روى أحد الباحثين اللبنانيين الذين عملوا مع منظمة دولية تجربة مشروع الزراعات البديلة في قضائي بعلبك - الهرمل الهادفة للقضاء على زراعة الحشيشة، تحفظ الباحث عن نشر اسمه كي لا يسبب احراجاً لأحد وقال ان مجموعة الدول الغنية المانحة ومنظمات تابعة للأمم المتحدة اتفقوا على اطلاق تجربة زراعة بديلة للمخدرات في بلد لا تكون كلفة المشروع فيه كبيرة. "وبما انهم لا يستطيعون اجراء تجربتهم في بلاد واسعة، مثل تركيا أو أفغانستان أو كولومبيا، قرروا العمل في لبنان. وأطلقوا البرنامج عام 1993، بالاتفاق مع الحكومة اللبنانية وبالتفاهم مع الجانب السوري الذي وافق على استخدام الجيش السوري في المنطقة اذا دعت الحاجة. والدفعة الأولى التي قُدمت لتنفيذ المرحلة الأولى من المشروع بلغت أربعة ملايين و250 الف دولار أميركي على أن تنتهي هذه المرحلة في سنة وعشرة أشهر قبل الانتقال الى المرحلة الثانية". احتسب الباحث عدد المزارعين العاملين مباشرة في الحشيشة في قضائي بعلبك والهرمل، بحسب دراسة ميدانية للقرى، وحساب الاستثمار للمحصول في كل دونم ألف متر مربع. لكن الخطأ الأول الذي ارتكبته الدولة اللبنانية كان إصرارها على مضاعفة رقم العاملين في زراعة الحشيشة أربعة أضعاف بحجة: "حرام خليهم يستفيدوا". ووضعت دراسة قطاعية للتدخلات الملحة عبر بناء الشراكة المحلية. وأطلق على المشروع اسم "التنمية الريفية المتكاملة لقضائي بعلبك - الهرمل". وكان الخطأ الثاني الذي ارتكبته المنظمات الدولية منفذة المشروع إغفالها تحديد التنمية الزراعية المتكاملة، لأن التنمية الريفية تتضمن مشاريع كبناء مستوصف أو مركز تدريبي مهني للنساء. وهذه تعتبر كلها تدخلات متنافرة لا تصب في اتجاه واحد ولا يخدم بعضها بعضاً. في حين أن التنمية الزراعية تخدم مباشرة المزارعين المتضررين من مكافحة الحشيشة، بواسطة مشاريع متناسقة كتطوير زراعات المنطقة وأهمها المشمش، وتحديد مشكلاتها من الفنية الى التسويقية، والبدء بمكافحة الأمراض والآفات، ثم الاهتمام بالتسويق من طريق عقود مع مصانع التعليب. فيُضمن المحصول بسعر "العَتَبة"، أي "سعر كلغ المشمش عند التسليم". والتنمية الزراعية المتكاملة تفترض العناية بمزارع الأبقار والأغنام لكن تدخلات السياسيين أدت الى عرقلة العمل. وكان البرنامج يتضمن قروضاً للمزارعين، تبلغ مليوناً ونصف مليون دولار استفاد منها 1200 مقترض من دون صيغة تنموية تحدد إطار صرف المال أي من دون إطار تعاوني للمقترضين. فصُرفت الأموال في أمور خاصة، ولم تتحقق غاية المشروع من تحسين ظروف المزارعين. وصرف مبلغ الأربعة ملايين و250 ألف دولار على النحو الآتي: مليون ونصف مليون دولار قروضاً، والباقي مصاريف إدارية! وماذا كانت نتيجة الزراعة البديلة وبرنامج التنمية الريفية المتكاملة؟ زرعت مساحات شاسعة بالتبغ بواسطة التنقيط وهو أسوأ أنواع التبغ وبيعت المحاصيل بخسارة كبيرة. تراجعت المساحات المزروعة بالمشمش وكسد المحصول. وكسدت الخضار المروية بسبب اغراق السوق بالخضار من الخارج. وبدأ نزوح جديد الى بيروت. وفي اختصار: كانت فاجعة تنموية متكاملة!