حمل الامين العام ل "منظمة مجاهدي الثورة الاسلامية" احد اقطاب اليسار الاسلامي الراديكالي المؤيد بقوة للرئيس الايراني سيد محمد خاتمي، المهندس بهزاد نبوي على اليمين المحافظ، واتهمه بأنه لا يؤمن بالحريات وسيادة القانون. ووصف "انصار حزب الله" بأنهم "عملاء" للمحافظين. قال بهزاد نبوي في حديث الى "الحياة" ان خاتمي ينفذ مشروعه "بالتدريج وبهدوء"، مشدداً على انه الرجل الثاني في النظام. لكنه "سيواجه تحديات كثيرة". وهنا نص الحديث: كيف يمكن تحديد الخريطة السياسية في ايران بعد فترة على الانتخابات الرئاسية؟ - لدينا ثلاث مجموعات من التيارات السياسية: المجموعة التي تعادي الثورة وتريد اسقاط نظام الجمهورية الاسلامية، ونسميها مجموعة التيارات المحاربة، ومجموعة المعارضة المستعدة للتحرك في اطار القانون ومجموعة التيارات الموالية للنظام والثورة. هذا التقسيم استمر بعد الانتخابات الرئاسية، لكن مجموعة "المحاربة" اصيبت بيأس من نجاعة العمل المسلح لاسقاط النظام بسبب مشاركة 30 مليون ايراني في الانتخابات، وترسخت شرعية النظام الشعبية. اما مجموعة "المعارضة" فأصبحت تتمتع بمجال اوسع للنشاط لأن الجناح الذي فاز في الانتخابات الرئاسية يشدد على تعزيز الحريات. والحكومة الجديدة تتحرك في هذا الاتجاه بهدوء في شكل تدريجي لأنها تعرف ان التيار المقابل اليمين المحافظ لا يسمح حتى للتيارات المنضوية تحت خيمة النظام بأن تعلن آراءها، فكيف مع المعارضة التي يسدّ في وجهها كل منافذ الحركة. والحكومة تعلم ان هذا التيار لا يؤمن بسيادة القانون والتنمية السياسية والمجتمع المدني الاسلامي، لذلك فإن حكومة الرئيس خاتمي تدرك ان مهمتها صعبة جداً. باختصار، هناك الآن اربعة تيارات اساسية في ايران: اليمين التقليدي وهو تيار الاحتكار الذي هزم في الانتخابات الرئاسية، واليمين المعاصر واليسار واليسار الجديد التأسيس وليس الافكار. وبين التيارات الثلاثة الاخيرة نقاط مشتركة خصوصاً اتفاقها على خطورة هيمنة تيار الاحتكار اليمين التقليدي او المحافظ. تعدّد التيارات في ايران يُعتبر احد مظاهر الحياة الديموقراطية لكن هناك من يرى تعدداً في مراكز القرار والسلطة داخل النظام والدولة، ما يشيع الغموض. - وجود مراكز سلطة متعددة يعود الى تعدد التيارات الفكرية والسياسية، وإلا فان دستورنا لا يختلف كثيراً عن دساتير العالم. وفي دستور الجمهورية الاسلامية، هناك فصل واضح بين السلطات، وكل سلطة تتمتع باستقلالية كاملة. طبعاً هناك مؤسسات تخضع للاشراف المباشر للقائد مرشد الجمهورية آية الله علي خامنئي كالقوات المسلحة والاذاعة والتلفزيون، وبما ان السلطات المختلفة تخضع ايضاً لنفوذ تيارات مختلفة، فانها توحي بتعدد مراكز السلطة، وهذا صحيح. ثمة من يعتبر ان مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني بات مركز صنع القرار الحقيقي في الدولة، وان رئيس الجمهورية ليس سوى منفذ لسياسات المجمع. - بموجب الدستور، يتولى مجمع تشخيص مصلحة النظام الفصل في الخلافات بين مجلس الشورى الاسلامي البرلمان ومجلس امناء الدستور في شأن تشريعات قانونية، اذا وجد خلاف، ويمكنه ايضاً تحديد السياسات العامة للنظام اذا طلب منه القائد، ولا تقر هذه السياسات الا اذا وافق عليها القائد. اي ان المجمع في اقوى حالاته هو مجموعة من الخبراء في خدمة القائد يستفيد منهم ليحدد السياسات العامة. وهناك من يتصور ان المجمع يمكنه ان يصدر اوامر الى السلطات التنفيذية او التشريعية او القضائية، وهذا غير صحيح، وثمة من يعتقد ان وجود الشيخ هاشمي رفسنجاني كشخصية بارزة في النظام على رأس هذا المجمع يعني ان المجمع اصبح كل شيء في البلاد بعد القائد، وهذا غير صحيح قانونياً او سياسياً. وعملياً؟ - حتى الآن لم نلحظ ما يناقض رأينا. طبعاً اذا حدد المجمع سياسات عامة وابلغها الى القائد فوافق عليها وابلغها الى السلطات الثلاث على هذه السلطات تنفيذها ولو كانت غير موافقة عليها، وهذا طبيعي ويرتبط بصلاحيات القائد، لا بصلاحيات المجمع. عملياً، من هو الرجل الثاني في النظام الآن؟ - دستورياً وواقعياً رئيس الجمهورية هو الرجل الثاني. خاتمي حقق فوزاً ساحقاً في الانتخابات، وبعد مرور أشهر على بداية عهده ما هي في رأيك عناصر قوته والتحديات التي يواجهها؟ - أهم عنصر قوة يملكه خاتمي هو التأييد الشعبي له وازدياد شعبيته. لكن الرئيس سيواجه تحديات كثيرة لأن الشعارات التي رفعها صعبة. مثلاً، لو كان رفع شعارات اقتصادية كرفسنجاني لاستطاع ان يطبقها بنسب معينة لأن تنفيذها منوط بالحكومة التي يشرف عليها. لكنه رفع شعارات تستدعي المشاركة العامة، اي انه يحتاج الى مشاركة كل مراكز القوة والسلطة والقرار ومشاركة واسعة من الشعب بما ان مشروعه هدفه تحقيق تنمية سياسية ثقافية شاملة محورها سيادة القانون ومأسسة سيادة القانون والحريات. هذه مهمة شاقة خصوصاً في مجتمع يعود فيه الاستبداد الى نحو 2500 سنة، كما ان مراكز القوة لا تفكر كلها بالطريقة ذاتها نفسها، اذ ثمة تيارات في ايران لا تؤمن برأي الشعب وتعتبر ان "الجمهورية" الاسلامية ظاهرة اجنبية وتدعو الى "دولة" بنمط حكم استبدادي. بعض المثقفين في ايران كالدكتور عبدالكريم سروش يعتبر ان خاتمي لم يحقق بعد شيئاً ملموساً على صعيد الحريات. - احترم الدكتور سروش كإنسان مؤمن وفيلسوف بارز، لكنني لا اعتبره رجل سياسة. ومشكلته انه يتدخل اكثر من اللازم في القضايا السياسية، وهذا ليس في مصلحته او مصلحة الثقافة الاسلامية. يمكننا ان نستفيد من سروش كثيراً في مجتمعنا لولا مواقفه السياسية التي أثارت حساسيات تجاهه. لا يمكن تطبيق الشعارات التي رفعها خاتمي بين عشية وضحاها، خصوصاً ان مشروعه ليس منوطاً بشخص واحد او سلطة واحدة، بل يحتاج الجميع. وثمة تياران في البلاد لا يتمنيان نجاح الرئيس في تحقيق شعاراته: تيار داخل النظام والثورة لا يؤمن بأفكار خاتمي ودعوته الى نحت مجتمع مدني وسيادة القانون، وهذا التيار اليمين المحافظ يواجه خاتمي ولا يساعده في تحقيق شعاراته. الثاني تيار خارج النظام والثورة لا يعتقد بقدرة الرئيس على تحقيق مشروعه، وعناصر هذا التيار تدرك ان في نجاحه خسارة كبيرة لها لأن ضمان الحرية سينزع سلاح المظلومية الذي يرفعه هؤلاء وسيضعفون كثيراً عبر المنافسة الحرة لأنهم لا يملكون شيئاً. وأين "انصار حزب الله" في هذه المعادلة؟ - هناك جماعات سياسية تتمتع بنفوذ في مراكز قوى مختلفة، تدعم تيارات موالية لها مثل "انصار حزب الله". وخاتمي باستخدامه الطرق السليمة وفي حال نجح في تثبيت سلطة القانون، سيواجه هذه المجموعات في صورة جيدة. التقدم سيكون بطيئاً، لكن هؤلاء هم لا شيء امام السيد خاتمي والرأي العام. في السابق، كنت اعتقد ان هذه المجموعة انصار حزب الله تضم افراداً مؤمنين نزهاء لكنهم يفتقدون القدرة على التحليل، وعواطفهم تسيّر عقولهم، لكنني وصلت الى اقتناع الآن بأنهم انصار الاحتكار، بل عملاء لذلك التيار المعادي للحرية وسلطة القانون. ومثل هذه المجموعات العميلة وجد عبر التاريخ لكنه لا يشكل شيئاً نهابه. ربما كانت هناك توقعات بأن يعلن خاتمي الحرب عليهم انصار حزب الله في الشوارع بسبب ممارساتهم خصوصاً اثناء المنافسة الرئاسية، لذلك يرى اصحاب هذه التوقعات ان خاتمي ضعيف وهؤلاء اقوياء، لكن هذا ليس صحيحاً لأن النهج المتبع في التعامل مع هذه المجموعات دقيق ومدروس، يقضي بمواجهة جذورها الاساسية. تنظيمكم - ومعه صحيفتكم "عصرنا" - متهم بأنه لا يؤمن ب "ولاية الفقيه المطلقة" عكس اليمين المحافظ الذي يتقدم باعتباره وفياً للولاية ولقيادة آية الله علي خامنئي، ودليله انه التيار الذي دافع بقوة عن القيادة في القضية التي فجرها آية الله حسين علي منتظري. - هذه ادعاءات. نحن نؤمن بولاية الفقيه المطلقة كما حددها الدستور، ونعتقد اننا قدمنا افضل دفاع عن ولاية الفقيه، وتفسير هو الاقرب الى رأي الامام الخميني. الذين يدّعون انهم وحدهم يدافعون عن الولاية والقيادة يلحقون بهما ضرراً بالغاً عن قصد او من دون قصد، بسبب دفاعهم السيئ عن الولاية وربطها بقضايا يصعب تفسيرها وتبريرها لشعبنا، كالقول ان ولي الفقيه معيّن من الله وواجبنا ان نكتشفه. هؤلاء يعرفون تماماً ماذا يفعلون لغايات لا مجال للحديث فيها الآن. نحن كمجموعة ثورية من تيار خط الامام، نشدد على ضرورة الحفاظ على ولاية الفقيه في اطارها الدستوري، لأن تجاوز الدستور يحوّل الولاية الى نظرية فقهية وليس مبدأ في الدستور، وحينئذ سيثار جدل لأن عدد الفقهاء الشيعة الذين يؤمنون بولاية الفقيه قليل، وخُمس الشعب الايراني من السنة، اضافة الى وجود اقليات اخرى دينية، فماذا يفعل هؤلاء! وبالنسبة الى قضية الشيخ منتظري ثبت ان مواقفنا كانت في مصلحة النظام والقيادة، لأن الذين روّجوا الكلام الخاطئ لمنتظري الذي قيل في جلسة ضيقة، الحقوا ضرراً سياسياً بالقيادة. أنت من المؤيدين بقوة لخاتمي وكنت وزيراً في حكومة مير حسين موسوي التي وصفت خارج ايران بأنها متشددة، بينما يوصف خاتمي بأنه معتدل خصوصاً في السياسة الخارجية. هل يعني ذلك انكم عدّلتم مواقفكم؟ - عندما عملت مع السيد موسوي وكنت ناطقاً باسم الحكومة، كان لدي ايضاً بعض الخلافات في الرأي معه. وعندما ايدنا خاتمي في الانتخابات لم نقل ابداً اننا نقبل بكل آرائه في شكل مطلق. ما جذبنا اليه هو آراؤه في السياسة الداخلية والمسائل الثقافية، علماً انه لم يعلن قبل الانتخابات مواقف واضحة في السياسة الخارجية والاقتصاد، بل كانت مواقفه عامة، ولا ندري، فقد نختلف معه في هذين المجالين. ونحن لم نكن اعضاء في حزب واحد مرشحنا خاتمي، بل كنا بين التوجهات التي ساندته. واعتقد ان العالم الخارجي يخطئ، واذكر ان ال "بي. بي. سي" هيئة الاذاعة البريطانية كانت تصف خاتمي بأنه راديكالي، ومنافسه علي اكبر ناطق نوري بأنه معتدل، ويبدو ان ذلك نتج عن محادثات محمد جواد لاريجاني مع نيكولاس براون المسؤول في الخارجية البريطانية سابقاً في لندن، بما ان الاول وصف تياره بأنه معتدل والآخر بأنه راديكالي. ولأن خاتمي فاز في الانتخابات وحصد 20 مليون صوت، يريد الاعلام البريطاني والاميركي القول ان الرئيس الجديد منّا، لأنهم عادة يقولون ان المعتدلين هم اقرب اليهم ولم يفشلوا في الانتخابات. لذلك وصف خاتمي بأنه معتدل بعد الانتخابات مباشرة وليس قبلها.