التصبر مطلوب من كل مؤمن بالله... والدموع نعمة تغسل القلوب من أحزانها... * المواسون في وفاة شقيقتي الكبرى ليلى قبل أيام ذكروني بحقائق بديهية يعرفها كل عاقل منا ثم تشغلنا عنها مشاغلنا فنكاد لا نتعظ بها أو ربما لا نعترف بها إلا عند المصاب الأليم حين نواجه فراق عزيز غال لا لقاء بعده معه: الموت هو اليقين الذي لا يقين سواه. وأن غيرنا السابقون ونحن اللاحقون... وإنا الى الله وإنا اليه راجعون. واننا نأتي الى الدنيا بأكف خالية ونتركها بأكف خالية. ولا يبقى في النهاية إلا وجه ربك الكريم... وما لنا إلا نتائج أعمالنا، رضى الله عنا ومحبة الناس لنا. * على رغم الحقائق - التي لا مفر من صدقها - فراقك صعب يا أخية... أحاول أن أتعزى... فأجد التعزي صعباً... لا أشك في أن الله راض عنك يا ليلى وأنت الطيبة النقية السريرة، إذ اختار لك ألا تتعذبين وتعانين الضعف والمرض في الدنيا. ولا أشك في أن الناس راضية عنك إذ عبروا عن ذلك مترحمين وداعين... وأثبتوا صدق حبهم لك بكثافة حضورهم وكثافة دموعهم وكثافة دعائهم... غفر الله لك ومنحك من جنانه ما تستحقين... ويظل فراقك صعباً... * كنتِ وما زلتِ الحبيبة الغالية... لم يكن حضورك غياباً... اللهم لا اعتراض على مشيئتك... بمشيئتك نأتي... وبمشيئتك نرحل... وأنت لنا البدء والمنتهى... الرجاء والعزاء... ولولا هذا الإيمان لمات الناس كمداً وحزناً على فقد أحبائهم. ويا ليلى تبقين حاضرة في دفء القلب ملء البصيرة حتى وأنت غائبة متعذرة على البصر. * كم هو الانسان ضعيف أمام الفقد... ان تفقد حبيباً... تفقد شيئاً من ذاتك التي تكتمل بوجود من تحب وتتقلص بفقدانه... أن تفقد حبيباً غالياً... وتعلم أنه لا يستعاد من الموت امتحان عصيب... هو الشعور بالفجيعة حين نقف بأيد عاجزة عن ان تفعل شيئاً لأغلى من نحب... * قبلك يا ليلى حين اختار الله الوالدة لجواره خفف من وحشة اليتم وجودك بيننا، إذ أصبحت الأم لنا جميعاً بعد أن كنت الشقيقة الكبرى... وها أنا أشعر باليتم مرة أخرى... * كنت أنت الصدر الحنون الذي نلجأ اليه جميعاً، بناتك وأولادك وشقيقاتك وحتى أبوك وأخوك وزوجك... فأي امرأة تفيض بصدق حنان الأمومة مثلك؟ ربيتنا وأحسنت التربية... وعسى أن نؤدي لأولادنا بعضاً مما أديت لنا ومثلك قدوة تقتدى في حسن الأداء... * وأنت الحبيبة الغالية... يا أم الجميع... يفتقدك الصغار والكبار... يفتقدون حبك وحنانك وصدقك في اهتمامك بهم... * اسمعني وليد قصيدته فيك فكدت أفقد احتمالي وأنوح أمام حزنه العاري... كنت له أماً كما كنت لأمه وكما كنت لي أماً وأنت شقيقتي... ورأيت ندى وشقيقاتها وأشقائها يبكون فكدت أختنق بحزن بناتك وأبنائك... ومسني توجع لولوة في تصبرها وأنت رفيقة طفولتها وصباها... فخفت عليها وتوجست... وتوغل الوالد في تذكر لحظاتك الحميمة معه... وليدة وصبية وعروساً، ابنة وأماً ترعاه عن قرب من بعد... فما عرفت كيف أعزيه... قال لي: يا ابنتي كلمات العزاء التقليدية لأتصل أبداً عمق الحزن الذي نحس به... إنما تعبر عن الرغبة في مشاركة الحزن الذي نعرف ان من نعزّهم يمرون به. كدت أتشظى أمام حزنه الطاغي... كم هو عميق هذا الحزن الذي لا يصل قرارته الآخرون... وكم هو ضيق مجال مشاركتنا فيه لغيرنا... * كثيرون من محبيك الذين جاؤوا يعزوننا ويواسوننا ذكّرونا بأن كل المصائب تبدأ صغيرة وتكبر، إلا فجيعة الموت تبدأ كبيرة لا تطاق وتصغر بعدها مع الاعتياد حتى السلوان... وأنا يا أخية ما زلت أتصدع حزناً... ما زلت في تلك المرحلة الأولى حيث الفجيعة لا تطاق إلا بكثير من الجهد... والتصبر. ويخيفني توجسي انني سأطيل المكث فيها... فمثلك لمثلي يا أخية لا يعوض في العمر كله ولا ينسى ويسلى في يوم أو يومين... * كنت حضوراً مميزاً... مع كل من تعرفين أقربين أو أبعدين... في مصاباتهم... وفي أفراحهم... وما أظنك ستكونين في يوم ما غياباً... حتى في غيابك جسدياً تبقين في القلوب حضوراً حياً... رحمك الله واختار لك أطيب جنانه. وألهم كل من يحبك الصبر والسلوان. * أتقدم - أصالة عن نفسي ونيابة عن والدي وكل أفراد العائلة - بالشكر والتقدير لكل من واسانا في أحزاننا... لا أراكم الله حزناً على عزيز لديكم... والحمد للّه على كل شيء.