استضافت مدينة يوتبوري السويدية امس قمة اوروبية - اميركية هي الاولى من نوعها، شكلت اختباراً لسياسات الرئىس جورج بوش الذي واجه خلال الاجتماع معارضة اوروبية لتنصله من معاهدة "كيوتو" للاحتباس الحراري، وابتعاده من السياسات الاوروبية، ما حمل المراقبين على وصف القمة ب"البادرة". أجمع كل من الرئىس الاميركي جورج بوش ورئىس الاتحاد الاوروبي رئىس السويد يوران برشون ورئىس المفوضية الاوروبية رومانو برودي على ان الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي متفقان على انهما مختلفان في القضايا البيئية، خصوصاً بعدما شدد بوش خلال مؤتمر صحافي مشترك مع ممثلي الاتحاد الاوروبي عقد بعد ظهر امس في مدينة يوتبوري السويدية على ان واشنطن غير مقتنعة بمعاهدة "كيوتو" لتخفيف نسبة التلوث. وقال بوش انه لا يرى "كيوتو" تتوافق مع مطالب التطور التجاري والصناعي في العالم، لكنه حاول ان يخفف من حدة معارضته لها، من خلال تركيزه على ان الولاياتالمتحدة تعمل الآن على بلورة برنامج بيئي افضل. وأكد بوش ان واشنطن وافقت على انشاء صندوق تعاون مالي تحت اشراف الأممالمتحدة من اجل مساعدة مرضى الايدز في العالم. وأشار الى ان اوروبا وافقت على الاسهام في تمويل قسم من صندوق التعاون الذي سيوجه مساعداته الى القارة الافريقية. وأشار الى انه لا يريد التطرق كثيراً الى مسألة شبكة الصواريخ الدفاعية التي يريد نصبها في اوروبا واكتفى بالقول: "سأعطيكم تفاصيل اكثر عن خطة تحالف السلم العالمي الذي نريده، عندما ازور بولندا". وجدد تأكيده ان اميركا لن تسحب جيشها من منطقة البلقان وتترك اوروبا وحيدة هناك بل "نحن دخلنا معاً وسنخرج معاً". وأعرب عن رغبته في الاسراع في توسيع حلف الاطلسي والاتحاد الاوروبي. وكرر مرات عدة ان هناك "مبادئ مشتركة تجمع اوروبا وأميركا"، لكنه لم يدخل في تفاصيل تلك المبادئ. وأشار محللون سياسيون في السويد الى ان سياسة اميركا لم تتغير حيال الاتحاد الاوروبي بل ما تغير هو لهجة الرئىس الاميركي. واتهم بعضهم بوش بالتلاعب لأنه عندما يكون في اميركا تكون لهجته تهجمية ولكن في اوروبا يحاول اعتماد لهجة اكثر ليونة. وأجمع معظم المحللين على ان بوش اكد مرة اخرى انه يضع الرأي العام الاميركي في مقدم اولوياته، فهو من خلال تركيزه على ان لواشنطن برنامجها الخاص في ما يتعلق بمسائل البيئة، وان الدرع الصاروخية ضرورية من اجل حماية اوروبا، يعمل على فرض السياسة الاميركية من دون ان يأخذ في الاعتبار المواقف الاوروبية. ولوحظ ان المؤتمر الصحافي الذي عقده بوش وبرشون وبرودي كان بارداً ولم يأتِ بأي شيء جديد ما دفع بعض المحللين الى القول ان خلاف بوش وأوروبا اصبح سياسياً بين اوروبا التي تحكمها الآن غالبية من الاشتراكيين الديموقراطيين، واميركا التي يحكمها بوش الجمهوري اليميني. من جهة اخرى لم يسجل امس اي اعتداء يذكر من المتظاهرين الذين بدأوا يتجمعون في مدينة يوتبوري، سوى مهاجمة بعض مجموعات اليسار سيارتين للشرطة وتحطيمهما. ولوحظ ان رجال الشرطة اختاروا ان يتجنبوا المتظاهرين عبر ترك السيارتين. لكن الاجراءات الامنية آخذة في التزايد تحسباً لقمة الاتحاد الاوروبي اليوم. وتجمع آلاف المتظاهرين المناهضين للاتحاد الاوروبي والرئىس الاميركي في يوتبوري ففوجئ الرئىس الاميركي بمجموعة كبيرة منهم. تمكنت من الوقوف في منطقة تشرف على مقر المؤتمر. وادار افرادها له مؤخراتهم العارية، مستنكرين زيارته اوروبا. ومرّ موكب الرئىس الاميركي بين جدران من العوازل انتشرت على طرفي الطريق الرئىسة المؤدية من المطار الى قاعة الاجتماعات في سفنسكا مسان وسط يوتبوري. لكن الشعب السويدي غير المعتاد على اعراس سياسية بهذا الشكل والحجم، لم يتأخر ليعلن استياءه من الخطوات الامنية غير العادية. فسكان المدينة استيقظوا ليجدوا كل الطرق الرئىسة في المدينة محاطة بجدار يمتد على غالبيتها بارتفاع مترين في خطوة لم يتوقعها احد لأن الشرطة اعلنت انها ستبقي المدينة "مفتوحة" قدر المستطاع، ولوحظ ان المدينة اصيبت بالشلل شبه التام بسبب حال الاستنفار العالية. وشعر بوش بخجل كبير عندما نادى الامين العام لحلف الاطلسي اللورد جورج روبرتسون باسم مختلف تماماً دفعه الى الالتفات الى رئىس وزراء السويد يوران برشون قائلاً: "فلنتفق بعد قليل اي اسم سأعطيك اثناء المؤتمر الصحافي". وقال برشون ان العالم سيتذكر القمة الاوروبية في يوتبوري لأنها سترسم خطاً واضحاً ومشتركاً لكل اعضاء دول الاتحاد من ناحية مسألة البيئة او الازمة في البلقان او الصراع في الشرق الاوسط. وأوضح برشون ان القمة ستتخذ قراراً بوضع بضع نقاط لجدول زمني يحدد تاريخ انضمام بعض الدول المرشحة الى الاتحاد. من جهة اخرى، تظاهر بضعة آلاف من افراد منظمات مختلفة في شوارع يوتبوري احتجاجاً على انعقاد القمة الاوروبية. لكن القسم الاكبر من المنظمات التي ستتظاهر في يوتبوري اعلنت انها ستبدأ بالتظاهر صباح اليوم وحذرت من انها ستقتحم مقر الاجتماعات لإفشال اعمال القمة. وتفادياً لأي اعمال شغب. اعتقلت الشرطة السويدية امس عدداً من الالمان والنروجيين والدنماركيين الذين يشتبه في انهم حضروا لأعمال عنف اثناء انعقاد القمة التي تنتهي اعمالها بعد ظهر غد السبت. ولوحظ ان هناك التفافاً شبابياً متعدد الألوان السياسية حول تظاهرات اليوم. وأعلنت منظمات دينية مسيحية انها ستشارك مع اليسار وأنصار البيئة في التظاهر. وفي محاولة للالتفاف على المتظاهرين، اجتمع رئىس الوزراء السويدي مساء اول من امس مع ممثلين عن المنظمات التي ستتظاهر في يوتبوري، الا ان اليسار اعلن مقاطعته الاجتماع "تجنباً لمحاولة احتواء الحكومة التظاهرات". وهددوا بأن التظاهرات "ستكون لا مثيل لها وأعنف من مدريد وبروكسيل".