كرر المتظاهرون في مناطق القبائل في الجزائر أمس مطالبهم بسحب وحدات الدرك من مناطقهم، وهو مطلب دأبوا على إطلاقه منذ بدء الإضطرابات قبل أسابيع. لكن لماذا الدرك؟ يشكو سكان مناطق القبائل، لا سيما في تيزي وزو مئة كلم شرق العاصمة، من ان قوات الدرك تعاملهم بصلافة، ويشيرون - تدليلاً - الى الحادثة الأخيرة التي كانت بمثابة الشرارة للمواجهات: قتل طالب في مركز للدرك في بني دوالة قرب تيزي وزو عاصمة القبائل الكبرى في 18 نيسان ابريل الماضي، والاعتقالات العنيفة للمتظاهرين التي تلت تلك الحادثة في بجّاية عاصمة القبائل الصغرى. واستخدم بعض المتظاهرين كلمة "حُقرة"، في وصفهم طريقة معاملة أفراد الدرك المواطنين. و"الحُقرة" الاحتقار كلمة بالغة الدلالة في المفهوم الجزائري. وغالباً ما يتباهى الجزائريون بأنهم يمكن ان يتحمّلوا مشاقاً كثيرة ومعاناة أكبر لكنهم لا يُمكن ان يتحمّلوا "الحقرة". ويُروى ان قادة الثورة الجزائرية، وكانوا في خضمّ صراع دموي في ما بينهم على السلطة عقب انتصارهم على الفرنسيين، تناسوا خلافاتهم وانتقلوا الى الحدود لقتال جيرانهم المغاربة، في "حرب الرمال" المعروفة في 1963، لمجرد انهم اعتبروا ان حكم الملك الراحل الحسن الثاني "حقّرنا". وقوات الدرك الوطني الجزائرية هي جزء أساسي من المؤسسة العسكرية. وتتبع وزارة الدفاع الوطني، مثلها مثل الجيش الوطني الشعبي. وتتحمل قوات الدرك جزءاً أساسياً من مهمة المواجهة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة. وربما يُفسّر ذلك سبب تصرفها "القاسي" مع المواطنين، خصوصاً في المناطق التي يُشتبه في أنها تؤوي "إرهابيين". ومعروف ان مناطق القبائل، في معظمها، معادية للتوجهات الإسلامية المتشددة، لكن فيها أيضاً نشاطاً مُهماً ل "الجماعة السلفية" بقيادة حسان حطاب. والدرك الجزائري، مثله مثل الجيش، يضم عناصر تنتمي وتنتشر في كل المناطق. إذ يمكن ان يجد دركي من وهران، في غرب الجزائر، نفسه مفصولاً الى وحدة عسكرية في قسنطينة، في شرق البلاد. وعلى هذا المنوال، فإن عناصر الدرك المنتشرين في مناطق القبائل ليسوا من منطقة جغرافية واحدة، بل هم متعددو التنوّع المناطقي. ونقلت وكالة "رويترز" عن صحيفة "الوطن" الجزائرية، الأسبوع الماضي، ان العديد من وحدات الدرك سُحب من مناطق القبائل. لكن مصادر جزائرية تحدثت، في المقابل، عن مناقلات فقط بين وحدات الدرك، مع سحب العديد من الوحدات التي يُعتقد بان وجودها يمكن ان يُثير غضب السكان، خصوصاً الوحدات التي أطلقت النار على المواطنين في الإضطرابات الأخيرة، مما أدى الى مقتل العشرات منهم ما بين 42-65 قتيلاً. ولا يُعتقد بان المؤسسة العسكرية يمكن ان تخضع للضغوط الممارسة عليها لسحب الدرك، ذلك ان خطوة من هذا النوع يمكن ان تُشكّل سابقة من نوعها تُعرّض صورتها للإهتزاز. ويُطالب العديد من السكان بأن تحل محل الدرك قوات الأمن الوطني التابعة لوزارة الداخلية. وتُشارك قوات الأمن في العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة، لكنها ليست مُسلّحة تسليحاً ثقيلاً، وتُعتبر في الغالب أداة دعم أكثر مما هي أداة هجوم. وعناصر الأمن الوطني، على عكس الدرك والجيش، يتوزّعون جغرافياً في مناطقهم فقط. إذ ان المنتشرين منهم، مثلاً في مناطق القبائل، ينتمون الى هذه المناطق تحديداً، ولا يخدمون في العادة خارجها. وعلى هذا الأساس، فالطبيعي ان يكون هؤلاء أكثر تفهماً من غيرهم لمشاعر سكان مناطقهم ومطالبهم.