تعمّد الرئيس جورج بوش ان تكون إسبانيا البلد الأوروبي والغربي الأول والوحيد الذي يزوره خلال جولته التي سميت ب"الاوروبية" وبدأت اليوم في مدريد، لينتقل بعدها الى مقر حلف شمال الأطلسي في بروكسيل، فمدينة غوتنبرغ لحضور قمة البلدان الأوروبية وسلوفينيا، ثم الى بولندا حيث يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمدة ساعتين. وتنظر اسبانيا الى هذه اللفتة الخاصة باهتمام اكبر، فهي تحاول إعادة فتح ملف انخراطها في مجموعة الدول الثمانية الأغنى في العالم بعدما اصبحت البلد الأوروبي الأول لجهة الاستثمار الأجنبي فيها وسادس بلد لجهة استثماراتها الخارجية كما انها في مقدم الدول الاوروبية المستثمرة في اميركا اللاتينية. وهذه النقطة بالذات هي التي تهم الجانب الأميركي الى جانب التقارب الإيديولوجي بين بوش ورئيس الوزراء الاسباني خوسيه ماريا اثنار وعلاقة الرئيس الاميركي الطيبة بالأميركيين - الإسبان الذين يزيد عددهم على 35 مليوناً، فهو الرئيس الأول الذي يتكلم لغتهم ويحتاج الى دعمهم، إضافة الى رغبته في توجيه سياسته الخارجية والاقتصادية والتجارية نحو بلدان ايبيرو - أميركا، مبرزاً ذلك لدى قيامه بالزيارة الرئاسية الأولى الى المكسيك بدلاً من كندا كما جرت العادة. وفي الوقت نفسه توصف بريطانيا بانها الحليف الأقوى للولايات المتحدة في اوروبا ويؤكد احد مستشاري بوش ان "العملة الأوروبية الموحدة لا تقلق الدولار إلا إذا اعتمدتها بريطانيا". ويبحث الأميركيون عن حلفاء آخرين خصوصاً أن اثنار دعم صراحة مشروع الدرع المضادة للصواريخ وكذلك فعل رئيس الوزراء الايطالي الجديد سيلفيو بيرلوسكوني. ويرغب بوش في ان تلعب اوروباً دوراً أكبر في منطقة الشرق الأوسط، لكن وزير خارجيته يفكر من منطلق استراتيجي - عسكري اكثر منه ديبلوماسياً ويذهب أبعد من ذلك. فبصرف النظر عن ان ملف السياسة الخارجية الأوروبية هو بعهدة خافيير سولانا الذي يعتبر اميركياً أكثر منه أوروبياً، فان اسبانيا كانت ولا تزال باباً أوروبياً سهلاً للشرق الأوسط وأيبيرو- اميركا على حد سواء. وأكدت ذلك مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس فقالت: "ان التعاون الإسباني - الأميركي يمتد من البحر المتوسط الى أميركا اللاتينية". ولائحة القضايا التي يتناولها بوش مع اثنار طويلة وواسعة، بينها الالتزام بالإعلان السياسي الموقع أخيراً وتفعيله، ورغبة إسبانيا في الحصول على آخر تقنيات التجسس وتجديد معاهدة التعاون الصناعي والتقني لعام 1982 في جوانبها الحساسة، وتجديد المعاهدة العسكرية، بشكل يؤكد ان العلاقات المميزة بين البلدين تتبعها مكاسب اهم من ان تكون مجرد تجديد وجود ثلاثة آلاف جندي في قاعدتي روتا ومورون الجنوبيتين اللتين استعملتها الولاياتالمتحدة في حرب الخليج. ويعترف الطرفان ان وجود القاعدتين شرعي، وموقت وضروري على رغم وجود طائرات تجسس في احداها مثل تلك التي تسببت بأزمة مع الصين أخيراً. ولن تغيب كوبا عن محادثات اليوم، ولا البلقان ولا توسيع الاتحاد الأوروبي أو عدم التنفيذ الأميركي لتعهدات كيوتو البيئية او غيرها. لكن حلف الأطلسي ينمو والولاياتالمتحدة تعرف انها ما زالت بالنسبة الى اوروبا شراً لا بد منه في الشرق والغرب وبوش نفسه يعرف ذلك وأوروبا أيضاً.