قليلة هي الكتب التي تهتم بالفن التشكيلي وبتأصيله في ذاكرة المتلقي السعودي، وعلى رغم الطفرة التشكيلية. إلا ان تلك المعارض الأسبوعية ظلت كأخبار ترافق لوحات الفنانين على صفحات الجرائد. هذا الدور الذي تقوم الصحف بتغطيته كواجب مهني وليس كواجب تثقيفي او تواصلي بين اللوحة وجمالياتها. وتعتبر الساحة التشكيلية من أنشط الساحات الثقافية في البلد، إلا ان هذه الحركة الدائمة هي حركة كسيحة في ظل غياب النقد المتخصص لما ينتج من اعمال تشكيلية تكاد تكون ظاهرة شاذة تحتاج الى الوقوف واستبيان غياب النقد المتخصص. في ظل هذا الغياب اتسعت الخريطة التشكيلية وبرزت اسماء لا يمكن حصرها. فكل واحد يحمل لقب فنان تشكيلي ما ان يرسم لوحة او لوحتين ويقيم علاقة تواصل مع بيوت التشكيليين المنتشرة، وبعدها يقيم المعارض ويشارك بأعماله في مهرجانات متعددة في الداخل والخارج. هكذا يظهر الموهوبون والمتواضعون جنباً الى جنب، إلا ان طغيان الحضور لكثير من المتواضعين يفسد ذائقة المتلقي ويخلق استخفافاً بفنٍ راقٍ ويولد المتطفلين السارقين لجمرة الإبداع الحقيقية. وتبرز في الساحة التشكيلية السعودية أسماء مهمة على المستويين المحلي والعربي، ومن جملة أولئك بكر شيخون وعبدالحليم الرضوي وعبدالعزيز عاشور وإلهام بامحرز وضياء عزيز ضياع وطه صبان الذي قدمه هشام قنديل اخيراً في كتاب صدر تحت عنوان "طه صبان ... ملامح من المشوار". وقدم في الكتاب مشوار الفنان وشهادات فنية من زملاء الدرب. هذه التجربة اصدار كتاب عن فنان تشكيلي سبقه إليها الفنان التشكيلي المختفي خليل حسن خليل من خلال كتاب صدر عن نادي جازان الأدبي ويقدم من خلاله لوحاته التشكيلية مكتفياً بمقدمة طويلة كتبها القاص عمر طاهر زيلع. إلا ان كتاب طه صبان حفل بالتاريخ إذ قدم سيرة حياة الفنان منذ طفولته وما قيل عنه وعن تجربته مع شهادات لتلك التجربة. ومما تمتاز به تجربة الفنان طه صبان استلهامه للبيئة الشعبية برموزها ومفرداتها مع تماسك الوحدات والمعايير والمضمون الفني والجمالي وترك مساحات صامتة حتى لا تفقد اللوحة حيويتها وكي يظل سطحها نابضاً بالحركة. ويرى عبدالحليم رضوي ان تجربة طه صبان تجربة اعتمد فيها الفنان على شق طريقه باحثاً ومنقباً في الشكل والمضمون وفي إبراز إحساسه الفني عبر تلك المعايير الفنية التشكيلية. ويمثل اللون في تجربة طه صبان لغة حوارية تصطخب بها اللوحة في محاولة لفتق الأسرار الدفينة وحمل الرسالة الغائبة للحضور، من غير سطحية تفضح التقنية والمهارة في رسم اللوحة. كما ان تكرار الشخصيات في لوحات طه صبان هي محاولة مستميتة لاستعادة لغة الحوار ما بين المتلقي والبنية الاساسية المتكررة للوحة.