الأمير محمد بن سلمان.. رؤية شاملة لبناء دولة حديثة    منتخب المغرب يستعرض قوته بخماسية في شباك الجابون    منتخب مصر يعلن إصابة لاعبه محمد شحاتة    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    ابن جفين: فخورون بما يقدمه اتحاد الفروسية    شولتس يؤكد أن موقف ترامب من أوكرانيا «أكثر تعقيداً» من المتوقع    رتال تختتم مشاركتها كراعٍ ماسي في سيتي سكيب بإطلاق حزمة مشاريع نوعية بقيمة 14 مليار ريال وتوقيع 11 اتفاقية    القوات الجوية السعودية تختتم مشاركتها في معرض البحرين الدولي للطيران    بعثة الاخضر تصل الى جاكرتا استعداداً لمواجهة اندونيسيا    جدة تشهد أفراح آل قسقس وآل جلمود    إحباط تهريب 380 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر في جازان    القمر البدر العملاق الأخير    تركي آل الشيخ يعلن القائمة الطويلة للأعمال المنافسة في جائزة القلم الذهبي    قادة الصحة العالمية يجتمعون في المملكة لضمان بقاء "الكنز الثمين" للمضادات الحيوية للأجيال القادمة    جامعة أم القرى تحصد جائزة أفضل تجربة تعليمية على مستوى المملكة    المملكة تواصل توزيع الكفالات الشهرية على فئة الأيتام في الأردن    فريق قوة عطاء التطوعي ينظم مبادرة "خليك صحي" للتوعية بمرض السكري بالشراكة مع فريق الوعي الصحي    الذهب يواجه أسوأ أسبوع في 3 سنوات وسط رهانات على تباطؤ تخفيف "الفائدة"    النفط يتجه لتكبد خسارة أسبوعية مع استمرار ضعف الطلب الصيني    جامعة أمّ القرى تحصل على جائزة تجربة العميل التعليمية السعودية    بحضور وزير الخارجية.. اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية تجتمع في باريس لتطوير العلا    خطيب المسجد الحرام: من ملك لسانه فقد ملك أمرَه وأحكمَه وضبَطَه    خطيب المسجد النبوي : سنة الله في الخلق أنه لا يغير حال قوم إلا بسبب من أنفسهم    ميقاتي: أولوية حكومة لبنان هي تنفيذ قرار مجلس الأمن 1701    الاعلان عن شكل كأس العالم للأندية الجديد    موقف ريال مدريد من ضم ثنائي منتخب ألمانيا    "الخبر" تستضيف خبراء لحماية الأطفال من العنف.. الأحد    ليس الدماغ فقط.. حتى البنكرياس يتذكر !    البثور.. قد تكون قاتلة    قتل أسرة وحرق منزلها    أمريكا.. اكتشاف حالات جديدة مصابة بعدوى الإشريكية القولونية    أمين الأمم المتحدة يؤكد في (كوب 29) أهمية الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    جرائم بلا دماء !    الخرائط الذهنية    «قمة الرياض».. إرادة عربية إسلامية لتغيير المشهد الدولي    «خدعة» العملاء!    الشؤون الإسلامية بجازان تواصل تنظيم دروسها العلمية بثلاث مُحافظات بالمنطقة    باندورا وعلبة الأمل    «السوق المالية»: تمكين مؤسسات السوق من فتح «الحسابات المجمعة» لعملائها    لماذا فاز ترمب؟    علاقات حسن الجوار    الشؤون الإسلامية في منطقة جازان تقيم مبادرة توعوية تثقيفية لبيان خطر الفساد وأهمية حماية النزاهة    مدارسنا بين سندان التمكين ومطرقة التميز    في أي مرتبة أنتم؟    خالد بن سلمان يستقبل وزير الدفاع البريطاني    أمير تبوك يطمئن على صحة مدني العلي    انطلاق المؤتمر الوزاري العالمي الرابع حول مقاومة مضادات الميكروبات "الوباء الصامت".. في جدة    البصيلي يلتقي منسوبي مراكز وادارات الدفاع المدني بمنطقة عسير"    ذلك «الغروي» بملامحه العتيقة رأى الناس بعين قلبه    استعادة التنوع الأحيائي    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 23 إلى لبنان    بحضور الأمير سعود بن جلوي وأمراء.. النفيعي والماجد يحتفلان بزواج سلطان    أفراح النوب والجش    استعراض جهود المملكة لاستقرار وإعمار اليمن    مقياس سميث للحسد    كم أنتِ عظيمة يا السعوديّة!    إضطهاد المرأة في اليمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التوجه الى الدوحة بعد الفشل في سياتل : تحديات منظمة التجارة العالمية
نشر في الحياة يوم 29 - 05 - 2001

تشهد العاصمة القطرية، الدوحة، في تشرين الثاني نوفمبر 2001، المؤتمر الوزاري الرابع لمنظمة التجارة العالمية. ويعقد هذا المؤتمر في أعقاب الفشل الكبير الذي منيت به هذه المنظمة في سياتل الولايات المتحدة الأميركية عندما انهار المؤتمر الوزاري الثالث لها، وتعذر تحقيق اي من مهماته، وذلك في تشرين الثاني - كانون الأول ديسمبر 1999.
لا شك في ان الأحداث التي رافقت وأعقبت مؤتمر سياتل جديرة بأن تحلل بهدوء وموضوعية، ومن منظور المصالح الحقيقية المرتبطة بهدف تحرير التجارة الدولية على أسس عادلة ومتكافئة، أهمها تمكين البلدان النامية، لا سيما الفقيرة منها البلدان الأقل نمواً من درء أخطار التهميش الناجمة عن تعمق واتساع ظاهرة التفاوت الاقتصادي والاجتماعي بين شمال العالم وجنوبه.
وفي هذا السياق، تبرز أسئلة وقضايا لا بد من معالجتها وإدارة حوار صريح وبناء في شأنها، بين جميع المعنيين بهذا الأمر المهم، سواء كانوا من الأقطار الصناعية المتقدمة أو الأقطار النامية، ولعل الندوة التي تلتئم في "منتدى كرايسكي للحوار الدولي" تشكل مساهمة مهمة في بلوغ هذه الغاية.
الفشل الكبير
في 12 آب اغسطس 2000، أشارت مجلة "الإيكونومست" الى أن المؤتمر الوزاري الثالث لمنظمة التجارة العالمية تهاوى في خضم الغازات المسيلة للدموع. وهذا ما آل إليه مؤتمر سياتل في واقع الحال الذي كان يمثل أوسع لقاء دولي عقدته منظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها في بداية عام 1995، وانطوى على نكسة خطرة لها وللجهود المبذولة لإقامة نظام تجاري متعدد الأطراف.
والواقع أن فشل مؤتمر سياتل يتجسد في مظاهر رئيسية، منها:
أولاً: تعذر على المؤتمر الوصول الى أي اتفاق بشأن الجولة الجديدة للمفاوضات التجارية بما في ذلك صوغ جدول الأعمال. هذه المهمة التي بقيت ماثلة امام منظمة التجارة العالمية منذ ولادتها.
ثانياً: لم يبرم اي اتفاق في شأن القضايا الأخرى الواردة في جدول عمل مؤتمر سياتل، خصوصاً في مجالات السلع المصنعة والزراعة والخدمات.
ثالثاً: نتيجة لأعمال وتظاهرات الاحتجاج الصاخبة التي أحاطت بمؤتمر سياتل وما طرحته من شعارات، اصبحت منظمة التجارة العالمية هدفاً مباشراً لسخط عالمي واسع، وجرى تحميلها مغبة العواقب والآثار السلبية للعولمة والعلاقات الاقتصادية والتجارية غير العادلة بين الدول المتقدمة والبلدان النامية. وترتب على ذلك بروز الكثير من الأسئلة والتساؤلات عن مستقبل منظمة التجارة العالمية وعملية تحرير التجارة العالمية بوجه عام.
إزاء الحصيلة الخائبة لمؤتمر سياتل، تراكمت مجموعة أسباب وتحليلات متنوعة. ويعزى التنوع او الاختلاف في تحديد عوامل الفشل وتقويمه الى التفاوت في مواقف البلدان والمقاربات المعتمدة في شأن القضايا المطروحة. غير أنه يمكن التمييز بوجه عام بين خطين رئيسيين للسياسات والمواقف المتخذة من جانب الفريقين الأساسيين في المؤتمر، أي فريق البلدان الصناعية المتقدمة والفريق الآخر الممثل للبلدان النامية. ومع هذا، يمكن القول إن أسباباً محددة لقيت وتلقى قبولاً واسعاً من الأوساط الفكرية والسياسية، فضلاً عن عدد غير قليل من حكومات البلدان النامية، هي التي أودت بمؤتمر سياتل وأهمها:
1- بالنسبة الى عمل المؤتمر وأدائه الداخلي، ثمة شعور عام، مصحوب بشكوى مريرة لدى ممثلي غالبية البلدان النامية من أن عملية صنع القرار شابها الكثير من الخلل والتجاوزات، حيث آلت الحال هذه الى تهميش البلدان النامية وإضعاف دورها، الأمر الذي ولّد أزمة ثقة حقيقية بين المشاركين، بل زرع الشقاق والانقسامات بينهم. لا شك في ان هذا الوضع الشاذ يشكل علامة سلبية للغاية ويلقي ظلالاً قاتمة على سلامة آلية صنع القرار في عمل منظمة التجارة العالمية.
2- بروز تناقضات واضحة بين موقف الولايات المتحدة الأميركية وموقف الاتحاد الأوروبي إزاء بعض القضايا، خصوصاً رفض المجموعة الأخيرة تقديم تنازلات في شأن المسائل الزراعية. والواقع أن التناقض الأميركي - الأوروبي هذا سيستمر يلعب دوراً تقسيمياً مؤثراً داخل مجموعة الدول الصناعية المتقدمة.
3- اشتداد الصراع والتصادم بين الدول النامية والدول الصناعية المتقدمة حول ربط معايير العمل والبيئة بالحقوق والالتزامات التجارية. وكان من آثار الإصرار على الربط بين الاثنين إلقاء الشكوك على الدوافع الحقيقية وجدول العمل الحقيقي للولايات المتحدة، واتهامها بممارسة الابتزاز ضد البلدان النامية بهدف انتزاع تنازلات منها، وذلك إرضاء لمتطلبات السياسة الداخلية وأغراض الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية.
4- انفلات الوضع العام وشيوع الفوضى حول المؤتمر من جراء تصاعد واتساع موجات الاحتجاج والتظاهر التي قامت بها جموع حاشدة ممن توصف بالناشطين المناهضين للعولمة، من داخل الولايات المتحدة أو خارجها.
وهنا يجدر ان نشير الى أن بعض المحللين يعتبر حركة الاحتجاج الأهلي هذه ذات طابع متناقض وتنبع من مصالح ودوافع متضاربة. ويدللون على ذلك بالقول ان التقارير الإعلامية الأميركية ألمحت الى أن إدارة كلينتون آنذاك أعربت عن مساندتها "احتجاجات محدودة وتحت السيطرة" لمجاميع معينة ذات شعارات مدافعة عن حقوق العمال وهادفة لحماية البيئة. وذلك بهدف الضغط على مؤتمر سياتل للإذعان للمطالب الأميركية بإدخال معايير العمل والبيئة ضمن اجندة تحرير التجارة العالمية والاتفاقات المبرمة في إطار منظمة التجارة العالمية. ويبدو ان الرياح لم تمش كما تشتهي السفن، إذ اضمحلت السيطرة على الشارع عندما شاركت مجاميع اخرى من هيئات المجتمع المدني في موجة الاحتجاج والتظاهر وطرحت مطالب وأهدافاً من نوع آخر. وكان من نتيجة ذلك ان تصلب موقف البلدان النامية ورفضت الإذعان للضغوط الأميركية في هذا الشأن.
لقد تضافرت عوامل الإخفاق وأدت الى العجز عن مواصلة اعمال المؤتمر، الأمر الذي حدا بالسيدة شارلين بارشيفسكي ممثلة الإدارة الأميركية ورئيسة المؤتمر الى تعليق اعمال المؤتمر وإحالة المقترحات المقدمة الى الأعضاء لمواصلة التشاور وبلورة موقف مشترك في شأنها. كما طلب من المدير العام لمنظمة التجارة العالمية مايك مور متابعة التشاور والمناقشة مع الدول الأعضاء لإيجاد الوسائل الخلاقة لردم الخلافات وبلوغ توافق بشأن القضايا المطروحة، والتمهيد لاستئناف دورة جديدة من اجتماعات المؤتمر الوزاري للمنظمة. كما جرت الموافقة على متابعة المؤتمر الخاص بالمفاوضات حول المسائل الزراعية وفقاً للاتفاق الموقع بشأن الزراعة AOA وكذلك متابعة المؤتمر الآخر الخاص بالتجارة في الخدمات وفقاً للاتفاق العام المبرم في هذا الشأن GATS وذلك بهدف التوسع في تحرير التجارة في قطاع الخدمات المختلفة، ومع ان هذين المؤتمرين واصلا أعمالهما في جنيف في أعقاب احداث سياتل إلا أن تقدماً مهماً أو نتائج ملموسة لهما لم تسجل حتى الآن.
القضايا الرئيسية والخلافات الجوهرية
ومن المهم ان نلقي ضوءاً على القضايا التي بحثها المؤتمر وترتبت عليها خلافات جوهرية بين مجموعات الدول المشاركة فيه. وتقف في المقدمة كذلك القضايا المتعلقة بالصادرات الزراعية والتجارة في الخدمات والأنسجة والملبوسات وقوانين مكافحة الإغراق، إضافة الى الاستثمار الأجنبي المباشر ومعايير العمل والبيئة وصلتهما بالتجارة.
- الزراعة: تحتل القضايا المرتبطة بالزراعة موقعاً رئيسياً في المفاوضات التجارية المتعددة الأطراف. والمعروف ان الاتفاق المبرم ضمن جولة أوروغواي بشأن الزراعة AOA لم يتضمن تحريراً كاملاً للتجارة بالمنتجات الزراعية. ويعزى ذلك الى التباين في مواقف المجموعات الرئيسية الثلاث من الدول الأعضاء. فالولايات المتحدة الأميركية ومعها مجموعة من البلدان الرئيسية المصدرة للسلع الزراعية بذلت جهوداً كبيرة لتحقيق أوسع تحرير للتجارة في هذا القطاع.
إلا أن حكومات الاتحاد الأوروبي اتخذت وتتخذ موقفاً معارضاً لأي تغيير أو تعديل في اتفاق الزراعة المشار إليه وتمسكت بسياساتها الزراعية. ونتيجة ذلك حدث انشقاق عريض داخل البلدان الصناعية المتقدمة حول قضايا الزراعة. كما ان بلداناً نامية عدة عبرت عن شكوكها إزاء عدم التزام بعض البلدان الصناعية المتقدمة احكام اتفاق الزراعة. ثم كانت هنالك المجموعة الأخرى المسماة Grain's Group التي تضم الولايات المتحدة الأميركية مع سبعة عشر بلداً من مختلف المجاميع النامية والمتقدمة صناعياً، وهي كندا وأستراليا وأوروغواي والأرجنتين والبرازيل وهنغاريا وماليزيا وأندونيسيا وتايلاندا وجنوب افريقيا ونيوزيلاندا وباراغواي وتشيلي وكولومبيا والفيليبين وفيجي وفنزويلا. وكان لهذه المجموعة برنامج ومطالب مشتركة في شأن القضايا الزراعية.
- التجارة في الخدمات: مع أن هناك اتفاقاً عاماً بين المجاميع المختلفة على هدف المزيد من التحرير في تجارة الخدمات، إلا أن البلدان النامية كانت تدعو لأن تتم هذه العملية بصورة تدريجية وتبعاً لحاجاتها ومتطلباتها الاقتصادية. وهي مسألة لا تحوز موافقة البلدان المتقدمة التي كانت تصر على التحرير الشامل للتجارة في قطاع الخدمات المختلفة، بما فيها الخدمات المرتبطة بالاستثمار الأجنبي المباشر FDI.
- مكافحة الإغراق Anti- dumping: حول هذه المسألة، دارت شكاوى واتهامات كثيرة من جانب البلدان النامية ضد الولايات المتحدة والبلدان الصناعية المتقدمة. كما ان اليابان طالبت الولايات المتحدة بأن تراجع وتعدل قوانينها الخاصة بمكافحة الإغراق. هذه القوانين التي تسبب ضرراً كبيراً للمساعي المبذولة لتحرير التجارة. غير ان الولايات المتحدة كانت ترفض المطالب اليابانية وتحجم عن إدخالها في جدول عمل مؤتمر سياتل ولقاءات منظمة التجارة العالمية بوجه عام.
- المنسوجات والملبوسات: في هذا القطاع، انصب الخلاف والشكاوى أيضاً على عدم الالتزام باتفاقات الغات المبرمة سابقاً. ففي نظر البلدان النامية، كانت وما زالت البلدان المتقدمة تفتعل حججاً وتوجد عقبات لعرقلة الصادرات المقبلة من الأولى. وبذلك، تضع صعوبات جدية في طريق تحرير التجارة بالنسبة الى السلع العائدة الى قطاع النسيج.
- معايير العمل والبيئة: كان الرئيس الأميركي بيل كلينتون آنذاك هو الذي أثار القضايا المتعلقة بمعايير العمل والبيئة. وذلك في خطابه الموجه لمؤتمر سياتل الذي طالب فيه بربط هذه المعايير بمتطلبات تحرير التجارة. بل تعدى ذلك بتوجيه تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية على البلدان التي لا تلتزم معايير العمل والبيئة.
أثار الموقف الأميركي هذا، موجة من الانتقادات الحادة من جانب البلدان النامية وغيرها، وأعربت عن رفضها مطلب الربط بين المسألتين، ودعت بدلاً من ذلك الى التفاوض حول هذه القضايا في إطار منظمات دولية اخرى، ذات صلة مباشرة وأكثر اختصاصاً، مثل منظمة العمل الدولية.
الطريق الى الدوحة
بعد كل الذي حصل، وما اقترن به من فشل وإخفاقات، بما في ذلك انهيار مؤتمر سياتل، استمرت جهود منظمة التجارة العالمية خلال السنة المنصرمة لتلافي النكسة التي أصابتها، فنجحت في بلوغ توافق بين اعضائها الى 140 واختارت الدوحة عاصمة قطر لتكون مقر المؤتمر الوزاري الرابع للفترة من 9 الى 13 تشرين الثاني 2001.
ولا شك في أن انعقاد المؤتمر في الدوحة، هو بمقياس التعامل الدولي ومعايير العلاقة بين مجاميع الدول، يعتبر اشارة واضحة من جانب هذا القطر العربي، وربما غالبية الأقطار العربية، الى اهتمامها بأهداف منظمة التجارة العالمية وحرصها على تحرير التجارة الدولية على أسس متوازنة وعادلة. وبحسب الخطة الموضوعة، فالمتوقع من مؤتمر الدوحة البحث في إعلان دورة جديدة من المفاوضات لمزيد من تحرير التجارة في قطاعات جديدة.
وهنا لا بد من ان يجري التوقف عند تجربة الفشل في مؤتمر سياتل واستخلاص الدروس والخبرات من حال الانقسام والصراعات التي سادت المجاميع الدولية في شأن الكثير من القضايا الجوهرية والإجرائية التي اصطدم بها المؤتمر. ولعل الإفادة الحقيقية من شأنها ان تساعد في تضييق فجوة الخلافات على أساس الاحترام المتبادل لمصالح جميع الأطراف. ويبرز في مقدم ذلك، ابداء تفهم حقيقي وراسخ من جانب البلدان المتقدمة لمصالح ومطالب مجموعة الدول النامية في وجه عام. كما يتعين لفت النظر الى عدد من الحقائق والمسائل التي تلوح في الطريق الى الدوحة وخلال اللقاء المرتقب فيها وأهمها:
1- تواجه منظمة التجارة العالمية تحدياً كبيراً من شأنه ان يترك آثاراً جدية في مسيرتها اللاحقة. وتتطلب المواجهة الناجحة لهذا التحدي ان تبرهن هذه المنظمة أنها منتدى حقيقي وذو صدقية راسخة للمفاوضات، وفق قواعد وآليات نزيهة بهدف تعزيز التجارة الحرة والعادلة بين الدول. كما يتعين على هذه المنظمة ان توفر إطاراً شفافاً وموثوقاً به للتعامل المباشر بين الدول، بعيداً من نزعات الهيمنة والتدخل من جانب حكومات الدول الكبرى. وعليه، في هذا المفهوم تستطيع المنظمة ان تكون حكماً صادقاً لحل الخلافات والنزاعات بين الدول. وهذا يتطلب التزام منظمة التجارة العالمية هذه الأسس، لا سيما بالنسبة الى عملية صنع القرار فيها، بما يحقق لها نجاحات جديدة ويفتح آفاقاً رحبة لبلوغ أهدافها.
2- نشارك المدير العام لمنظمة التجارة العالمية مايك مور الآراء التي أطلقها في أعقاب مؤتمر سياتل بقوله: "نحن نسعى لتحقيق حزمة من الإجراءات لمساعدة البلدان الفقيرة لكسب فوائد أكبر من النظام التجاري العالمي. وتتضمن هذه الحزمة دخولاً أيسر لأسواق البلدان الغنية، وزيادة المعونة الفنية وتعاوناً أوثق بين منظمة التجارة العالمية والمؤسسات الدولية الأخرى الهادفة الى تعزيز جهود التنمية، خصوصاً البنك الدولي. ونحن نبحث عن وسائل جديدة لتحسين أداء المنظمة وانسجامها مع اتجاهات اعضائها جميعهم، الذين يحرصون على أن يكون لهم قول في إدارة المنظمة وسير عملها". من خطاب المدير العام لمنظمة التجارة العالمية في المؤتمر الثالث والثلاثين لغرفة التجارة العالمية المنعقد في بودابست في 5/5/2000.
3- باختصار يمكن ان نؤكد المهمات التالية بوصفها ذات اهمية خاصة بالنسبة الى الأقطار العربية خلال المفاوضات المقبلة:
أولاً: مراجعة وتقويم تأثير الاتفاقات الحالية المبرمة في إطار الجولة الأخيرة في البلدان النامية قبل الشروع بمرحلة جديدة من تحرير التجارة. ذلك ان السير بوتيرة متسارعة في هذا المجال من دون إعداد مناسب، من شأنه ان يعمق التفاوت والمظاهر غير العادلة في العلاقات التجارية بين الدول، فضلاً عن أن التأني في هذا الأمر يساعد على تحديد الاتجاه الصائب للمفاوضات المقبلة.
ثانياً: إيلاء اهتمام اكبر لمسألة الدخول الى الأسواق بالنسبة إلى صادرات البلدان النامية، وأهمها المنتجات الزراعية والنسيجية، التي خضعت وتخضع لقيود كمية تفرضها البلدان الصناعية المتقدمة.
ثالثاً: الإغراق Dumping يشكل معضلة كبيرة يجب معالجتها بمنهج متوازن وعادل بالنسبة الى جميع الأطراف. والواقع، أنه جرى استخدام هذه القضية على نحو يتناقض مع روح منظمة التجارة العالمية والقواعد التي تحكم تحرير التجارة. كما جرى التوسل بإجراءات مكافحة الإغراق وغطاء لنوع من الحمائية Protectionism كما حصل بالنسبة الى السلع النسيجية والملبوسات والحديد.
رابعاً: ثمة حاجة ملحة الى تحسين الترتيبات الخاصة بالبلدان الأقل نمواً والدول ذات الاقتصادات الضعيفة والصغيرة، ومنها احترام والتمسك بآليات المعاملة التفضيلية الخاصة Special and Differential Treatment وتعزيزها، بغية تمكين هذه البلدان من دخول الأسواق من دون مقابل بالمثل، سواء كان ذلك في إطار اتفاقات التجارة الإقليمية أو المتعددة الأطراف.
في ضوء ذلك، تتضح الأهمية الخاصة لمؤتمر الدوحة بالنسبة الى منظمة التجارة العالمية ومستقبل النظام التجاري المتعدد الأطراف. ولا شك في أن قيمة أو صدقية منظمة التجارة الدولية ستواجه امتحاناً جدياً، الأمر الذي يتطلب تحقيق تقدم حقيقي وملموس في المفاوضات بين البلدان النامية والصناعية المتقدمة حتى يتأكد الدليل على حيوية هذه المنظمة والحاجة إليها. وفي هذا السياق، يبقى الهدف الأساس لبلوغ تجارة عادلة وحرة معياراً أساسياً للنجاح في عملية تحرير التجارة على أساس الاحترام المتبادل لمصالح الدول الأعضاء مع الأخذ في الاعتبار الوضع الخاص والصعوبات الكبيرة التي تحيط بالبلدان الفقيرة من جراء الإرث الاستعماري الثقيل والتخلف المزمن في جميع الصعد.
* الخطاب الافتتاحي للدكتور مهدي الحافظ في مستهل الندوة المشتركة لمنتدى الفكر العربي ومنتدى كرايسكي للحوار التي عقدت في فيينا في 6- 7 أيار مايو 2001 في شأن مستقبل منظمة التجارة العالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.