تعزز حجم التأثير الإسلامي في إقليم كردستان بعد الفوز الذي حققته القائمة الإسلامية في الانتخابات البلدية في الجزء الذي يسيطر عليه الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود البارزاني. ومع هذا التقدم تراجع نصيب الأحزاب العلمانية الأخرى، وخصوصاً الحزب الشيوعي العراقي في هذه الانتخابات التي تمت يوم 26 أيار مايو الماضي، وشملت مختلف المدن والبلدات التابعة لمحافظة دهوك واربيل، الواقعتين تحت إدارة الحزب الديموقراطي الكردستاني. وكانت قائمة الديموقراطي الكردستاني حصدت غالبية اصوات الناخبين، في حين جاءت في المرتبة الثانية القائمة الإسلامية. وسبق ان جرت الانتخابات البلدية في الجزء الثاني الذي يسيطر عليه الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني في شباط فبراير الماضي، ولم تكن هنالك مزاحمة من القوائم الأخرى، بسبب سيطرة الاتحاد المطلعة على هذا الجزء الذي تقع فيه عاصمة الإقليم السليمانية. ويبدو ان الحزبين غير متفقين على العمل لتوحيد الجزءين ومعالجة المشكلات المتراكمة، إذ رفض الاتحاد الوطني الكردستاني المخاطبة التي وجهها إليه الديموقراطي الكردستاني لخوضه انتخابات موحدة لكل الإقليم، لذلك لجأ الديموقراطي الكردستاني الى اجراء الانتخابات في مناطقه بعد ان اجريت في الجزء الثاني. وعكست الانتخابات الأخيرة حجم الإقبال الجماهيري الواسع للمشاركة، إذ بلغت نسبة المشاركة 79 في المئة من مجموع الذين يحق لهم التصويت والبالغ عددهم نحو 900 الف شخص. وفاز نجاة ياسين خورشيد النجار عن الديموقراطي الكردستاني برئاسة بلدية اربيل وجاء بعده زهير محمد امين رشيد من حزب الاتحاد الإسلامي، بينما تراجع ممثل الحزب الشيوعي الى المرتبة الثالثة. وفي محافظة دهوك فاز برئاسة مجلس البلدية محمد حسن مفتي عن الحزب الديموقراطي الكردستاني وجاء بعده مرشح الاتحاد الإسلامي ومن ثم مرشح الحزب الشيوعي. وفي إطار تقويم هذه التجربة، قال نائب رئيس حكومة اقليم كردستان العراق سامي عبدالرحمن ل"الحياة": اتخذ المؤتمر الثاني عشر للحزب الديموقراطي الكردستاني قراراً بإجراء الانتخابات. وكانت اكبر مشكلة تواجهنا هي عدم توافر سجلات للناخبين لذلك اعتمدنا على الإحصاء التمويني لبرنامج الغذاء العالمي W f P الذي توزع بموجبه الأغذية وهو إحصاء دقيق ومضبوط لأنه يخضع للتصحيح المتواصل. وقد قسمنا المحافظتين الى مئات المراكز الانتخابية، ووضعنا مراكز خاصة للتصويت السري ووزعنا صناديق الاقتراع بموجب المواصفات الدولية. تمت الانتخابات بكل حرية وبنزاهة كبيرة، وكانت هناك هيئة للمراقبة مكونة من مختصين اجانب تابعوا سير العملية الانتخابية بشكل دقيق. وأضاف "ان هذه العملية لم تخل بمعادلة السلام والمصالحة مع الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد اجروا الانتخابات في شباط الماضي في مقاطعتهم، وفي ظل الأوضاع الحالية كان من غير العملي مشاركتهم لأنهم اجروها سلفاً. ونحن نأمل ان تكون هذه العملية مقدمة لترسيخ الأوضاع الديموقراطية في عموم العراق". وقال وزير الداخلية فاضل ميراني ل"الحياة" لقد "تشكلت لجنة عليا للانتخابات برئاسة نائب رئيس الوزراء وعضوية وزراء الداخلية والعدل والبلديات وممثل الادعاء العام ومحافظي اربيل ودهوك وممثل الإحصاء العام، وأصدرت هذه اللجنة التعليمات اللازمة بالعملية الانتخابية. وقد فاز مرشحو الحزب الديموقراطي الكردستاني بجميع المقاعد وبنسب مختلفة لعدد الأصوات في كل مركز بلدي، وأن هذه العملية ترسخ الإقبال على ممارسة الديموقراطية. ولم تشارك الأحزاب الموجودة في منطقة الحزب الديموقراطي الكردستاني لعدم دعوتهم لأسباب سياسية وأمنية، كذلك لم يدعوا هم أيضاً الحزب الديموقراطي الكردستاني والأحزاب المتحالفة معه في انتخاباتهم. وهذا يخضع لمبدأ التعامل بالمثل، ولكن الحزب الديموقراطي الكردستاني اعطى تعليمات لأنصاره في الجزء الذي نديره نحن بانتخاب مرشحي الأحزاب الأخرى، وهذا ما لاحظناه في الأرقام التي فيها نوع من المفاجأة لمرشحي بعض الأحزاب قياساً الى قاعدتها وبشكل نسبي". وأشار وزير الثقافة فلك الدين كاكائي، الى أن الشعب عبر عن رأيه وقناعته بممثليه وأبدى وعياً سياسياً واجتماعياً جيداً، وخلت الانتخابات من اي حادث امني مضاد، وأشاد بدور المرأة الملحوظ وزيادة اقبالها على صناديق الانتخابات. ويذكر ان عناصر نسائية عدة فزن بمقاعد عضوية المجالس البلدية بينهن شيرين عبدالرحمن دينو في زاخو، ووداد نجم الدين عبدالخالق في عقرة، وفريدة رجب يوسف وشيرين اسعد احمد في دهوك وغيرها. يقول احد قادة الحزب الديموقراطي الكردستاني فوزي الاتروشي "ان مبدأ الانتخابات يعبر عن سيادة القانون وتوسيع خدمة حقوق المواطن وتجذير التجربة الديموقراطية، ولعل اولى تجليات هذا التوجه هي إشراك المواطن في القرار وفي التخطيط وطرق تقديم الخدمات البلدية، وكانت الحكومة اعلنت قبل اشهر عن استحداث وزارة خاصة بحقوق الإنسان في كردستان العراق، وأستطيع الآن ان اقول إن هذه الخطوة، وكذلك عملية الانتخابات تسير في مجرى بناء المجتمع الديموقراطي". بيد ان المشكلات التي ما زالت قائمة بين قيادتي الحزبين الكرديين وانعكاساتها على عموم الشارع الكردي قد يقوض اية إضافة ديموقراطية في الواقع السياسي الراهن. فالانتخابات البلدية تبقى في إطارها الضيق إذا لم تعقبها محاولات بناء الثقشة وترسيخ وحدة الشعب الكردي واندماج القيادتين في إطار انتخابات برلمانية سليمة ونزيهة لتطوير كامل العملية الديموقراطية في الإقليم.