انتخابات بريطانيا العامة لا يُقدّر لها ان تفاجئ. هناك اجماع على نجاح "العمال الجدد". مع هذا يقال انها قد تفاجئ بالأرقام والنسب: انتصار ساحق لحزب توني بلير وهزيمة ماحقة لحزب المحافظين. وخوفاً من مثل هذه النتيجة لجأ قائد المحافظين وليم هايغ الى سلاحه الثقيل: مارغريت ثاتشر. استدعاها من قبو الخردة لتتدخل. وفعلاً كانت لها، في الايام القليلة الماضية، مداخلتان: الأولى، انها لا توافق "أبداً" على الذهاب الى أوروبا. والثانية، أن العمال اذا حققوا "انتصاراً كاسحاً" كان الأمر كارثة على بريطانيا. والمرتان كانتا دعستين ناقصتين. ففي أوروبا ذهبت "السيدة الحديد" خطوة أبعد من السياسة الرسمية التي يتبعها حزبها. فالأخير في حملته للتخويف من القارة، لم يقل "أبداً" ولم يجزم. كان مهتماً بمراعاة "ما يتكشّف عنه الرأي العام والمستقبل"، حرصه على عدم استفزاز "مُحبّي أوروبا" داخل الحزب ممن يتزعمهم مايكل هزلتاين وكينيث كلارك، ويرعاهم روحياً إدوارد هيث، من دون ان يكون جون مايجور بعيداً عنهم. هكذا زوّدت ثاتشر الصحافة بعدد من الأخبار والتعليقات والتكهنات عن نزاعات وأجنحة داخل المحافظين... عشية انتخابات عامة. اما في المرة الثانية، فبدا الكلام عن "الانتصار العمالي الساحق" مخالفاً لكل بسيكولوجيا العمل الانتخابي. ذاك ان احداً لا يضع مثل هذه الفرضية عن الحزب الآخر قبيل الانتخابات، حتى لو كانت الفرضية صحيحة. وقول ثاتشر ما قالته يعلن ان "امور" المحافظين "فقدت أعصابها وأصيبت بالاختلال" بحسب تعبير معلّق بريطاني. هنا نقع على المعضلة. فالحزب الذي أجّل أزمته، في ظل قيادة جون مايجور، عادت الأزمة لتنفجر في أحشائه مع قيادة وليم هايغ. ذاك ان بعض القواعد الاساسية للمحافظة انفكّت عنها ووجدت ضالتها في العمال الجدد. وكان لافتاً ان اصواتاً في بيئة البيزنس أعلنت أخيراً انها ايجابية حيال اليورو، فيما اعلن بعض رموز اللوبي الزراعي ان مشاكل تحويل العملات تغيّر نظرتهم الى الاندماج في القارة. وهناك من لم يجدوا في العمال ما يجذبهم، فوجدوه في الديموقراطيين الليبراليين: الحزب الذي يقف على يسار العمال من دون ان يرث ماضيه النقابي وتركته. وفعلاً باتت قوة هؤلاء في بعض مناطق الطبقة الوسطى للجنوب الانكليزي توازي قوة المحافظين. هذا ليس كل شيء. فبريطانيا ليست في العام 1978، حين لم تكن مارغريت ثاتشر قد جُرّبت. انها اليوم تعيش آثار الثاتشرية بحلوّها ومُرّها، وتعرف ان "السيدة الحديد" ما عاد عندها ما تقوله غير الالتباس والعبارات ذات المردود المتناقض. وفي موقع القلب من هذا كله أن ثنائي الرأسمالية والوطنية القصوى ما عاد قابلاً للعيش: فإما هذه أو تلك. أما الرأسمالية نفسها فلم يعد التقدم ينجم آلياً عنها، وعن حرية سوقها، من دون اجراءات وتشريعات مصاحبة. وهنا معنى الأزمات المتوالية التي تمخّض عنها بعض عمليات الخصخصة، لا سيما في النقل العام. هذا لا يلغي مشاكل العمال الجدد. الا ان تلك قصة أخرى وعناوين فرعية قياساً بالمانشيت: بؤس المصير المحافظ.