويعتبر يوسا ان الرواية كبيرة "على الأقل من ناحية الحجم". وعن سؤال يتناول الكلمات التي تقال عند ذكر هذه الرواية ومنها ما قاله ثابليتا في الصفحات الأولى: "متى اغتصبت البيرو" يقول: "هذه العبارة تقال كثيراً في البيرو، لأنها كانت مغتصبة دائماً والناس كانت تسأل متى بدأ هذا الاغتصاب. كانت مغتصبة وخصوصاً في السنوات الثماني الأخيرة خلال ديكتاتورية فوجيموري ومنتيسينوس. لكن ما حدث عجيب للغاية، لأنها المرة الأولى في ما أظن التي تقوم فيها ديكتاتورية بتصوير نفسها اثناء ممارستها الفساد. الآن خرجنا من هذه الحالة، وأصبحنا في طريقنا الى الديموقراطية. وهو ما ولد أملاً كبيراً. البيرو كانت مغتصبة الى أقصى حد للأسف. وموضوع "محاورة في الكاتدرائية" ما زال حاضراً وليس هناك فقط". تشهد الرواية انهيار البيرو وأيضاً أحد الشخوص وهو ثابليتا. وعن هذه القضية يقول يوسا: "نعم، ولكن هذا الشخص يمتلك سمواً أخلاقياً عظيماً. كان شديد الاحترام مقارنة بالفساد الذي يحيط به. لكنه يقرر ممارسة الاغتصاب، يقرر الفشل، يقول في هذا البلد، من لا يغتصب، يغتصبه الآخرون. الطريقة الوحيدة للتقدم وللنجاح هي اغتصاب الناس وترك الطريق مزروعاً بالجراح والجثث. وهكذا لم يكن يريد النجاح، أراد ان يكون وضيعاً". ولا يخفي يوسا انه كان صحافياً ويقول "لم أكن لأكتب ثلاثة أرباع هذه الرواية لو لم أكن صحافياً. فهي كشف عن عالم الصحف، العالم الخفي. كل هذا يرجع الى خبرتي خلال سنوات عملي كصحافي". ويعتبر يوسا ان ربط القرار بينه وبين ثابليتا "لا مفر منه، لكنني اعتقد انه يحدث لجميع الكتّاب. وقد ارتبطت بالحزب الشيوعي خلال عام واحد فقط، هو عامي الأول في الجامعة. وعبرت عن هذه التجربة في الرواية، والحزب الشيوعي كان شيئاً صغيراً، تم تدميره بالقمع، وظلت جماعة صغيرة موجودة سراً، وانضممت اليها لمدة عام، امضيت العام في مناقشات حادة ضد الواقعية الاشتراكية وفي النهاية انفصلت".