فاز محمد خاتمي بالرئاسة الايرانية بنسبة 77 في المئة من أصل 83 في المئة اقترعوا. ويعني ذلك انه لو اقترع الممتنعون كلهم ضده لكان فاز بأصوات 60 في المئة من الشعب الايراني كله. في بريطانيا لم يقترع سوى 60 في المئة، فاز حزب العمال، بينهم، بنسبة 7،45 في المئة. ويعني ذلك انه يحظى بثقة مؤكدة من شريحة تتراوح بين ربع البريطانيين وثلثهم. ومع ذلك فإن طوني بلير سيحكم في حين ان محمد خاتمي سيواجه عقبات كثيرة، ويكمن، هنا بالضبط، الفرق بين الديموقراطية البريطانية وبين حرية الانتخاب الايرانية. وهو فرق هائل. ففي ايران يستطيع المرشد علي خامنئي ان يتحدث عن "المثال الحي للديموقراطية الدينية". ويقترب هذا الكلام كثيراً من حجة خط الدفاع الثاني الذي انتقل اليه المحافظون. اعتبروا ان كثافة التصويت حماية للجمهورية الإسلامية واعلان ثقة بها من غير ان يعيروا انتباهاً الى ان استفزازاتهم كانت وراء هذه الكثافة وان الناخبين كان في وسعهم الاقدام على العمل نفسه بإعطاء أصواتهم لواحد من الثمانية الذين نافسوا خاتمي. علي فلاحيان على سبيل المثال. لقد كان خاتمي أكثر دقة عندما اعتبر النتائج بمثابة "انتصار للديموقراطية والحرية". وكان الأحرى به ان يقول ان الايرانيين احبوا استخدام الحرية من أجل الوصول الى الديموقراطية. وتدل تجربة السنوات الماضية من "ولاية" خاتمي الأولى على الصعوبة البالغة في ترجمة الارادة الشعبية الى نظام ديموقراطي تنضبط فيه المؤسسات القضائية والأمنية بالقرار السياسي الأكثري. وهذه المشكلة غير مطروحة في بريطانيا حيث القضاء مستقل فعلاً والأمن خاضع للحكم. لا يعني ذلك ان بريطانيا هي النموذج الديموقراطي الأفضل. فنظامها الانتخابي الأكثري يجعل الهيئات التشريعية مرآة مقعّرة للأمزجة الشعبية لا تعكس صورة دقيقة عنها. وتأتي النسبة العالية من الامتناع عن التصويت لتضخم الآثار التشويهية لهذا النظام. غير ان المشكلة في مكان آخر. فما هو مصادر في ايران لمصلحة "ولاية الفقيه"، الأساس الفعلي للجمهورية في شكلها الراهن، مصادر، في بريطانيا لمصلحة الأسواق وقواها. وكما ان قم، بمعنى ما، تطوّق سلطة الهيئات المنتخبة فإن "السيتي"، بعد الجموح الثاتشري، تطوق الدور الذي كان المواطنون يودون لقادتهم القيام به. و"السيتي" مأخوذة هنا بمعناها الواسع الذي يعني تراجع الدولة لمصلحة القطاع الخاص في المجالات شتى وتقليص قدرتها على التدخل والرعاية واندفاعها نحو الاكتفاء ب"توفير المناخات الصالحة للاستثمار". ويمكن من يراقب الحياة الفكرية الغربية ان يخرج بانطباع مؤداه ان الليبرالية القصوى آخذة في التحول، منذ الثمانينات وبعد التسعينات خاصة، الى "تيولوجيا" جديدة لا تسمح بأكثر من تنويعات عليها. انها "الحال الطبيعية للأشياء" يقولون متناسين انها، في العمق، اختراع بشري من أولها الى آخرها. "ولاية الفقيه" كذلك هي اختراع بشري يراد له ان يقلص ما يمكن الاختيار البشري ان يقرره.