حلّ فصل الصيف باكراً هذه السنة في المملكة العربية السعودية بعد ربيع خلاب ما زالت آثار خضرته التي استمتع بها كل السعوديين، بادية على جبال منطقة عسير وغاباتها وأوديتها ومتنزهاتها وبساتينها ومدرجاتها ومطلاتها. عسير يغشاها الضباب مداعباً بنسماته الرقيقة المعطرة أشجار العرعر وقامات السنابل، وترتدي الاخضر الزاهي المطرز بحبات البرد وقطرات الندى، هي التي تشتهر بهطول الأمطار الغزيرة عليها معظم السنة، لتُبدي الأرض زينتها وتظهر جمالها وتتبارى الزهور والنباتات العطرة في اشكالها وعبيرها، ويمتزج شدو العصافير بخرير الماء في الاودية والشلالات وحفيف الاشجار، مكونة مقطوعة سمفونية طبيعية عذبة الالحان ورقيقة المعاني كعذوبة صيف عسير الربيعي المتألق والحافل بالنشاطات... تحت عنوان المحبة والصفاء والنقاء. يقصد عسير المصطافون من داخل السعودية وخارجها بأعداد هائلة. وقدرت دراسة أجرتها الغرفة التجارية الصناعية في أبهاجنوب السعودية بين العامين 1995 و1998، عدد السياح اليها ب810 آلاف، بلغت نسبة الأجانب منهم 34 في المئة. وقفز العدد عام 1998 الى 1.3 مليون انفقوا أكثر من 1.7 بليون ريال سعودي 454 مليون دولار. أما العدد عام 2000، فتجاوز 1.5 المليون أنفقوا أكثر من بليوني ريال 534 مليون دولار. وسارعت الادارات الحكومية والجهات الأهلية المعنية بالقطاع السياحي إلى انهاء استعداداتها ووضع خطط مشاركتها الفاعلة، بما يخدم عشرات الآلاف من المصطافين من داخل السعودية وأبناء دول الخليج العربي الذين يتوقع وصولهم مع الاسابيع الأولى من فصل الصيف. وتعوَّد زوار عسير الانخراط صيفاً في النشاطات المقامة للترفيه البريء عن السياح مثل معسكرات الفتيان المفتوحة عادةً لمن هم من سن الثانية عشرة وحتى العشرين. ويشارك هؤلاء في نشاطات متنوعة تتطلب قوة تحمل واعتماداً على النفس وشجاعة وتعاوناً وحراسة في الليل، ويتابعون برامج ثقافية واجتماعية ورياضية، مثل ركوب الخيل والرماية والسباحة وتسلق الجبال. ويتعلمون أشياء لا يعرفونها في المنزل، كالطبخ والطهو والجزارة. وترافق صيف عسير محاضرات دينية في الجوامع والمساجد، ومعارض كتاب وعروض شعبية تشارك فيها فرق من معظم مناطق السعودية. وينظم سنوياً أسبوع للشعر وآخر للفن التشكيلي والفوتوغرافي والوثائقي، ومهرجان للعروض المسرحية تشترك فيه جامعات سعودية وبعض فروع جمعيات الثقافة والفنون. ويضم صيف عسير دورة الصداقة الدولية لكرة القدم، في مشاركة فرق من السعودية وخارجها، ومهرجان أبها للتسوق الهادف الى التنشيط السياحي، وبرامج ترفيهية وأخرى للمسرح والفنون الشعبية ومسابقات ثقافية وجوائز كبرى تقدم الى الزوار. وتتمتع منطقة عسير، الى طبيعتها البكر وبرودة مناخها صيفاً، بغابات كثيفة، اشجارها متشابكة الأغصان، تعيش داخلها والى جوارها منظومة بيئية متكاملة. وتنقسم غابات المنطقة ثلاثة أقسام: غابات المرتفعات التي يتكون معظمها من أشجار العرعر وخليط من الطلح والزيتون البري وتنتشر فيها مجموعات كبيرة من الشجيرات والنباتات العطرة والزهور البرية. وغابات المنحدرات والسهول الغربية التي تتكون من أشجار الزيتون والأثل والسدر والعرعر. وكلما كان الاتجاه نحو ساحل البحر، زادت كثافة أشجار الدوم والسمر والأراك. ويقع القسم الثالث من الغابات في السهول الشرقية وهو عبارة عن تجمعات شجرية تتركز فى الأودية حيث يختلط الطلح مع العرعر، خصوصاً في الأماكن الأقل ارتفاعاً، وكذلك الأثل الذي ينتشر بكثرة. وتسعى مديرية الزراعة في عسير إلى تكثيف جهودها لزيادة الرقعة الخضراء. ووضعت لذلك خطة بدأت بتنفيذها من سنوات، اذ يزرع نحو ألفين وسبعمئة دونم فى أماكن خالية من الاشجار. وعززت دور المشاتل البالغ عددها ثلاثة وزاد انتاجها على مليونين وستمئة ألف شتلة. وتتزامن خطة التشجير مع خطة المحافظة على الغابات في المنطقة ومنع التعديات عليها. ولذا سارعت المديرية الى تحديد أكثر من ثلاثة آلاف دونم، واجراء مسوحات لمناطق الغابات والمراعي في المنطقة. وللشركة الوطنية للسياحة دورٌ مهم ورائد في مسيرة الحركة السياحية في المنطقة من خلال مشاريعها الإسكانية والترفيهية في كل من أبها والسودة والقرعاء والحبلة والمطار، الى جانب مطاعم واستراحات في الجبل الاخضر وأبي خيال. وتتضافر جهود بلدية أبها والبلديات والمجمعات القروية في المنطقة على تكثيف أعمال النظافة وتجهيز الحدائق داخل المدن وتجنيد فرق من صحة البيئة لتطبيق الشروط الصحية على المطاعم والمطابخ والشقق والمراكز السكنية. العام الماضي، أنهت إدارة متنزه عسير استعداداتها المتمثلة في تجهيز المتنزهات الواقعة تحت اشرافها، وفي مقدمها مركز الزوار في أبها الذي يكون منطلقاً للسياحة في المنطقة، لما يضمه من معلومات وخرائط وصور تعطي فكرة واضحة عنها. وسيكون متنزه عسير الوطني أول وجهة يقصدها الزائر، كونه يغطي مساحة كبيرة من المنطقة الجنوبية في السراة وتهامة، ويمتد في محاذاة الجرف الجبلي، للافادة من الإمكانات السياحية الخلابة التي يوفرها. ومن أهم مواقع المتنزه السودة التي تقع شمال غربي أبها، والقرعاء ودلغان والهضبة التي تقع جنوب شرقي أبها، إضافة إلى جبل أبي خيال في أبها ومحمية ريدة. وهناك مواقع جديدة مثل متنزه المسقي ومتنزه الأمير سلطان في القرعاء، وغيرهما خارج نطاق منطقة أبها الحضرية. وتحتوي هذه المواقع والمتنزهات أماكن للجلوس، وقد زودت مستلزمات الرحلات وترتبط في ما بينها بشبكة من الممرات المخصصة للمشي في الهواء الطلق. ولأن هذه المواقع محاذية للجرف، زودت مناظير لسبر أغوار تهامة. وعلى رغم تعددها، تبقى لكل منها سماته التي ينفرد بها عن غيره من المواقع، ما يضفي تنوعاً يشمل ايضاً طريقة التنزه فيها. ومن الأماكن التي تثير دهشة الزوار والمصطافين منطقة "الجرف"، وهي عبارة عن انكسارات صخرية حادة في قمم جبال السراة تمتد على طول منطقة عسير، من الشمال إلى الجنوب، وتبلغ حدها الأقصى في الحبلة المشتق اسمها من عادة سكان قرية قديمة كانوا ينزلون اليها ويصعدون منها الى السراة بالحبال. هذا الموقع هو أحد أهم المشاريع السياحية في المنطقة، يصاحبه ويوازيه غطاء نباتي كثيف يتكون من أشجار العرعر وشجيرات الشث والجبر والعثرب والعتم، وقائمة طويلة من الشجيرات والأزهار الموسمية التي تضفي على الشريط الموازي له لوحة نباتية فريدة. وتتميز منطقة عسير بعمارات من الحجر والرقف. فالحجر يستعمل لبناء الحصون التي تختلف حجماً وشكلاً ووظيفة، فهناك التي تختزن فيها الحبوب وهي عملاقة ويستخدمها أفراد القرية الواحدة جميعاً. وهناك الحربية الأصغر من سابقتها، وهناك حصون المراقبة التي تنتشر على أطراف القرى والمزارع، وهي شبيهة بالمآذن بارتفاعات قليلة، وتكون إما دائرية الشكل وإما مربعة. أما القرى فهي عبارة عن نسيج متشابك من عدد من المنازل من طبقتين، تفصل بينها طريق عامة وساحة تجمع لأهل القرية، وفي كل منها مسجد. وهذا، بطبيعة الحال، أسلوب دفاعي في بناء القرى. وعلى رغم ذلك، تبقى السياحة الداخلية في السعودية قاصرة عن اجتذاب أعداد مماثلة للذين يقصدون الخارج لهذه الغاية. وجاء في دراسة سعودية أن اسباب عدم الإقبال على السياحة الداخلية تعود إلى ارتفاع تكاليفها وعدم توافر الخدمات والمرافق السياحية، وعدم إدراك أهالي المناطق السياحية متطلبات التعامل مع السياح، وعدم اقتناع البعض بجدوى هذا الامر. ولعل الحكومة السعودية، بعدما عجزت عن الترويج للسياحة الداخلية للأسباب المذكورة، بدأت تطرق ابواباً اخرى لتشجيعها.