تواجه اذاعة "البحر الابيض المتوسط" وهي من الاذاعات الموجهة للجالية العربية والمسلمة في فرنسا، تهديداً بعدم تجديد رخصتها بالبث "بسبب ضغوط يمارسها اللوبي الصهيوني، على حد قول رئيسها توفيق المثلوثي، وبسبب "الابهام الذي يطغى على اوضاعها المالية" على حد قول المجلس الاعلى الفرنسي للاعلام المرئي والمسموع. واكد المثلوثي التونسي الاصل ل"الحياة" ان اذاعته عرضة منذ اشهر لحملة تشنها عليها وسائل الاعلام اليهودية في فرنسا وتصفها بأنها "صوت الحقد الذي يبث من باريس" بسبب مواقفها المؤيدة للانتفاضة الفلسطينية ولحقوق الشعب الفلسطيني. ومع استمرار الانتفاضة واستمرار الاذاعة في نهجها تصاعدت الاتهامات الموجهة اليها، من جانب الاذاعات اليهودية مثل "راديو جي" و"راديو شالوم" ومن جانب المنشورات المتعاطفة مع الصهاينة مثل "ماريان" و"لاتريبون جويف" التي يقول المثلوثي انها تحرّض مستمعيها ضد اذاعة "البحر الابيض المتوسط" باعتبارها "معادية للسامية". ولم تقتصر الامور على الهجمات الكلامية، بل انها تحولت الى تهديدات هاتفية، ذكر المثلوثي انها توجه اليه شخصياً والى العاملين في الاذاعة، كما ترافقت مع استفزازات منها مثلاً مراكمة النفايات والقاؤها امام الاذاعة. وبلغت هذه الحملة ذروتها، من وجهة نظره، عبر التبليغ الرسمي الذي تلقاه من المجلس الاعلى الفرنسي للاعلام، عن احتمال عدم تجديد رخصة بث الاذاعة، لدى انتهاء مدتها في آب اغسطس من السنة المقبلة، باعتبار ان موازنة الاذاعة غير كافية لتسييرها. واستغرب المثلوثي موقف المجلس الاعلى معتبراً ان مرده الى الضغوط التي مورست عليه، وليس للاوضاع المالية للاذاعة اي شأن فيه، اذ ان موازنتها خالية من اي مستحقات ادارية او تجارية وحساباتها متوازنة. فالاذاعة برأيه ضحية حملة اللوبي الصهيوني وان المشكلة الحقيقية لا تكمن في موازنتها وانما في مواقفها من القضية الفلسطينية والانتفاضة، ولكن هذا ما لا يستطيع المجلس الاعلى قوله علناً، لأنه يشكل انتهاكاً لحرية الصحافة وحرية التعبير، ولذا فإنه يسعى الى اسكات الاذاعة من زاوية المصاعب المالية. ويعتزم المثلوثي مواجهة المجلس الأعلى عبر القنوات الفضائية، كما يعتزم رفع شكاوى بتهمة "الذم" ضد وسائل الاعلام اليهودية وتلك المتعاطفة مع الصهيونية التي تستهدفه واذاعته. وبالاطلاع على عينة من الانتقادات الموجهة الى اذاعة "البحر الابيض المتوسط" تقول الصحافية اليزابيت شملا في مقال لمجلة "ماريان" التي يديرها جان فرانسوا كان، انه لم يعد في وسعها ان تلتزم الصمت لمنع النزاع الذي يدور بين الفلسطينيين والإسرائيليين من الانتقال إلى فرنسا، فيما تشهد انتشار العنصرية المناهضة لليهود، وفيما تتعالى من كل جانب أصوات معادية لإسرائيل. وتروي شملا كدليل على مشاعر العداء لليهود، المستجدة في فرنسا، ان والدتها البالغة من العمر 93 عاماً والتي تقيم في وسط باريس وجدت في حديقتها طائرات صغيرة مصنوعة من الورق، وأنها عندما دققت فيها رأت أنها تحمل عبارات تقول "هتلر كان على حق" و"الخطوط الجوية الملكية النازية". وتضيف ان السكوت لم يعد ممكناً بالنسبة إليها خصوصاً عندما تقوم اذاعة "البحر الأبيض المتوسط" بتبرير عملية التفجير التي استهدفت الملهى الليلي في تل أبيب وتشيد بشجاعة منفذها وبالاحترام الذي يثيره في العالم الإسلامي. وتحذر من أن العداء للسامية بات حقيقة قائمة، وان تسوية النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني تبدو بعيدة المنال، وان على المسؤولين الفرنسيين أن يتعظوا من الماضي، ويواجهوا التقرح الذي يصيب عقول بعضهم في فرنسا. فقد تكون مواقف المثلوثي واذاعته تنطوي على بعض التطرف، لكن مضمون مقال شملا لا يقل عنه شأناً في هذا المجال، وهما يشكلان تعبيراً واضحاً عن حال الغليان القائمة بين الجاليتين اليهودية والعربية والمسلمة في فرنسا منذ انتفاضة الشعب الفلسطيني. فهل هذه الاجواء على صلة بالفعل، بالقرار الذي أبلغه المجلس الأعلى الفرنسي للإعلام إلى المثلوثي؟ أبداً على الاطلاق، على حد قول ناطقة باسم المجلس، أكدت ل"الحياة" أن المجلس لا يستهدف المثلوثي بأي هجوم وبأي مؤامرة، وان المسألة لا تتعدى كونها احتراماً للقوانين المتبعة في مجال الإعلام المرئي والمسموع. وقالت إن المجلس لم يتخذ أي قرار نهائي بشأن الاذاعة وإنما أبلغ المثلوثي بضرورة توضيح أوضاعها المالية قبل 15 تموز يوليو المقبل، إذا أراد الاحتفاظ بحق التجديد التلقائي للبث لمدة خمس سنوات. وذكرت ان اللجنة التقنية التابعة للمجلس لاحظت أن الوضع المالي للإذاعة يتسم بالابهام، وان تجديد رخصة البث مشروط بإزالته.