تقترح إنعام والي البطاط كما عرفت عند العراقيين وجمهور المسرح في بغداد شكلاً غنائياً هو اقرب ما يكون الى التنويعات اللحنية منه الى شكل الأغنية المعروف بتكرار لحنه الأساس، وبدت المقترحات الغنائية للمغنية - ممثلة المسرح في اسطوانتها الأولى "لابالوما" الحمامة الصادرة انطلاقاً من هولندا الى مراكز تسويق الموسيقى في أوروبا والعالم، مناسبة تماماً للقصد الذي وضعته صاحبة الدور المؤثر في مسرحية "ترنيمة الكرسي الهزاز" التي اخرجها عوني كرومي وهي صارت من ابرز عروض المسرح العراقي في عقد الثمانينات الماضي، قصد "تقديم الغناء العربي للسامع الأجنبي". في هذا الجانب، نجحت إنعام التي صار لقبها والي عوضاً عن البطاط بعد اقترانها بالكاتب العراقي المقيم في ألمانيا نجم والي، في التعريف وبهدوء وسلاسة بروحية النغم العربي، بشيء من المقامات المتداولة عراقياً وعربياً، وأحسنَ صنعاً الموزّع والعازف العراقي البارز على آلة الفيولا في "اوركسترا المعهد الوطني الأردني للموسيقى" محمد علي عباس حين نسج توليفة بين آلات عربية وغربية، كشفت عن مقدرة في تقريب النغم العربي لغير سامعيه الأصليين. صوت إنعام والي شعبي وناعم، فيه لمحات الشرق مثلما فيه المقدرة على مقاربة اشكال الغناء الغربي الكلاسيكي والعاطفي الهادئ، فضلاً عن مقدرة في نطق الحروف العربية منحت النصوص المغناة ملمحاً موسيقياً، ولتؤكد المغنية ان الموسيقى العربية غنائية الطابع، وأن هذا امتيازها وملمحها وجوهرها. العازفون: جولي كارتر فلوت، كيم روس أوبو، موسوم كيرلو هورن، محمد علي عباس فيولا، حسن حمد كمان، جورج أسعد، شريف الخطيب وأحمد الجوادي كمان، علي العزاوي تشيللو، عزيز ماضي كونترباص، صخر حتّر عود، فرات قدوري قانون، محمد طه إيقاعات ومحمد عثمان صديق بيانو وهم من "اوركسترا المعهد الوطني الأردني للموسيقى" قدموا لمحات نادرة من عزف صاف أغنى الألحان بروحية لم تكن على حساب الاتقان، بل جاءا الروحية والاتقان في نسيج موسيقي فيه من الشرق الروح الآسرة، مثلما فيه من الغرب البناء المحكم. صوت وألحان صوت إنعام واتقان الموسيقى، غطيا على ضعف الشكل اللحني، وعلى عسر ولّده اختيار في قصائد عربية جلّها معاصر لا يصلح للغناء. ففيما تحررت مقدرة إنعام في اجتراح لحن مسبوك اعتماداً على قصيدة "أهل بغداد" لابن زريق البغدادي، ومكّنها الكلام المصاغ اصلاً في نسيج موسيقي فيّاض، بدت تلك المقدرة وقد اصابها العسر وهي تجاهد لتقارب موسيقياً كلام الشاعر نوري الجراح او نجم والي لم يعرف عنه كونه شاعراً، وضاع صوت إنعام وهو يغالب عسر قصيدة مغرقة بحسب ترجمتها في نثريتها، منحت الاسطوانة عنوانها "الحمامة" وكتبها الشاعر الاسباني الراحل رافاييل ألبرتي. وظلت ابرع ما في الأغنية استعارات إنعام لأشكال من الأداء الغنائي المتداول عراقياً وعربياً لتعويض خسارتين: كلام لا يغنى ولحن لا طعم ولا لون له. وعندما غنّت إنعام للشاعرة سلوى النعيمي قصيدتها "بيغ بانغ" اقتربت من شكل الأغنية المعروف، حيث اللحن سلس وقريب للسامع، إلا ان التزام المغنية نصاً شعرياً جافاً جعلها تحيل آخر الأغنية الى اطلاق ما يشبه الصرخة تعويضاً عن اتصال مستحيل بين اللحن والكلام. وشفت قصيدة الشاعر هاشم شفيق "أيام" عن رقة عرف بها صاحب ديوان "قصائد أليفة" وزاد رقة الكلام، لحن نجحت إنعام والي في اجتراحه وجاء سلساً دونما عسر ولا انتقالات كانت دائماً ما تأتي في اغنيات اخرى تحايلاً على جفاف في الأداء، مثلما في لحن وغناء قصيدة "عجبت منك ومني" للحلاج وقصيدة "معنى الحب" للشاعر نبيل ياسين. هنا يبدو السؤال مشروعاً: أي نغم، أي رقة موسيقى في رفقة كلام "الحب أنا... انت/ الحب هو الانسان/ هو الآخر"؟ الغريب ان إنعام والي اختارت من شاعر غنائي رقيق مثل نبيل ياسين ما لا يغنى! مقترح إنعام والي في تقديم مقاربة عن غناء العرب وموسيقاهم الى المستمع الغربي، وفي رسم صورة ما عن لقاء موسيقي بين الشرق والغرب، لم يتجسد ببراعة مثلما تجسد في لحنها وغنائها قصيدة "أيها اللائم" لأبي القاسم الكوفي، فمع سطوة اللفظ العربي وموسيقاه الرفيعة، وشجو صوت إنعام كان هناك لحنها المستغرق في شرقية محببة جاء نداء للآخر، مستعيراً ما تشكل في ذائقته من ملمح عن الشرق لحن الحركة الأولى من سيمفونية "شهرزاد" لكورساكوف. حضرت في الأغنية "أجواء الليالي" من "يا ليلي" الى رشاقة الألحان الأندلسية وأساليب الغناء المتقن. وكم كانت الأغنيات ستغدو اكثر تماسكاً وصفاء من دون تلك النهاية القسرية التي لم تخل من مجانية حين رددت إنعام "شكراً" ومقابلاتها بلغات أوروبية!! "لابالوما" إنعام والي خطوة في طريق بدا شائكاً: تقديم موسيقى العرب وغنائهم الى مستمعين أجانب غربيين تحديداً، فلا هي تصدم السامع بعالم لا صلة له به، مثلما هي لا تنفصل عن روحيتها وملامحها الأصلية من اجل ان تظفر بإعجاب، مؤكد انه لن يدوم طويلاً. ولو عرفنا ان اسطوانة "الحمامة" هي الأولى لإنعام والي ومع هذا فإنها تثير علامات إعجاب غير قليلة تستحقها، فإننا ندرك ان عملاً لاحقاً للمغنية التي كانت تقارب الغناء اثناء وجودها وعملها المسرحي في بغداد هواية وغواية، سيكون اكثر صفاء حين يقارب الغناء العربي بروحية طليقة لا تتعثر في "اعلانات ثقافية" عبر الاتكاء على قصائد شعراء عرب معاصرين جاءت "ثقيلة" في غنائها على أبناء جلدتهم فكيف بها وهي تقصد الاتصال مع سامع لا يفقه لغتها؟!