في فجر 22 حزيران يونيو عام 1941، اي قبل ستين عاماً بالضبط، عبرت قوات ألمانيا النازية حدود الاتحاد السوفياتي لتبدأ حرباً وصفها الزعيم النازي أدولف هتلر بأنها "خاطفة" وقدر لها ان تستمر ستة اسابيع، لكنها دامت اربع سنين وانتهت بهزيمة ألمانيا وتحول الاتحاد السوفياتي دولة عظمى قبل ان ينهار في ما بعد من دون حروب. وأحيت روسيا امس ذكرى "يوم الأسى والحزن" حين فقدت في تلك الحرب زهاء 27 مليوناً من ابنائها، إضافة الى اكثر من 10 آلاف مدينة وبلدة دمّرت. ولمناسبة الذكرى الستين للحرب، كشفت في موسكو امس وثائق من الأرشيف ظلت طي الكتمان طوال السنين الماضية. وذكر فلاديمير كوزيلينكوف مدير الأرشيف العسكري ان الوثائق تبرهن ان القيادة السوفياتية ظلت ثلاثة أيام "محتارة في تقويم ما يجري: اهي حرب ام مجرد تحرش؟". وربما كان هذا التردد واحداً من أسباب الخسائر الفادحة التي تكبدها الاتحاد السوفياتي في المرحلة الأولى للحرب، إذ إنه فقد في غضون ستة اسابيع، كل أراضي بيلاروسيا وجمهوريات البلطيق الثلاثة التي كانت ألحقت بالاتحاد السوفياتي عام 1940. وكشفت الوثائق السرية ان ما يربو على 30 فرقة سوفياتية كانت أبيدت في معركة واحدة قرب مدينة بيلوستوك. وبموجب خطة "باربروسا" التي اعدتها هيئة الأركان الألمانية فإن زهاء 180 فرقة تضم 5،5 مليون جندي وضابط تساندهم خمسة آلاف طائرة و4300 دبابة كان يجب ان تشارك في "الحرب الخاطفة" وترفع الأعلام الألمانية فوق الكرملين في غضون أسابيع. ولكن الحسابات الألمانية سرعان ما تبددت، فقد أبدى السوفيات مقاومة ضارية وأوقفوا زحف القوات الألمانية على بعد كيلومترات من موسكو، وشنوا هجوماً مضاداً غدا أول هزيمة يمنى بها الألمان في سنوات الحرب. وتوالت بعد ذلك المعارك المصيرية ومن أهمها حصار لينينغراد التي لم تستسلم على رغم تطويقها لمدة الف يوم تقريباً، كما صمدت ستالينغراد وفقد الألمان هناك 300 ألف جندي وضابط وقعوا في الأسر وكانوا بقيادة المارشال باولس الذي رفض الزعيم السوفياتي جوزف ستالين ان يبادله بابنه ياكوف الذي كان أسيراً لدى الألمان، مؤكداً أنه "لا يبادل مارشالاً بضابط بسيط" حتى ولو كان ابنه. وكانت قسوة ستالين مع ابنائه وشعبه على حد سواء سبباً في فقدان الدولة عدداً من خيرة قادتها العسكريين الذين تخوف ستالين من "احتمالات خيانتهم" له. إلا ان القسوة اياها غدت من مقومات الانتصارات التي غيرت مجرى الحرب العالمية الثانية بعدما دخلها الاتحاد السوفياتي الى جانب الحلفاء الغربيين. وكرست مواقع موسكو العالمية في مؤتمر يالطا حينما اعترفت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ب"مناطق نفوذ" سوفياتية ووافقت على أن يكون لموسكو حق النقض الفيتو في مجلس الأمن. ويتحدث الروس بمرارة الان عن ان الألمان المهزومين في الحرب توحدوا وتقاربوا مع أوروبا، فيما الدولة التي واجهتهم انقسمت على نفسها ودخلت دوامة أزمات أدت الى فقدان هيبتها العالمية. وبمعنى آخر، فإن الأهداف التي توخاها هتلر تحققت من دون حرب. ويحاول الرئيس الحالي فلاديمير بوتين استنهاض مشاعر العزة القديمة لدى ابناء وطنه ونظم فاعليات عدة لمناسبة الذكرى الستين ل"الحرب الوطنية العظمي" كما يصفها الروس.