شمعون بيريز الذي لم يتورع أن يكذب على الرئيس المصري، ويبلغه أنه أنجز اتفاقاً، لا وجود له، مع الفلسطينيين لوقف اطلاق النار، يدور العالم حالياً مروجاً لكذبة أكبر خلاصتها أن بنادق الفلسطينيين تهدد دولة إسرائيل التي تملك القنبلة الذرية، والتي تتباهى بأن جيشها هو واحد من أفضل خمسة جيوش في العالم. لكن شمعون بيريز ليس فريداً في هذا الفن، فالرئيس جورج بوش أتحف العالم أمس بخطاب شرح فيه مخططه لحرب النجوم، الذي يسعى إلى حماية الولاياتالمتحدة وحماية حلفائها، من صواريخ تملكها دول معادية. وظن الجميع أنه يقصد في ذلك روسيا أو الصين أو حتى كوريا الشمالية، ولكنه تبرع وبادر إلى الشرح لنكتشف أن الخطر الذي يهدد الولاياتالمتحدة وحلفاءها يأتي من العراق. نعم من العراق المحاصر منذ عشر سنوات، والذي جرى تفتيش وتدمير كل ترسانة سلاحه. قال بوش بالحرف الواحد: "إن التهديد الكبير لا يأتي من آلاف الصواريخ الباليستية الموجودة في أيدي الروس، بل من عدد صغير من الصواريخ في أيدي دول غير مسؤولة"، مشيراً بالاسم إلى العراق ورئيسه. حتى الأسلحة النووية، لم يعتبر الرئيس بوش أنها تشكل تهديداً لبلاده، وقال: "إن سياسة الردع النووي... لم تعد متلائمة مع متطلبات القرن الحادي والعشرين". وعلى ضوء هذا الشرح الأميركي للأخطار والمخاوف، نستطيع أن نفهم الآن كيف أن إسرائيل على حق، فما دامت أربعة أو خمسة صواريخ عراقية تهدد أميركا وحلفاء ها، فإن أربع أو حمس مدافع هاون تهدد إسرائيل ومن وراء إسرائيل. إن ما يقوله بوش هو استخفاف بعقول الناس والدول والحكام، والمشكلة في هذا الاستخفاف أنه يمسنا نحن العرب، ويكاد أن يجلب علينا الكوارث. فالرئيس بوش يطلق استراتيجية كونية، ويختار خصومه كما يشاء، ثم يطالبنا نحن العرب بأن نندرج في إطار مخططه. ونحن هنا مطالبون بمهمتين: المهمة الأولى أن نتوقف عن مطالبنا "السخيفة" باعتبار إسرائيل العدو الأول الذي يهدد العالم العربي، وأن نتوقف كذلك عن مواقفنا "السخيفة" بدعم الانتفاضة الفلسطينية، وأن نتهيأ للانتقال إلى موقع المتحالف والصديق مع إسرائيل، وأن نقدم لهذا الصديق الإسرائيلي السلام والأمن والأرض والمستوطنات والقدس، لكي نستطيع أن نكون حلفاء طيبين ومفيدين في مواجهة الدول الخطيرة والمجرمة. والمهمة الثانية التي تطالبنا الولاياتالمتحدة بها، أن نستعد كعرب لخوض معركة الجهاد المقدس ضد الشعب العراقي وضد الشعب الإيراني، باعتبار أن الشر الأكبر يأتي من هناك. يريد الرئيس بوش، زعيم الدولة العظمى، من جميع دول العالم أن لا ترى إلا مخططه الكبير والعظيم، وأن تقبل الانخراط في أداء هذا المخطط حسب الدور الذي يرسم لها، ولا يهم من أجل انجاز هذه المهمة المقدسة، أن تنسى الدول مطالبها وحقوقها ومشاريعها لبناء حياتها. فكل هذه الأمور تفاصيل أمام الهدف الكوني الذي تتطلع إليه الولاياتالمتحدة لتحمي نفسها من الوحش العراقي الذي تتجدد جيوشه الجرارة كل يوم مثل طائر الفينيق. ويريد الرئيس بوش، زعيم الدولة العظمى، من العرب بشكل خاص، أن يمنحوا إسرائيل كل ما تريد، وأن يتفرغوا فقط لمحاربة العراقوإيران، فثمة في العراق خمسة صواريخ، وثمة في إيران عشرة أو عشرون صاروخاً، وهذا هو الخطر الأكبر ولا خطر سواه. وأخشى ما نخشاه، حالة الغرام التي ستنشأ بين بيريز وبوش حين يلتقيان. إذ سيبدأ كل منهما بالاشادة بالآخر لهذا الذكاء العظيم الذي يمتلكه كل منهما، فقد اكتشف الاثنان معاً أن بنادق الفلسطينيين تهدد إسرائيل، وأن صواريخ العراق تهدد العالم. أي خواء هذا؟ أي استغفال؟ وهل سيتواصل الصمت، وتقديم الأضحيات كما كانت تفعل الشعوب البدائية أمام غرائب الطبيعة؟