لم نكن بحاجة الى فيلم من تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية لنعرف ان آرييل شارون مجرم حرب يجب ان يحاكم امام محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي مثل سلوبودان ميلوشيفيتش وأوغستو بينوشيه، او قبلهما. الفيلم يجب ان يوضع بتصرف الرئىس جورج بوش وأركان ادارته، خصوصاً ان مسؤولاً اميركياً في حينه، قال بوضوح ان شارون سهل ارتكاب الجريمة، وهو بالتالي مسؤول عنها، وزاد قاضٍ دولي خبير في جرائم الحرب هو ريتشارد غولدستون ان الدافع الى جريمة مسؤول اكثر من مرتكبها. لا نعفي مرتكب الجريمة من شيء، الا ان الموضوع هو آرييل شارون الذي استقبلته الادارة الاميركية مرة، وتستعد لاستقباله مرة اخرى، وتشجعه بالتالي على ارتكاب مزيد من الجرائم، وتصبح مسؤولة مثله او اكثر عن ارتكاب هذه الجرائم، اذا كان لنا ان نقبل رأي القاضي غولدستون في حدود المسؤولية. هذه المسؤولية مشتركة، وأرجو من القارئ ان يفكر فيها على خلفية الاخبار التالية: - دانت منظمة حقوق الانسان الاسرائيلية بتسلم استعمال القوات الاسرائىلية قنابل مدفعية تطلق شظايا لخطرها على المدنيين. وقالت ان الدبابة التي قتلت ثلاث نساء فلسطينيات اسخدمت قنبلة من هذا النوع الذي اعتبرته يخالف اتفاق جنيف الرابع. - دانت منظمة مراقبة حقوق الانسان الاميركية استعمال القوات الاسرائىلية هذا النوع من القنابل، في تقرير مستقل، وقالت ان الشظايا التي تطلقها لا يمكن ان تبقى ضمن هدفها، وانما تنتشر على نطاق واسع، ويتبع ذلك خطر اصابة المدنيين، وهو امر تحرمه المواثيق الدولية كافة. - فيما كانت الولاياتالمتحدة تثير زوبعة على مصر بسبب قضية الدكتور سعد الدين ابراهيم وأنا شخصياً ضد محاكمته والحكم عليه، كانت منظمة العفو الدولية تدين الولاياتالمتحدة نفسها في موضوع حقوق الانسان، وتقول حرفياً في تقريرها السنوي ان الولاياتالمتحدة "تخلت عن واجبها" قيادة العالم في الدفاع عن حقوق الانسان، وطردها من لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، أمر منطقي. ومرة اخرى، كان السبب الرئىسي للادانة هذه، احكام الاعدام الكثيرة التي تنفذ سنوياً في الولاياتالمتحدة. والمنظمة وصفت مجلس العفو في ولاية تكساس، اي ولاية الرئىس نفسه، بأنه "وغد". غير ان منظمة العفو الدولية سجلت كذلك الحال الفظيعة في السجون الاميركية حيث "الضرب واستخدام القوة الزائدة، والاعتداء الجنسي، والصدمة الكهربائية، ورش الكيماويات على المساجين، وتقييد الحركة بالآلات". - برأت المحكمة العليا الاسرائيلية نفسها جون ديميانيوك من تهمة انه كان حارساً في معسكر اعتقال نازي اشتهر باسم "ايفان الرهيب"، الا ان وزارة العدل الاميركية اعلنت قبل ايام انها ستحاكمه من جديد. وقال ادوارد ستوتمان، المحامي في الوزارة، ان هناك سبع وثائق تتابعها المحاكم عن ولادة ديميانيوك وصفاته واثر جرح في ظهره. من ناحية اخرى، دانت محكمة في ميونيخ الالماني انطون مالوث بأنه ركل سجيناً يهودياً في معسكر اعتقال نازي وقتله. ايضاً رفضت محكمة في فرنسا طلب موريس بابون الذي دين بالتعاون مع النازيين، الافراج عنه من السجن بسبب تقدم سنّه. باختصار، الاخبار السابقة تقول ان منظمات حقوق الانسان العالمية دانت الولاياتالمتحدة واسرائىل، في الايام الاخيرة، والولاياتالمتحدة تبدو كدولة من اسفل سلم العالم الثالث بالنظر الى الاوضاع الفظيعة في سجونها. ثم هناك ثلاثة اخبار "نازية" ألفت نظر القارئ فيها الى ان ديميانيوك عمره 81 سنة، وان مالوث عمره 89 سنة، وان بابون عمره 90 سنة، وان جرائمهم ارتكبت قبل 55 سنة او قبل ذلك. مع ذلك، الولاياتالمتحدة تتعامل مع مجرم حرب وتشجعه على ارتكاب الجرائم، وهي جرائم لم ترتكب قبل اكثر من نصف قرن، فقد بدأ شارون جرائمه قرب ذلك التاريخ عندما قتل الجنود المصريين الاسرى في سيناء والنساء والاطفال في قبية، الا ان الفيلم التلفزيوني البريطاني: "المتهم"، يتحدث عن قتل مئات النساء والاطفال والتمثيل بجثثهم قبل 20 سنة، اما منظمات حقوق الانسان فتتحدث عن جرائم ترتكب اليوم. غير ان الولاياتالمتحدة المدانة بدورها، لا تطالب اسرائىل بوقف جرائمها، وانما تشجع آرييل شارون وتبعث رئىس استخباراتها ليطلع باقتراحات اسرائىلية خالصة لوقف اطلاق النار، مع تهديد الضحية اذا لم يقبل الموت طوعاً. آرييل شارون مجرم حرب معروف، غير ان المسؤول معه عن جرائمه هو الطرف الذي يشجعه على ارتكابها، والقاضي الدولي يقول ان هذا الطرف مسؤول اكثر منه. ويبقى ان يقتنع العرب بذلك وينصرفوا لمحاسبة الفاعل والمحرّض.