من الجزائر الى ايران مروراً بقطر وماليزيا وصولاً الى سورية ثم ليبيا، عاد الرئيس الكوبي وكرر خطبه المعهودة التي باتت محصورة به وبعدد ضئيل من المسؤولين في العالم. ففي الجزائر أشاد فيديل كاسترو بالتاريخ الثوري للشعب الجزائري وبالترابط القائم بينه وبين تاريخ الشعب الكوبي. اما في ايران فدان الامبريالية الاميركية وحصارها الجائر للشعبين الكوبي والايراني، واعتبر في كوالالمبور ان ماليزياوكوبا هما قاعدتا التمرد المتبقيان في العالم. وحمل كاسترو على مدى جولته على الانحرافات الناجمة عن العولمة بوصفها عملية "نهب حديثة" للشعوب بهدف تعميق الهوة بين الفقراء والأثرياء. والهدف من هذه الجولة واضح مزدوج: أولاً، يؤكد للشعب الكوبي بالملموس ما يقوله له باستمرار من ان كوبا ليست وحدها في العالم، ولا تزال تتمتع بصداقات دولية عدة. كما يؤكد الأمر نفسه لإدارة الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش الذي تعهد تشديد موقفه حيالها. اما الهدف الثاني فتعزيز علاقات بلاده الاقتصادية بهذه الدول بما يدعم خطة التطوير الاقتصادي التي يعتمدها للحد من التدهور المأسوي لمستوى معيشة الكوبيين. فمن حق كاسترو، كما يقول مؤيدوه، استخدام كافة السبل بما فيها استنهاض اصدقائه في العالم، تداركاً لما قد تقدم عليه الادارة الاميركية الجديدة من اجراءات تبدد التحسن النسبي الذي طرأ على الصعيد الاقتصادي، ومن حقه الاستمرار في الدفاع عما حققه من انجازات. وفي اطار استعراضهم لهذه الانجازات، يتوقف هؤلاء المؤيدون اساساً عند مجانية التعليم والطبابة، المؤمنة في كوبا والتي تجعل الكوبيين محظوظين مقارنة بشعوب الدول الأخرى في منطقة الكاريبي. وبالسؤال عن الديموقراطية وحقوق الانسان يؤكد هؤلاء انها ليست سوى شعارات فارغة تدعي الولاياتالمتحدة العمل لأجلها، لإخضاع كوبا التي وقفت في وجه محاصرتها منذ 40 سنة. ويتساءلون، ما معنى الديموقراطية عندما يكون هناك اشخاص يموتون بسبب عدم قدرتهم على الاستشفاء، وما معناها في دول المنطقة حيث الأمية متفشية، وأطفال الأسر الفقيرة مشردون في الشوارع وأبواب المؤسسات التعليمية مغلقة أمامهم. ويقر هؤلاء بأن الكوبيين يتفقرون الى كل ما يمكن تصنيفه في خانة الكماليات، لكنهم يضيفون: هل ان التخلي عن الاشتراكية في الدول الشرقية، ما جعل هذه الكمليات في متناول شعوبها وأمن لها الرفاهية؟ ويعتبر المؤيدون ان بقاء كوبا واستمرارها على نهجها، دليل على فشل السياسة الاميركية التي راهنت على الحصار وعلى مجموعات المعارضة الخارجية لزعزعتها ودفع نظامها الى الانهيار. اما المعارضة الداخلية، فهي في رأي هؤلاء، مجموعة من المأجورين المدعومين مالياً من الولاياتالمتحدة، الذين يترددون شهرياً على قسم رعاية المصالح الاميركية في هافانا لتقاضي أجورهم. وقد يكون هذا القدر من التبسيط هو الذي يسمح لهؤلاء المؤيدين الاستمرار في تقبل الواقع الذي يعيشونه، ولكن ماذا عن المعارضين؟ يعتبر المعارضون ان كل ما يقوم به كاسترو ليس اكثر من محاولة هروب الى الامام، ويؤكدون ان بقاء النظام الكوبي كما هو عليه، رهن بحالته الصحية. فكاسترو اليوم في الرابعة والسبعين، وفي حال وفاته فكوبا ستكون عرضة لحالة من عدم الاستقرار، على حد قول المعارضين الذين يؤكدون ان شقيقه وخليفته المعين راوول كاسترو لن يكون قادراً على إبقاء الوضع كما هو عليه الآن من دون اللجوء الى اصلاحات جدية. واكتفاء راوول كاسترو ببعض الاصلاحات التفصيلية لن يكفي، في نظر هؤلاء، للنهوض بالوضع الاقتصادي، بل سيؤدي الى حالة من البلبلة الاجتماعية والاضطراب الداخلي. فارتفاع العائدات السياحية التي يتفنن بها النظام يترافق ايضاً، على حد قول المعارضين، مع ارتفاع في معدلات الاجرام، وقوات الأمن الكوبية تصرف وقتها على مكافحة المجرمين ومكافحة المعارضين. فالأوضاع بلغت حداً من الصعوبة تجعلها قابلة للتفجير بمجرد غياب القائد التاريخي والموجه القادر على لجم واحتواء التوترات، اي فيديل كاسترو، وعندها لا يستبعد المعارضون احتمال اقدام الولاياتالمتحدة على التدخل عسكرياً في الجزيرة. والجالية الكوبية المقيمة في الولاياتالمتحدة عازمة على استخدام كامل وزنها للضغط في هذا الاتجاه، رغم ان الجيش الكوبي لا يزال أقوى جيوش المنطقة.