الخصومات بين الناس، ليست غريبة، حتَّى لو وصلت للمحاكم، لكن المستهجن والغريب، حين تتجرَّد الخصومات من الأخلاق، وتنحدر للظلم، والضغائن، وتنزل بصاحبها للبهتان، والاتهامات الباطلة -والعياذ بالله-، وقد قرأت اليوم عبارتين جميلتين في منصَّة إكس تقول (متصنِّع الأخلاق تفضحه الخصومة ، أما متصنِّع الود فتفضحه الشدائد ) ما أصدق هاتين العبارتين إذ تحمل في طياتها حقائق بعض الناس الذين أخطأنا في تقديرنا لهم، ودعونا نتوقف عند عبارة متصنِّع الأخلاق تفضحه الخصومة بتحليل بسيط: وهي تشبه كثيراً عبارة ( المواقف تظهر الحقائق ) فكم من أناس نتعامل معهم، ونثق بهم، ونحبهم، ثم تحدث بيننا وبينهم خصومة، ما نلبث أن نكتشف حقيقة صادمة بتدنِّي أخلاقهم، وكذب محبتهم، بل وقد يصلوا إلى التبلي، والاتهامات الباطلة -والعياذ بالله- كل ذلك لأنهم في حالة خصومة! بينما الخصومات لا تعني الكراهية، ولا تعني التجرُّد من العلاقات، فقد تكون خصومات على أمور دنيوية مادية، يتم التعاطي معها بأخلاقيات رفيعة، وبحسن ظن الطرفين في بعضهما، خاصة إذا كان بينهما علاقة معرفة، وود سابقة، فالمرء يستطيع الوصول لحقه، دون الإساءة وسوء الظن، وصل الحال ببعض الخصومات، أنها فرَّقت بين الأهل، ودمَّرت أواصر قربى، ووصم المتخاصمون بعضهم البعض بأسوأ الألفاظ والاتهامات، حدثتني إحدى الأخوات بكل ألم وبينها وبين صديقة لها خصومة، اتسمت بالقطيعة. ومن مبدأ أن الخصومة قد توتِّر العلاقة، لكن لاتصل للقطيعة، استغربت ما هو حاصل بين الصديقة التي حدثتني، وصديقتها، فأفادتني قائلة: إن خصومتي معها ليست ممّا يمكن تجاوزه، فقد(اتهمتني في ديني وشرفي على إثر خلاف بيننا، ولأنها مقرَّبة مني، كاد اتهامها يدخل قلب زوجي، وأهلي، لولا كرم الله، الذي أظهر الحقائق). صدمني كلامها، وأحزنني ما عانته، ومرَّت به، لكني في نفس الوقت، لم أستغرب موقف صديقتها، والتي لا تستحق أن تكون كذلك، ولنا في كتاب الله عِبر ودروس فقد قال عز وجل: ( الأخلاء بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) لأن التقوى في العلاقات تحفظ الود، وتصون الحقوق، وتحرم الظلم حتى مع الخصومات، لأن الحياة بنوازعها المختلفة، وظروفها المتباينة، تحدث فيها الخصومات، لكنها تحدث بين الطيبين بأمانة وشرف، لتكون خصومات ضمن دائرة الشرف والأخلاق، لا ظلم فيها، ولا افتراء، فبعض الخصومات يكيل أصحابها تهماً باطلة، تصيب قلب الأخلاق وكبدها ونعوذ بالله! وإنها مصيبة في الدين والخلق أن يتجرأ مسلم على الطعن في شرف أي أحد، أو دينه، لأن بينهما خصومة! "وعند الله تلتقي الخصوم"، ويكون القصاص بعدل تام، لكن، كم من الناس تضرَّرت حياتهم من إلحاق الأذى الباطل بهم؟، وكم من إمرأة دمَّرها اتهام باطل بسبب خصومة غير شريفة؟ ألا يمكن أن ترتقي الخصومات وتكون فوق مستوى الإساءات والظلم والجرأة على الله؟ بعض الناس منهجهم في الخصومة العداء، والعنف النفسي، وربما الجسدي، ينطبق عليهم علامات المنافق ( إذا خاصم فجر)، يستخدمون كل الوسائل الخبيثة للتشّويه، والنَيل من الطرف الآخر بمجرد الخصومة معه، يتناسون العشرة، و(العيش والملح) كما يقال، ويسلِّطون ألسنتهم، ويشهرون سيوفهم، محرِّفين الحقائق، يفضحون الأسرار، ويكون صديق الأمس، وجبة دسمة مسمومة في مجلسهم -للأسف-، وتضيع كل المواقف الجميلة معهم وكأن شيئاً لم يكن! متناسين أن الدين المعاملة وأن الدين حسن الخلق. الحقيقة أننا بحاجة لتدريب أنفسنا، وأبناءنا، على الخصومة بشرف، وأمانة، لأن الفجور في الخصومات، يدمِّر الأخلاق، ويهدم القيَّم، فإذا ما حصلت خصومة، فليتذكر المرء أنه مسلم تحكمه تعاليم أخلاقية، وأن بينه وبين خصمه، روابط تشفع لهما، وما هذه، إلا خصومة، وليست حرب، سيأتي يوم، وتنتهي، لكن آثارها السيئة، قد لا تزول. لذا، فلتكن كل الخصومات بشرف، وأمانة أخلاقية، ودمتم.( اللهم زد بلادي عزاً ومجداً وزدني بها عشقاً وفخراً).