في خضم أفلام الموجة السينمائية الجديدة التي تعتمد الكوميديا، في الدرجة الأولى، قرر سمير صبري أن يقدم فيلماً جاداً، عنوانه "جحيم تحت الارض"، يتعرض لقضية شائكة هي الألغام التي زرعتها انكلترا والمانيا وايطاليا في منطقة العلمين، اثناء الحرب العالمية الثانية، وما زالت "قابعة" هناك. وعلى رغم أن آلاف الابرياء راحوا ضحيتها، لم يهتم المجتمع الدولي، حتى الآن، بالبحث عن حل لهذه القضية الخطيرة. لماذا الآن؟ "الحياة" سألت سمير صبري عن إنتاج هذا الفيلم في زمن الأفلام الكوميدية التي تحقق ايرادات كبيرة؟، أجاب: "قبل هذا الشريط أنتجت 17 فيلماً، وعندما بدأت بتجربة الإنتاج لم أكن أبحث عن البطولة السينمائية، لأنني كنت وقتها بطلاً لأفلام عدة منها "دقة قلبي" و"بمبة كشر" و"حكايتي مع الزمان" و"بالوالدين إحسانا" وغيرها. ورصيدي السينمائي حتى الآن يبلغ نحو 95 فيلماً، إضافة إلى 15 فيلماً قدمت فيها أدواراً صغيرة. فبين العامين 1980 و1990 أنتجت 17 فيلماً كلها غير تقليدية، وأنا أرى أن الفنان الحقيقي لا ينتج للتجارة، إنما لإشباع الناحية الفنية في داخله. ففي أول إنتاج سينمائي لي "أهلا يا كابتن"، خرجت بالكاميرا المصرية للمرة الأولى إلى جزر اليونان، وفي "شفاه لا تعرف الكذب" إلى تونس وباريس. و"السلخانة" كان أول فيلم يصوَّر في المذبح، أما "جحيم تحت الماء" فسيكون أول فيلم ينزل بالكاميرا تحت الماء ويلقي الضوء على الغردقة كمنطقة سياحية". وأضاف أن "فكرة "جحيم تحت الأرض" ارتسمت في ذهني عام 1992 حين أقيم احتفال في العلمين لمناسبة مرور50 عاماً على الحرب، ودعيت اليها وحضرها حفيدا الجنرالين رومل ومونتغمري. وأثناء وجودي هناك، عرفت حجم المأساة الكامنة في أن صحراء مصر الغربية، الغنية بالبترول والتي تضم 650 ألف فدان صالحة للزراعة، لا يمكن الاقتراب منها لوجود 23 مليون لغم أرضي فيها. ولا تزال هذه الألغام خطرة، وبعضها تحرك بحكم عوامل التعرية والرياح، حيث لا يمكن معرفة مواقعها الآن إلا بالبحث العلمي. وتبلغ كلفة نزع اللغم الواحد ثلاثة آلاف دولار، بينما لم يكلف زرعه سوى دولار واحد. يومها قلت إن بلدي يعاني اقتصادياً وكلفة نزع هذه الألغام عالية، لذلك يجب أن تساعدنا الدول التي زرعتها في نزعها. فإذا كان اليهود لا يزالون يطالبون بتعويضات عن "الهولوكوست" واستنزفوا المانيا واوروبا واميركا على أمر يقول البعض إنه غير حقيقي، فأنا عندي حقيقة وهي الألغام فتعالوا وانزعوها أو ساعدوني في نزعها. من هنا بدأت أخاطب الجهات الانتاجية وعرضت عليها فكرة الفيلم، لكن ردودها جاءت محبطة لأن الموضوع غير تجاري. وهداني تفكيري الى أن الدولة هي التي يمكنها دعم هذا العمل وعرضت الفكرة على مسؤولي مدينة الانتاج الإعلامي فرحبت بها، وانتجنا الفيلم الذي بلغت كلفته ثلاثة ملايين جنيه. وفاء على رغم أنك بطل الفيلم ومنتجه، وضعت اسم كمال الشناوي قبل اسمك، على عكس ما يفعله الآخرون؟ - تاريخ كمال الشناوي الكبير ومكانته الفنية يحتمان عليّ أن أضع اسمه قبل اسمي وفاءً له... فهو جسد في هذا الفيلم شخصية زكي داود التي نرمز بها الى اليهود، كأروع دور قدمه في السينما. وهنا يجب أيضاً أن أشيد بالفنان احمد راتب الذي قدم دوراً من مشهدين فقط، وقال لي إنه سعيد بالمشاركة في هذا العمل "ولو بمشهدين". أخذ البعض على الفيلم طول مدته وبعض الإطالة في الحوار... فما ردك؟ - مدة الفيلم الذي عرض على الشاشة كانت أكثر من ساعتين وعشر دقائق، وعلى رغم اختصاره لاحقاً اعترف بأنه ما زال طويلاً. ولكن في الوقت نفسه كنت أتمنى زيادة مساحة مشهد الاطفال الذين يلقون بالحجارة على المستعمرين، وقد قوبل بتصفيق حاد من الجمهور في صالة العرض. قصة الحب بين الثوري المصري وزوجة القائد الانكليزي وصلت، بعض الاحيان، الى سخونة وقطعت فجأة، فلماذا لم نر ما تلا ذلك في الأحداث؟ - بالفعل، كانت هذه المشاهد موجودة في السيناريو الأصلي للفيلم الذي كتبه مصطفى محرم، لكن رغدة أقنعت المخرج نادر جلال بحذفها. وبسبب هذا الموقف حدث خلاف بيني وبين جلال، لكن القرار النهائي كان تنفيذ رغبة المخرج. ثمة نقد وجه الى الفيلم، هو أن القضية التي دار عليها كانت تجارة السلاح لا الألغام. فماذا تقول؟ - أحداث الفيلم تدور عام 1948 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. يومها لم تكن قضية ازالة الألغام مطروحة، ولكن في عدد ليس بقليل من مشاهد الفيلم تحدثنا عن الألغام وضرورة نزعها من العلمين وصورنا كيف قتلت شخصيات كثيرة منها القائد الانكليزي نفسه. وأنا أتمنى عندما يتعرض أي ناقد لفيلم أن يقول ما له وما عليه، فلا يمكن أن ينسى أحد جمال الموسيقى التصويرية والديكور والتصوير والمنتج الجريء سمير صبري الذي تصدى لإنتاج الفيلم، وتحسب له إجادته في تجسيد شخصية غازي الثوري المصري. السينما في دمي ماذا في ذهن سمير صبري بعد "جحيم تحت الارض"؟ - في ذهني الآن فكرة فيلم سينمائي يتناول قضية اجتماعية، وأعد له في سرية تامة. السينما في دمي ولا أعتقد انني استطيع الابتعاد عنها. فالمعاناة لذيذة إذا كان الانسان يعيش ما يعاني من أجله، وأعتقد أن ما من أحد يخوض غمار الانتاج الضخم اليوم سوى نور الشريف، وأنا، وأخيراً أحمد زكي في فيلم "أيام السادات". أنت ممثل ومنتج ومطرب واستعراضي ومقدم برامج ناجح... كيف تجد الوقت لممارسة كل هذه المواهب التي يحسدك عليها كثيرون؟ - أنا ضد التصنيف، فكل هذا سمير صبري عاشق الفن الذي كان محظوظاً بأن التقى، في بداياته، عمالقة وتعلم منهم الكثير، أمثال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم حافظ وتوفيق الحكيم ويوسف السباعي وجلال معوض وطاهر أبو زيد وغيرهم. ولا أنسى كلمة محمد عبدالوهاب لي: "اعط فنك كل شيء في الدنيا... يعطِك فنك كل شيء في الدنيا". ما حقيقة ما يقال عن الصراع الدائر بينك وبين ممثل آخر على تجسيد شخصية أنور وجدي في فيلم يتناول قصة حياته؟ - جسدت شخصية أنور وجدي في مسلسل إذاعي تناول قصة حياته وشاركتني بطولته يسرا. وجسدت شخصيته في المسلسل التلفزيوني "أم كلثوم"، وأدى كمال الشناوي شخصيته في فيلم "طريق الدموع" مع صباح وليلى فوزي، في الستينات. فلا صراع مع زميل آخر، ومن يريد تجسيد شخصيته فليجسدها. أنا سأجسدها، في اتقان، لأنني درست حياته جيداً. كل ممثل يستطيع أن يجسد الشخصية من منظوره الشخصي، وسبق أن أديت شخصية الصحافي محفوظ عجب في فيلم "دموع صاحبة الجلالة" وهو من أحلى أدواري السينمائية، والشخصية نفسها قدمها أحمد زكي في الإذاعة وفاروق الفيشاوي في التلفزيون.