أول الكلام: من لوحات كتابها: "أشهد عكس الريح" في طبعته الثالثة، للأدبية المبدعة/ غادة السمان: - كنت أفكر بعلاقة انسانية حقيقية نحياها معاً في دهاليز أحزاننا وخيباتنا ونُواجه بها: الموت والحزن والمجهول ونتبادل خلْع الأقنعة، والحب في ليل المحطات الموحشة الماطرة الملقَّبة بأيامنا!! عندما كنت مستغرقاً... أشهد زمناً يتعمَّق جراحنا العربية الغائرة... وأتابع بشراً يُحوِّلون الباطل الى حق كتحولات الماء... وأُحبط من أحكام تمرّدت على العدالة لتكرّس ظلم الانسان القويّ للانسان المسروق الى طواحين الهواء... فجأة: وصلني كتابها الشهير: "أشهد عكس الريح" في طبعته الثالثة من بيروت... وفي اهداء/ غادة السمان نسخة من كتابها هذا، كتبت لي تقول: "أبو وجدي/ شهادة عكس الريح في زمني الباريسي، وطبعة ثالثة جديدة في بيروت". وفي اهداء الصديقة/ غادة هذا الكتاب لكل الناس، كتبت: "اهدي هذا الكتاب الى سيدي الألم... ففي مرآته وحدها لمحت وجهي الحقيقي، وكدت أعرف نفسي"... وقد تُرجم العديد من نصوص هذا الكتاب الى الانكليزية والفرنسية ضمن اطار اطروحة/ نجلاء الاختيار للسوربون عن أعمال غادة الشعرية، وترجمه الى الفارسية الاستاذ بجامعة طهران/ د. عبدالحسن فرزاد، وذلك ضمن إطار كتاب: "مختارات من قصائدي" الصادر عن منشورات جشمة/ طهران في طبعتين. وفي زفة فرحتي بالكتاب، وكأنني أطالعه لأول مرة رغم قراءتي لطبعته الأولى الباريسية، اكتشفت ان "غادة السمان" سجلت بين دفَّتي هذا الكتاب 53 شهادة: شهادة على بصمات شاعر، و"على جنوني"، وعلى شاعر آخر أحبته، وعلى ضيف غريب الأطوار، وعلى جنون مدينة، وعلى "وجه داخل جرحي"، وعلى شهريار، وعلى محاولة اغتيال، وعلى حافة الحب... وشهادة بنخلة عربية، وبفراشة ليلية، وبليل المحطات، وبسارق النار، و"برجل ليس لي"، وبالحب العذري في باريس - ومَنْ يُصدِّق! - وبالهذيان، وبالضوء والنار، وبالفراق، وبنوارس الورق الأبيض! ولا أحسبها صدفة أن المبدعة/ غادة السمان: افتتحت شهاداتها بشهادة على جنوني... ذلك أنها: تفتتح الحب والفرح به وتقول له: أتوّجك في مملكة الذاكرة أميراً يرفل في حرمانه! وأعرف أن "غادة": عازفة كلمة رشيقة، جذلى، جذابة، وان كلماتها تُعشب الذاكرة، وتُعطّر براري العشاق... وان شهاداتها هذه: قد تأتي عكس السير وضد خفقها، ولكنها قادرة ان تفتح أبواب الصبابة، والهجر، والأشواق، والحب، والحلم... وقدرتها تتمثل في تفوُّقها الحسي الشفاف على عصر يغمسنا جميعاً في: مادياته، وسرعته، واختصاراته! انني أصف هذه الكاتبة المبدعة بالطفلة حينما تسكب خفقها على الورق... تُذكِّرني بحبيبة "مكسيم جوركي" التي تركت له ورقة عند البستاني ذلك الصباح، كتبت له فيها: - مكسيم... أيها المتألم المجنون، الحزين المتأمل... تعلَّم كيف يعشق الناس، وتعلَّم أكثر كيف تُعامل امرأة تقول انك تحبها، وأعلم أخيراً أنني... اختفيت! وتركَتْه حبيبته تلك الليلة يتذكَّر، ويحن اليها ويشتاق ويحزن أكثر... وفي الصباح: حمل أوراقه وبسطها أمام رئىس التحرير الذي رفض له قصة قصيرة أتعبته كتابتها وهو يتذكر أمه التي ماتت... وقرأها ثم التفت اليه قائلاً: من كتب لك هذا الفن الرائع؟! - أجابه مبتسماً: كتبته حبيبتي!!