حزب المحافظين البريطاني يشحذ سكاكينه. وسكاكينه لا تُشحذ في وجه حزب العمال، بل: محافظون في وجه محافظين. مايكل بورتيّو أعلن رسمياً انه مرشح. آن ويديكوم نصف مرشحة. كينيث كلارك محتمل الترشيح. آخرون أيضاً. المعركة هذه المرة ليست كأية معركة. انها تدور حول جوهر المحافظة ومعناها وسط تغيرات أوجزها مايكل هزلتاين، القطب المتقاعد والمحافظ المستنير، بثلاثة: لم يعد المجتمع أبيض بل غدا تعددياً. لم يعد مؤسساً على العائلة التقليدية والانقسام الجنسي المألوف، بل ازدهر الطلاق والانماط الإيروسية المتباينة. لم يعد قومياً جزيرياً بل غدا أوروبياً. انهيار زعامة مارغريت ثاتشر مطالع التسعينات، اعلن صعوبة الصمود في وجه الجديد. ثاتشر كانت عارضت قديم المحافظة التقليدية بما هو أقدم: برأسمالية أولى وأولية. لكنها قدمت هذا "الأقدم" في حلة ثورية استعاضت بها عن "الجديد"، أو أكسبتها ثوب الجديد. أخذت الأسوأ من تشرشل وقفزت فوق إيدن وماكميلان وهيوم وهيث. كانت رغبتها الضمنية تقول ان هذا المزج بين القديم وبين الجديد المزعوم، كفيل بجعل المحافظين يحكمون بصورة مستمرة. كان يزعجها ان حزبها لم يحكم الا سبعين سنة من اصل سنوات القرن العشرين المئة! "العمال" المبعثرون والمشتتون في الثمانينات سهّلوا لها المضي في أحلامها. أحلامها هذه ما لبثت أن صارت كوابيس البريطانيين. جاء جون ميجور ليمضي في تأجيل المشكلة التي تتفجر الآن على ايقاع النصر العمالي المتكرر للمرة الأولى في تاريخه يحرز العمال ولايتين متصلتين... كما تردد كثيراً في الآونة الأخيرة. سيرة المرشح مايكل بورتيّو تلخّص الالحاح الراهن على تغيير الحزب، وإحداث قطيعة مع الثاتشرية. الوزير السابق ابن مناضل جمهوري من اسبانيا، جاء الى بريطانيا نصف مهاجر نصف منفي. غادر البلد لخوفه من فرانكو. العائلة كانت مقسومة في الحرب الاهلية لكن الأب كان حاسماً في يساره. ابنه اراد لنفسه النجاح الذي لم يحرزه ابوه: كان حاسماً في يمينه. صعد كشاب ثاتشري وصار، كسياسي محافظ، وزيراً. ظل على الدوام فرخاً ثاتشرياً يزعج محاولات جون ميجور للتفلت من "السيدة الحديد". على هذا النحو بقي الى ان هزمه شاب صغير ومثلي الجنس في انتخابات 1997. الصدمة حملته على اعادة حساباته، او هذا ما قيل. ذهب مع فريق من المصوّرين الى اسبانيا وسجّل شريطاً وثائقياً عن تجربة عائلته هناك، مبيّناً التضارب بين ابيه الجمهوري وعمه الفرانكوي. البعض قالوا انه يبيع حتى أباه. هو اراد ان يسجّل انه آت من مكان تعددي، منفتح على آراء ومواقف شتى. أقرّ بأنه تعرض في شبابه الاول لتجربة مثلية. لم يُوفّق في هذه المراجعة. تلقفه المثليون بالقول: إذن أنت كذاب مضاعف لأنك، حين كنت وزيراً للدفاع، منعت المثليين من دخول الجيش. مع هذا حالفه التوفيق في تمايزه عن الثاتشرية، وفي دعوته الى محافظة "محتوية" تتسع لهموم ومطالبات عريضة. أخذ على الزعيم السابق والبائس وليم هايغ انه خاض حملة انتخابية سلبية وفئوية: تركّز على التخويف باليورو ولا تتوجه الى مسائل الصحة والتعليم والمواصلات الحيوية للناس، وانها تخاطب مناضلي الحزب ولا تخاطب الشعب. مايكل بورتيّو هذا ربما كان انتهازياً. وهذا مرجح، مع انه تحوّط ضد هذه التهمة بأن تمسك بموقفه المناهض لأوروبا. في اي حال يبقى ان الوجهة التي سلكتها انتهازيته بالغة الدلالة. فهي تقول إن المحافظة الوحيدة الممكنة اليوم هي التي تقف في يمين الوسط، لا في يمين اليمين. عندها يتمركز العمال في يسار الوسط وتستعيد اللعبة الحزبية بعضاً من قوامها.