} تترقب السوق الأميركية أن يدعم قانون خفض الضرائب الذي أقره الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب نهاية الاسبوع الماضي، احتمالات استعادة الاقتصاد زخمه. لكن يبدو من شبه المؤكد أن الانتعاش المأمول لن يحدث في الوقت المناسب لدعم حركة المبادلات التجارية الدولية التي حذرت منظمة التجارة الدولية من حدوث تراجع خطير في معدل نموها السنة الجارية بسبب تباطؤ الاقتصاد الأميركي وتداعياته الواسعة النطاق. يعتمد ترقب السوق على جملة من المؤشرات التي ترجح أن حركة التباطؤ التي خفضت نمو الاقتصاد الأميركي الحقيقي الى واحد في المئة في الفصل الأخير من العام الماضي، بلغت القاع وبات من المنتظر أن تستعيد مسارها التصاعدي في وقت لاحق من السنة مدعومة بخمسة خفوضات متتالية أجراها مجلس الاحتياط الفيديرالي على سعر الفائدة الأساسي منذ مطلع السنة علاوة على محفظة حوافز عاجلة حجمها 100 بليون دولار تضمنها قانون خفض الضرائب الجديد. وترافق اقرار قانون خفض الضرائب مع اصدار وزارة التجارة الأميركية تقديرات أولية في شأن أداء الاقتصاد في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة. وتضمن التقرير مؤشرات عدة أظهرت أن المعدل السنوي لنسبة النمو الحقيقي التي حققها اجمالي الناتج المحلي في الفترة المشار اليها بلغ 1.3 في المئة، مسجلاً تقدماً ملحوظاً بالمقارنة مع الفصل السابق، كما حقق الانفاق الاستهلاكي الذي يعتبر أهم مؤشرات حركة الاقتصاد تقدماً طفيفاً بعدما نما بنسبة 2.9 في المئة. وعلى رغم أن نسبة النمو المحققة لا تشكل مؤشراً مؤكداً الى نهاية سريعة للتباطؤ الا أنها تعتبر تطوراً مشجعاً من واقع أنها لم تأخذ التطورات الضريبية في الاعتبار، ولم تنجم عن مبادرات خفض الفائدة التي تحتاج الى فترة تراوح بين 6 و9 أشهر للتأثير في حركة الاقتصاد علاوة على أنها خفضت احتمالات تعرض الاقتصاد الأميركي للركود الذي يفسره الاقتصاديون بأنه محصلة ثلاثة فصول متتالية من النمو المحايد. وأشار رئيس مجلس الاحتياط آلان غرينسبان الى أن خفض الفائدة سيحتاج الى وقت للتأثير في "رخاوة" الطلب التي اعتبرها أهم أسباب التباطؤ، وقال بنبرة متفائلة في كلمة أمام النادي الاقتصادي في نيويويرك الجمعة الماضي: "لم نتحرر بعد من مخاطر تعرض الاقتصاد لضعف أشد مما هو متوقع في الوقت الراهن، لكن لا بد لنا من ادراك أن اجراءات السياسة المالية المدعمة التي اتخذناها حرية بتقديم دعم قوي لتعزيز النشاط الاقتصادي في وقت لاحق من السنة". وأكد غرينسبان أهمية المؤشرات التي نشرتها وزارة التجارة في شأن الانفاق الاستهلاكي لا سيما في ضوء التراجع الحاد الذي تم تسجيله في الفصل الأول في فوائض انتاج القطاعات الصناعية، خصوصاً انتاج السيارات وفي درجة أقل الكومبيوترات وأشباه الموصلات، مشيراً الى أن الانفاق الاستهلاكي الذي سيقرر في نهاية المطاف مدى نجاح جهود تصفية الفائض كمقدمة ضرورية لحدوث انتعاش في القطاعات الانتاجية، يبدو الآن ضعيفاً وان لم يكن الى حد مفرط. ولفت غرينسبان الى أن عملية تصفية الفائض التي بلغت قيمتها في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة 18.9 بليون دولار استلزمت خفض انتاج الشركات الأميركية لكنها طاولت جزءاً لا بأس به من الواردات الأميركية "ما من شأنه أن يؤثر سلباً على الانتاج الأجنبي". وأظهرت أرقام وزارة التجارة أن الواردات انخفضت فعلياً بنسبة 10 في المئة في الفصل الأول بعدما كانت تراجعت بنسبة 2.1 في المئة في الفصل الأخير من العام الماضي. ويعتبر تراجع الواردات الأميركية تطوراً مهماً من حيث أنها شكلت العام الماضي 19 في المئة من الواردات الدولية الاجمالية التي بلغت قيمتها آنئذ 6.5 تريليون دولار، علاوة على أن النمو القوي الذي سجلته في العام المذكور بنسبة 19 في المئة ساهم في صياغة الأرقام القياسية التي حققتها حركة التجارة العالمية، وبشكل خاص النشاط التجاري للبلدان العشرين التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التصدير الى السوق الأميركية مثل كندا والمكسيك ودول شرق آسيا. وكانت منظمة التجارة الدولية أوضحت في تقريرها السنوي الذي أصدرته الاسبوع الماضي أن تباطؤ الاقتصاد الأميركي ساهم في زيادة الغموض حول امكانات النمو المتوافرة للمبادلات التجارية الدولية سنة 2001، مشيرة الى أن حركة التجارة بدأت بالتباطؤ في الأشهر الأخيرة من العام الماضي ويتوقع أن تستمر طوال القسم الأعظم من السنة الجارية، لا سيما في حال فشلت دول الاتحاد الأوروبي التي تشكل 40 في المئة من التجارة الدولية في ابداء مقاومة أشد مما هو متوقع ازاء التباطؤ الأميركي. وبمعزل عن احتمال حدوث تطورات ايجابية مفاجئة في النشاطين الاقتصادي والتجاري لدول الاتحاد الأوروبي توقعت منظمة التجارة أن تحقق تجارة السلع، التي تشكل الجانب الأعظم من التجارة الدولية، نمواً بنسبة 7 في المئة ما سيعني في حد ذاته تسجيل تراجع حاد مقارنة بالعام الماضي، الا أن منظمة التجارة حذرت من أن امكانات النمو المتاحة ربما تتأثر بتداعيات انهيار أسواق المال على النشاط الاستثماري والانفاق الاستهلاكي في الدول الصناعية. لكن منظمة التجارة أفادت أن التراجع المتوقع في النمو يأتي بعدما حققت التجارة الدولية أفضل معدلاتها في التسعينات وأحد أفضل أداء لها في العقود الخمسة الماضية، اذ بلغت نسبة النمو الذي حققته تجارة السلع العام الماضي 12 في المئة وراوحت نسب النمو في جميع مناطق العالم بين 10 و15 في المئة، وعزت السبب الى استمرار تسارع النمو في اقتصادات أميركا الشمالية ودول آسيا النامية وانتهاء حال الركود في أميركا الجنوبية وروسيا علاوة على ازدياد وتيرة النشاط الاقتصادي في المناطق الأخرى. وساهمت أسعار النفط في منح منطقة الشرق الأوسط أفضل أداء في مجال الصادرات بين مناطق العالم اذ بلغت نسبة نمو صادرات المنطقة في العام الماضي زهاء 51 في المئة بعدما كانت انخفضت قبل عامين فقط بنسبة تناهز 21 في المئة. ولعب هذا الأداء القوي دوراً في رفع متوسط نمو صادرات المنطقة في التسعينات من سالب الى 7.1 في المئة سنوياً كما ساهم في زيادة وارداتها بنسبة 14.3 في المئة العام الماضي، ما أتاح لها فائضاً تجارياً في مبادلات السلع حجمه 90 بليون دولار. وذكرت منظمة التجارة أن تحسن أسعار النفط الخام في العامين الماضيين رفع حصة الوقود في تجارة السلع الدولية الى زهاء 10 في المئة بعدما انخفضت الى 6.5 في المئة فقط جراء انهيار أسعار النفط عام 1998، على رغم أن منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك كانت رفعت حصتها من انتاج النفط في العام المذكور الى 42 في المئة مقارنة بنحو 30 في المئة عام 1985. يشار الى أن النفط الخام يشكل نحو 80 في المئة من تجارة الوقود. واستبعدت منظمة التجارة تأثر النفط بالتباطؤ المتوقع في نمو التجارة الدولية مبرزة الاتجاهات الرئيسية للسنوات العشر المقبلة، وهي أن حصة النفط المستورد في كل من استهلاك النفط والطاقة في المناطق المستوردة آسيا ولا سيما الصين والهند، والاتحاد الأوروبي وأميركا الشمالية مرشحة للزيادة، وأن الامدادات الاضافية ستأتي بشكل رئيسي من المنتجين التقليديين خصوصاً الشرق الأوسط وأن تجارة النفط بين الشرق الأوسط وآسيا ستستمر في تحقيق النمو الدراماتيكي الذي سجلته في التسعينات.