شهدت مدينة شنغهاي، في 15 حزيران يونيو 2001 إعلان تأسيس منظمة اقليمية جديدة في آسيا هي "منظمة شنغهاي للتعاون" Shanghai Coopertation Organization وتضم هذه المنظمة الجديدة ست دول آسيوية: منها الصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، واربعٌ من جمهوريات آسيا الوسطى هي: "كازاخستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وأوزبكستان. ويأتي إنشاء تلك المنظمة كمحصلة لسلسلة من الجهود التي بذلتها الدول الاعضاء منذ انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، لتلافي الاخطاء الأمنية الجديدة الناشئة عن هذا الانهيار. وكان أهم خطر واجهته تلك الدول هو ظهور مشكلة الحدود بين الصين الشعبية من ناحية، والدول الجديدة التي ظهرت على الحدود الصينية. وهددت تلك المشكلة بتوتر علاقات الصين الشعبية مع تلك الدول وبالذات كازاخستان، وطاجيكستان وقيرغيزستان. من ناحية أخرى، فإن ضعف النظم الجديدة في آسيا الوسطى عرّضها لمخاطر الحركات السياسية الدينية التي تلقت دفعة قوية نتيجة الانسحاب السوفياتي من افغانستان، بل وسقوط الاتحاد السوفياتي. ومن ثم انتشرت فيها حركات المعارضة الاسلامية، والتي سرعان ما امتدت الى داخل الصين الشعبية ذاتها، وبالذات في إقليم تركستان الشرقية المعروف باسم سينكيانغ. ففي هذا الاقليم يعيش 15 مليون نسمة، 60 في المئة منهم من أصول تركية اسلامية، يشملون 6 ملايين من قومية اليوغور، ومليون كازاخي، وحوالي 200 ألف قيزغيزي، ويسعى اليوغور الى إنشاء دولة لهم في تركستان الشرقية. أخذت الصين زمام المبادرة لمحاولة التعامل مع التهديدات الجديدة، فشرعت في تكثيف التعاون الاقتصادي مع دول آسيا الوسطى في إطار استراتيجية المشاريع المشتركة،. وتم توصيل خط سكة حديد الصين الآتي من شنغهاي ليمتد حتى اوردمكي، عاصمة سينكيانغ، وعبر الخط حدود قازاقستان في تموز يوليو سنة 1992 وحتى وصل الى مدينة ألمآتا عاصمة كازاخستان. وفي 1994 تم توقيع اتفاقية لتخطيط الحدود مع قازاقستان وتلتها باقي الدول المجاورة في مؤتمر جماعي عقد في شنغهاي في نيسان ابريل سنة 1996. ومن ثم، تم الاتفاق على تسوية الحدود نهائياً. وفي هذا المؤتمر أعلن تكوين مجموعة شنغهاي للدول الخمس The Shanghai Five إذ ان اوزبكستان لم تشارك في الاجتماعات، كذلك لم تشارك تركمستان في كل الاجتماعات نظراً لتمسكها بوضع الحياد الدائم. بيد أن مشكلة المعارضة السياسية الاسلامية والعنف الذي تستعمله تلك المعارضة في ما تطلق عليه الدول الست في مجموعة شنغهاي "الارهاب الاسلامي"، ظل مشكلة تؤرق تلك الدول، وهكذا اتفقت تلك الدول، لم تكن أوزبكستان تشارك في الاجتماعات حتى مؤتمر قمة شنغهاي سنة 2001، على السير قُدماً للتنسيق في مجال مواجهة الارهاب. وتم في ما بعد توسيع نطاق التعاون ليشمل قضايا اقليمية وعالمية أخرى، وبالذات الدور الاميركي الجديد في اسيا. إذ بدا أن الولاياتالمتحدة تسعى من خلال "برنامج الدفاع الصاروخي" National Missile Defense الى احتواء الصينوروسيا معاً، كما انها لم تقدم الى دول اسيا الوسطى الدعم الاقتصادي المتوقع، واقتصر دورها في تلك الدول على نزع السلاح النووي القازاقستاني، واستغلال ثروات دول اسيا الوسطى. هكذا بدا أن هناك توافقاً سياسياً جديداً يظهر بين الدول الخمس حول الموقف من الارهاب، ومن الولاياتالمتحدة ما دعاها الى استمرار جهود التنسيق. وفي آب اغسطس سنة 1999 عقدت الدول الخمس مؤتمر قمة في بشكيك، عاصمة قيرقيزستان، وفي هذا المؤتمر تم للمرة الاولى توسيع نطاق اهتمامات مجموعة شنغهاي لتشمل قضايا الارهاب، والتطرف، والجريمة المنظمة، والحركات الانفصالية. وفي 5 تموز يوليو سنة 2000 عقدت الدول الخمس مؤتمر قمة في دوشانبيه، عاصمة طاجيكستان شاركت فيه اوزبكستان بصفة مراقب، وللمرة الاولى سبق انعقاد مؤتمر القمة، انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية، وهو الأمر الذي اتفق على استمراره في مؤتمر قمة شنغهاي سنة 2001 كإطار مؤسسي للمنظمة الجديدة. وفي مؤتمر دوشانبيه اعلنت الدول الخمس معارضتها لبرنامج الدفاع الصاروخي الاميركي، وطالبت باحترام وضع اسيا الوسطى كمنظمة خالية من الاسلحة النووية، وباستمرار التنسيق لمواجهة الارهاب الدولي، والحركات الانفصالية، والتطرف الديني، وهي التهديدات الامنية الثلاثة التي نص عليها إعلان دوشانبيه. وعندما صدرت وثيقة التصور الاستراتيجي للسياسة الخارجية الروسية في حزيران يونيو سنة 2000 نصّت على أن مجموعة شنغهاي للخمسة، هي إحدى أولويات السياسة الخارجية الروسية. وكتعبير عن التصور الاستراتيجي الروسي الذي جاء مؤكداً إنشاء تفاهم استراتيجي آسيوي يضم الهندوالصين الشعبية اقترحت روسيا ضم الهند الى مجموعة شنغهاي. وجاء ذلك على لسان الجنرال ليونيد ايفانوف، مدير إدارة التعاون الدولي في وزارة الدفاع الروسية، آنذاك، في نيسان ابريل سنة 2001. ولكن الهند لم تتحمس للعرض الروسي لأنه يتعارض مع توجهها الجديد الذي يقوم على بناء تفاهم استراتيجي تكون الهند محوره، ويتأسس على أساس ثنائي بين الهندوالولاياتالمتحدة من ناحية، والهندوروسيا الاتحادية من ناحية أخرى، على ألا تقترب الهند من روسيا الى الحد الذي يؤثر سلباً على علاقاتها مع الولاياتالمتحدة. ومن ثم فإن دخولها في مجموعة شنغهاي، كان يعني اقتراباً استراتيجياً أكثر من اللازم من روسياوالصين الشعبية قد تكون له آثاره السلبية على علاقاتها الجديدة مع واشنطن. ومن المنطقي أن الدول الخمس رفضت اقتراح باكستان بالانضمام الى المجموعة في كانون الثاني يناير 2001، إذ أن تلك الدول تشك في دعم باكستان لحركة طالبان. وفي 15 حزيران يونيو الماضي اجتمعت الدول الخمس في شنغهاي، وانضمت اليها اوزبكستان هذه المرة كعضو بعد أن تعرضت لسلسلة من الهجمات من حركات المعارضة الاسلامية المتمركزة في وادي فزعانة، كادت تطيح الرئيس كريموف، كان آخرها في آب اغسطس الماضي وفي هذا الاجتماع تم إعلان تأسيس منظمة شنغهاي للتعاون. وركز المجتمعون في شنغهاي على مواجهة "الجريمة المنظمة، وتهريب السلاح، والمخدرات، والارهاب، والحركات الانفصالية في اسيا الوسطى". ودار نقاش حول جعل قيرقيزستان مركزاً للعمل العسكري في مواجهة حركة طالبان في افغانستان، كما تعهدت الصين الشعبية دعم قيزغيرستان عسكرياً، وعرضت روسيا انشاء مركز عسكري مشترك في قيزقيزستان يتولى تنسيق جهودها في مواجهة التهديدات الجديدة. من ناحية ثانية، أعلن زعماء قمة شنغهاي معارضتهم لبرنامج الدفاع الصاروخي الذي يسعى الرئيس الاميركي بوش الى الترويج له على حساب اتفاقية الحد من الاسلحة الاستراتيجية الاولى الموقعة سنة 1972، وأكد الرئيس الصيني غيانغ زيمين ان المنظمة الجديدة ستدعم تحول النظام العالمي نحو القطبية التعددية، أي معارضة الهيمنة الاميركية في إطار القطبية الاحادية. لعل أول معضلة تواجه "منظمة شنغهاي للتعاون" هي التداخل بين اختصاصاتها وبين المشروع الامني الذي تقوده قازاقستان لانشاء "مؤتمر اجراءات التفاعل وبناء الثقة في اسيا"، سيكا، وهو المشروع الذي تشارك فيه الصين، وروسيا وطاجيكستان واوزبكستان وقازاقستان، أي كل الدول الاعضاء في منظمة شنغهاي عدا قيرقزستان. ومن المقرر أن تجتمع الدول الخمس عشرة المشاركة في مشروع "سيكا" في تشرين الاول اكتوبر المقبل على مستوى القمة لإعلان إنشاء المنظمة الجديدة. وتوضح قراءة أدبيات المنظمة المقترحة أنها تركز على القضايا ذاتها التي تركز عليها منظمة شنغهاي. فالتعامل مع قضايا الارهاب، والتطرف الديني هو مناط اهتمام المشروع الأمني الذي تقوده قازاقستان وتشارك فيه مصر، وفلسطين واسرائيل. ومن الواضح أن ازدواجية اقليمية جديدة ستنشأ نتيجة هذا التداخل ليس فقط في العضوية. وانما ايضاً في القضايا محل الاهتمام. وربما تسعى الى دفع الاخيرة الى إعطاء أولوية للقضايا الأمنية الجديدة خصوصاً أن هناك خلافاً داخل "سيكا" حول الموازنة بين الاهتمام بالقضايا الامنية الجديدة مثل الارهاب، وتجارة المخدرات، والاسلحة الصغيرة والاهتمام بالقضايا الامنية القديمة كاحتلال الاراضي، وامتلاك السلاح النووي. والواقع ان لإنشاء منظمة شنغهاي دلالات اساسية بالنسبة الى تحولات النظام العالمي. فإذا كان البعض اعتبر أن الأزمة الصينية الاميركية حول طائرة التجسس في نيسان ابريل الماضي، نهاية حقبة ما بعد الحرب الباردة، فإن إنشاء منظمة شنغهاي هو خطوة أخرى في هذا الطريق، خاصة في ضوء التوجهات الاستراتيجية للادارة الاميركية الجديدة وهي توجهات تدور حول جعل الولاياتالمتحدة بمفردها هي المرجع الوحيد للأمن العالمي. ومن ثم يبدو أن انشاء منظمة شنغهاي هو الخطوة الاولى نحو بناء تفاهم استراتيجي روسي - صيني لموازنة تلك التوجهات. ومن ناحية أخرى، فإن إنشاء منظمة شنغهاي للتعاون، يكرس التوجه الذي بدأ في العام 2000 في دول آسيا الوسطى ومؤداه العودة الى التنسيق الاستراتيجي مع روسيا، والابتعاد تدريجياً عن الولاياتالمتحدة. ولعل أهم علامات هذا التراجع هو فشل الولاياتالمتحدة في حث دول اسيا الوسطى على وقف مشروع نقل النفط من حقول كازاخستان واذربيجان وتركمنستان الى مناطق استهلاكه في شمالي ايران مقابل تصدير كميات مماثلة من النفط الايراني القريب من الخليج العربي باسم تلك الدول. أعلنت ايران في اذار مارس الماضي أن الكونسورتيوم الصيني - السويسري الذي ينفذ المشروع حصل على التمويل اللازم للبدء فيه من البنوك الفرنسية ما يعد ضربة للدور الاميركي في آسيا الوسطى. إن الارتباط المؤسسي لدول آسيا الوسطى بروسياوالصين في إطار "منظمة شنغهاي للتعاون" هو مؤشر جديد على "المباراة الكبرى الجديدة" التي دارت في المنطقة منذ اوائل التسعينات تكاد ان تحسم حالياً لمصلحة روسياوالصين في المقام الأول، وايرانوالهند في المقام الثاني. ومن المتوقع أن تدعو الدول الاعضاء في "منظمة شنغهاي" ايران الى الانضمام اليها وان تقبل طهران تلك الدعوة، كما ستحاول تجديد الدعوة للهند، ولكن ليس من المؤكد أن الهند ستقبل ذلك العرض رغم توافق الاهداف بينها وبين دول المجموعة. كذلك فإن إنشاء "مجموعة شنغهاي" سيعطي دفعة قوية لمشروع إنشاء "طريق الحرير الجديد" الذي بدا فعلاً بين الصين وقازاقستان، وتبنت ايران جزءاً منه خصوصاً اذا انضمت الاخيرة الى تلك المجموعة وهو ما سيوفر لها فضاءً استراتيجياً جديداً وقدرات اكبر على إضعاف سياسة الاحتواء الاميركية. * كاتب مصري.