} طرحت روسيا مشروع قرار في مجلس الامن يتضمن هيكلة لشروط تعليق العقوبات المفروضة على العراق تمهيداً لرفعها، وذلك مع اقتراب نهاية مهلة حددتها واشنطن لتمرير مشروع القرار البريطاني الذي بات يُعرف ب"العقوبات الذكية". وأبدت اميركا وبريطانيا انزعاجاً من التوجه الروسي "غير الايجابي"، وسخرت واشنطن من دخول موسكو على خط "اللعبة العراقية". وفيما اعتبر الاردن ان "العقوبات الجماعية" لم تحقق هدفاً في تعزيز الامن والسلم، وحذر من انعكاسات تعديلها على اوضاعه الاقتصادية، داعياً الى رفع الحظر باعتباره "حلاً وحيداً"، أيدت الكويت تحسين البرنامج الانساني، لكنها أثارت تساؤلات عن مدى اكتراث الحكومة العراقية بمعاناة شعبها" متهمة اياها ب"مماطلات ومراوغات" ومحذرة من غياب ضمانات بأن "كارثة" الغزو لن تتكرر. اما السعودية فأكدت تأييدها اي قرار يرفع معاناة الشعب العراقي، محمّلة بغداد مسؤولية استمرار العقوبات. قدمت روسيا مشروع قرار في مجلس الأمن يعيد هيكلة شروط تعليق العقوبات على العراق وظروفه، ثم رفعها، بعد رسالة لوزير الخارجية الروسي ايغور ايفانوف الذي أوضح معارضة بلاده للمشروع البريطاني - الأميركي. وتحول الاجتماع بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس أول من أمس إلى استرجاع الخلافات العميقة، وساهمت الجلسة العلنية ليل الثلثاء في إبراز تسجيل الخلافات العربية على الملف العراقي، على الساحة الدولية. وانحسرت إمكانات تبني قرار عقوبات جديدة تخفف الجانب الاقتصادي وتشدد الخناق على الحكومة العراقية، نتيجة طرح روسيا مشروع قرار شاملاً أطاح موقتاً الاستراتيجية الأميركية - البريطانية. مندوب روسيا السفير سيرغي لافروف اعتبر أن هدف المشروع الأميركي - البريطاني تشديد الحصار على العراق فيما هناك حاجة إلى معالجة شمولية للملف العراقي تخرجه من الوضع الحالي. واقترح معاودة هيكلة القرار 1284 الذي وضع شروط تعليق العقوبات وظروفه ثم رفعها، بالتزامن مع تنفيذ متطلبات نزع السلاح المحظور والرقابة الدائمة على برامج التسلح. ويعارض السفيران الأميركي جيمس كننغهام والبريطاني السير جيريمي غرينستاك المشروع الروسي، واعتبر الأخير أن التوجه الروسي "ليس ايجابياً" و"مثير للازعاج والقلق" لما يتضمنه من "معاودة صياغة وكتابة" لقرارات التي تبناها مجلس الأمن. ولمح السفير الأميركي إلى إمكان عودة المجلس إلى الوضع الذي كان عليه قبل الطروحات الأميركية - البريطانية، أي احتمال العودة إلى تمديد صيغة "النفط للغذاء" بموجب القرار 986 لستة شهور. وقال: "إنه لمثير للسخرية ان نجد أنفسنا في الوقت الذي تبدي حكومتي وحكومات أخرى الاستعداد للتوجه الراديكالي، عرضة لهجوم آخرين طالما ضغطوا باتجاه تغيير النظام" الذي يتحكم بالعقوبات. وزاد ان واشنطن تتوقع من بغداد "ممارسة اللعبة كعادتها، ولكن ما لا نفهمه هو لماذا يدخل آخرون هذه اللعبة"؟ وأكد سفير فرنسا جان دافيد ليفيت ان "استمرار الوضع الحالي ليس مرضياً"، ورحب بالاقتراحات الأميركية لتحسين برنامج "النفط للغذاء"، لافتاً إلى إصرار فرنسا على ادخال تعديلات على المشروع البريطاني، ومشدداً على ضرورة استعادة الاجماع بين أعضاء مجلس الأمن. واللافت ان الصين لم تتبنَ المشروع الروسي، وأكد سفيرها أنها "تنوي درسه بعناية"، على رغم اعتباره "محاولة مفيدة لكسر حال الجمود". وأشار إلى أنه يتفق مع روسيا على الاسلوب "الشمولي" في معالجة الملف العراقي وضرورة ازالة الغموض في القرار 1284 ووقف القصف الأميركي - البريطاني على العراق، وازالة منطقتي الحظر الجوي في شماله وجنوبه. وعرضت أربع دول عربية مواقفها، وخاطب مندوب تونس، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، السفير نورالدين مجدوب المجلس قائلاً: "آن الاوان لحلحلة الملف العراقي واخراجه من المأزق الذي تردى فيه، وذلك بارساء آلية تمكن من التقدم نحو الحل الشامل الذي يضمن رفع العقوبات عن العراق، وينهي معاناة شعبه بعد 11 سنة من الحصار، ويمكّن من تسوية المسائل العالقة مثل مسألة المفقودين الكويتيين والممتلكات الكويتية، ويكفل تحقيق أهداف مجلس الأمن في المنطقة من أمن واستقرار للجميع". وتابع: "من أجل بلوغ تلك الأهداف يجب اعتماد مقاربة شاملة للمسألة العراقية، تأخذ في الاعتبار مختلف جوانب المسألة وتأثر بعضها ببعض، والاهتداء بنظرة متجددة لسبل الحل وطرقه للوصول إلى الحل الشامل". واقترح ثلاثة توجهات: "الوضع الإنساني: بلغ درجة من التردي هي مصدر قلق كبير، بحسب مقاييس المنظمات الإنسانية الدولية. وبرنامج النفط للغذاء يبقى، على رغم مفعوله الايجابي، اجراء موقتاً وذا مردود محدود، والطريق الوحيد لمجابهة الوضع الإنساني للشعب العراقي ووضع حد لمعاناته هو معاودة بناء الاقتصاد العراقي وتأهيله، ما يستوجب فتح الباب أمام الاستثمار الخارجي في القطاع النفطي، وأمام قطاع الخدمات وتسريح النقل الجوي... الخ، في أقرب الآجال. وسنواصل مساهمتنا اليومية في جهود المجلس من أجل تحسين ظروف عيش الشعب العراقي وتخفيف مأساته". وتطرق إلى تطبيق قرارات مجلس الأمن، قائلاً: "كإطار قانوني يحدد التزامات العراق في ميدان نزع السلاح وينص على استعداد المجلس لتخفيف العقوبات ورفعها، بحسب تعاون العراق لتنفيذ التزاماته، تتطلب القرارات تطبيقها بحسن نية من جميع الأطراف. وتكتسي بعض الركائز في قرارات المجلس أهمية خاصة بالنسبة إلى صدقية المجلس ونجاعة عمله، وبينها خصوصاً احترام سيادة دول المنطقة وحرمة ترابها من الجميع، بما يصون وحدة مفهوم الشرعية والقانون. وفي هذا الإطار تجب معاودة النظر في مسألة مناطق حظر الطيران، والعراق تتعاون طوال سنوات مع الأممالمتحدة ولجنة نزع السلاح، وهذا التعاون يجب أن يتم تسجيله والاعتراف به. ومع أن العراق مدعو إلى مواصلة هذا التعاون، لأن مساهمته ضرورية، يجب تشجيعه على التعاون من خلال اجراءات حوافز". وتحدث عن "التسوية لما بعد النزاع"، ورأى أن الأممالمتحدة "لا يمكن أن تواصل التعامل مع المسألة العراقية من زاوية العقوبات وحدها، بل يجب الاعتماد في البحث عن الحل المنشود على الطرق السياسية والديبلوماسية الكفيلة وحدها بضمان حظوظ التوصل إلى الحل الشامل، الذي يمكّن العراق من أن يرى الضوء في آخر النفق، عن طريق رفع العقوبات عنه وإنهاء معاناة شعبه، ويكفل كذلك حل المشاكل الأخرى مثل مسألة المفقودين الكويتيين والممتلكات الكويتية، ويضمن لكل دول المنطقة أسباب الأمن والاستقرار والتعايش السلمي، حتى تتمكن شعوب دول المنطقة وحكوماتها من تنمية علاقات تعاون مثمر في كنف حسن الجوار والثقة المتبادلة". وختم مجدوب بأن "الدفع بالمسألة العراقية نحو الحل أصبح أكيداً أكثر من قبل، نظراً إلى ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من غليان، على خلفية الأحداث في الأراضي المحتلة، ولما يشعر به الرأي العام هناك من مرارة ومن توق إلى العيش في سلام ووئام". الأردن وتحدث سفير الأردن الأمير زيد بن رعد عن "استمرار معاناة المنطقة بأسرها" نتيجة الأزمة الناجمة عن "اجتياح العراقالكويت". وقال ان العراق ما زال "يدفع ثمناً غالياً من مستقبل أجياله وقوتها وصحتها وآفاق تقدمها نتيجة استمرار العقوبات الشاملة وتعرضه للحالة الراهنة التي سببت ولا تزال معاناة لا مثيل لها". وأشار الى أن الأردن "ما فتئ يطالب بإنهاء معاناة العراق وشعبه، ويدرك ان هذه العقوبات الجماعية، التي تعتبر الأشد من نوعها في تاريخ الأممالمتحدة، لم تؤد غايتها في تمتين الأمن والسلم، بل أدت الى نتائج تحمل أخطاراً مستقبلية، تهدد على المدى البعيد المنطقة بأسرها". ونبه الى ان الأردن كدولة مجاورة "تأثر اقتصادياً في صورة فادحة نتيجة الالتزام بقرارات مجلس الأمن. إذ ما زالت قطاعات واسعة من الاقتصاد الأردني تتعرض لخسائر كبيرة، وتشمل تلك القطاعات النقل البري والبحري والجوي وقطاع الصناعة والزراعة وسوق العمالة وغيرها، الأمر الذي يوجب العمل لإنهاء الآثار السلبية للعقوبات على الأردن". وتحدث عن مداولات مجلس الأمن في اطار "مراجعة السياسات والأساليب المعتمدة في التعامل مع برنامج النفط للغذاء"، مشدداً على أن "أي مراجعة لتلك السياسات يجب أن تكون قابلة للتطبيق وتحظى بتوافق كل الأطراف بما فيها العراق، لا سيما أنها ترتكز الى تفاهمات مسبقة". ودعا الى "وضع أهداف تحسين الوضع الانساني في العراق فوق كل اعتبار، وعدم الخلط بين مراجعة السياسات المعتمدة في التعامل مع البرنامج، والدعوة الى استكمال تنفيذ كل قرارات مجلس الأمن". وزاد: "لا بد للمجلس ان يتحمل تبعات أي اجراءات جماعية وقائية، كما تنص عليها بوضوح المبادئ الأساسية للمادتين 49 و50 من ميثاق الأممالمتحدة، والالتزامات القانونية المترتبة عليها، لا سيما ان المنطقة تمر بمرحلة بالغة الحساسية نتيجة تعثر عملية السلام واستمرار دوامة العنف" في الشرق الأوسط. وحض مجلس الأمن على "أن يتناول بالتفصيل الأبعاد المترتبة على الأردن والمنطقة، وتحمل مسؤولياته بموجب الميثاق"، مذكراً بأن الحكومة الأردنية "قدمت مذكرة الى الأمين العام للأمم المتحدة توضح الآثار السلبية الضخمة التي سيتعرض لها الأردن واقتصاده في حال الإخلال بالترتيبات الاقتصادية التبادلية القائمة بينه وبين شريكه التجاري الأول العراق، بما في ذلك استيراد كل احتياجاته النفطية من العراق". وكرر ان "الدعوة الى استكمال التنفيذ الأمين لقرارات مجلس الأمن والالتزام بها يجب ألا تتنافى مع المحافظة على سيادة العراق وسلامته الاقليمية ووحدة أراضيه، ومع عدم القيام بما يمكن أن يشكل مساً بها". واعتبر ان "السبيل الوحيد للخروج من الأزمة هو أن يرفع مجلس الأمن العقوبات عن العراق، ويخرجه من هذا الوضع من خلال إحياء الحوار الشامل بين بغدادوالأممالمتحدة، من أجل تسوية كل المسائل المتصلة باجتياح العراق للكويت، على أساس استكمال تنفيذ قرارات المجلس، بما فيها ما يتعلق بالأسرى والمفقودين الكويتيين ورعايا الدول الثالثة، وصون أمن وسيادة كل من الكويتوالعراق". الكويت أما مندوب الكويت السفير محمد أبو الحسن فنوه بمواصلة مجلس الأمن منذ أكثر من شهر "مداولات مكثفة حول سبل تخفيف المعاناة والعمل لتجنيب الشعب العراقي أثارها الضارة". وأعلن ان الكويت "تدعم كل الجهود والمساعي المبذولة لادخال مزيد من التحسينات على البرنامج الانساني وبما يؤدي الى الغاء القيود على تدفق السلع المدنية لرفع معاناة الشعب". لكن أبو الحسن نبه الى "تقاعس الحكومة العراقية في الالتزام بأداء مسؤولياتها تجاه شعبها"، مشيراً الى ان هناك "علامات استفهام كثيرة حول مدى اكتراثها بمعاناة شعبها". وأضاف: "العراقيل التي تضعها الحكومة العراقية أمام تنفيذ البرنامج الانساني في المحافظات الشمالية تهدف فقط الى منع التحسن في الحال الانسانية في تلك المناطق، لئلا يشكل ذلك حرجاً لها لدى مقارنته بالوضع الانساني في الوسط والجنوب التي تقع تحت سيطرتها". واتهم الحكومة العراقية ب"مماطلات للتهرب من تنفيذ الالتزامات الرئيسية التي نصت عليها قرارات مجلس الأمن". وعدد المطالب الأساسية لبلاده على النحو الآتي: - أولاً "قضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين وغيرهم من رعايا الدول الثالثة"، وقال ان "عدم اكتراث الحكومة العراقية بالبعد الانساني لهذه القضية وتجاهلها مواقف المجلس دليل آخر على تصميم العراق على استمرار الأجواء المشحونة في المنطقة". - ثانياً، اعادة الممتلكات الكويتية، وتمنى السفير على المجلس "عدم الاكتفاء باصدار بيانات تلو بيانات لا تجد اذناً صاغية من العراق". - ثالثاً "النيات السلمية"، وفي هذا الاطار، عرض أبو الحسن "التهديدات المتكررة التي تمس أمن الكويت وسيادتها"، وأشار الى "الاتهامات والمزاعم العراقية التي تدعي ان الكويت تقوم بسرقة النفط العراقي في المنطقة الحدودية". وزاد: "هذه الاتهامات نتعامل معها بجدية، ولا يمكننا في أي حال قبول ما يردده بعضهم من انها للاستهلاك المحلي، فأمن الدول واستقرارها ليسا سلعة لدى المستهلكين". وذكّر بأن هذه الاتهامات "استخدمتها الحكومة العراقية كمبرر لغزو دولة الكويت" عام 1990، وذاكرة شعوب الخليج لا تستطيع ان تنسى ما حدث". وحذر من أن "الخطاب السياسي والإعلامي العراقي الموجه الى الشعب العراقي والى دول الجوار، لا يساعد أبداً في التأكد من أن الكارثة التي حصلت لن تتكرر، أو ان الحكومة العراقية اتعظت من الماضي، وتخلت عن أحلامها وغيّرت نهجها في تعاملها مع جيرانها". وزاد: "ما يدعو الى القلق ان هذه السياسة العراقية تستهدف اشاعة أجواء التوتر وزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة". وشدد على أن "تنفيذ العراق كل قرارات مجلس الأمن هو الضمانة الأساسية لأمن المنطقة واستقرارها، ومن دون الالتزام الكامل بهذه القرارات ستبقى هذه المنطقة الحيوية من العالم في حال توتر دائم. ولو ان العراق نفذ التزاماته التي نص عليها القرار 1284 الذي مضى على صدوره نحو سنة ونصف سنة لعلقت العقوبات ان لم تكن رفعت اسوة بما حصل لدول أخرى". ودعا مجلس الأمن الى مواصلة جهوده "وبعزم جماعي يؤكد وحدته في الرؤية والطريقة والفكر، ويوصل رسالة واضحة لئلا تخطئ فهمها الحكومة العراقية بأن المجلس ينطلق من مسؤولياته السياسية والقانونية لحملها على تنفيذ التزاماتها، كي يستطيع العراق ان يعود ويأخذ مكانه الطبيعي كعضو فاعل اقليمياً ودولياً، ويتمكن شعبه الشقيق من الاستفادة من موارده وثرواته التي وهبها الله له، لينعم بحياة راغدة اسوة بما تتمتع به دول المنطقة التي لها الثروات والامكانات ذاتها".