أول الكلام من ديوانه "غبار الجسد الباقي" للشاعر السعودي/ محمد عبدالرحمن الحفظي: - ترفُضني بوابة لأن وجهي قد سقَطْ وعاد صلداً... كالحجَرْ لا فوقَ فيه ظاهر لا تحتَ يبدو في مكانه ولا تعرُّج محدّد... يخطُّ بدء الزاوية!! قطرات من أسى إنسان يحملها إليَّ هذا الأسبوع:"الصديق العزيز جداً الى نفسي"، من خلال رسالته الاربعائية التي صار يخلخل الالتزام بكتابتها كل اسبوع، وكلما سألته: اين بوحك، كلماتك؟! أراه يحدق في وجهي بنظرة شاردة ويهمس كأنه يخاطب الحياة كلها، وهو يردد: وما جدوى الكلمات؟! إقرأوا في رسالته اليوم أبعاد وصفه وتصويره بإبداع العاشق للكلمة: العزيز/ أبو وجدي: أرفق لك رسالة جاءتني من رفيق طفولة "سجين"، يستجير بي بعد أن ضاقت الحلقات على عنقه، يصرخ: أحد أحد!! تجد - يا بو وجدي - وأنت تقرأ الرسالة أن كلماتها تمزق القلب، كأنها مخراز كبير صدئ، وصوتها عال كانهزام مائة بناية دفعة واحدة، ونبراتها حادة كانزلاق الشفرة على الجلد، وقوية كشعلة فرقعت في برميل، وكَسيرة كمظلة مطوية... ما إن تقرأ الرسالة حتى ينتابك هذا التشقق والجفاف، وتحس أنك تحولت إلى بصلة في دكان مقفل! لقد اختار ذلك الطير المتعب في القفص أن يرش أحزانه لي على هيئة سطر طويل دون نقط عن هذه الحياة التي أصبحت ماكينة "فليبرز" عملاقة... أصبح صوت الظلم فيها أعلى من آلة الأورج، ويتناسل الجبروت في رحمها مكوناً عائلة لا تأكل إلا غيرها... يتحدث عن حلمه الذي يصعد به كل يوم درج البكاء، وعن صياح الديك ورنين خطوات ابنه ذي الثمانية أعوام على الباب وصوته الطفولي الذي يشبه همس الكمان. يأخذني في الرسالة - كما ترى - معه إلى أيام طفولتنا الأنيقة التي كانت مثل إعلان جديد، ويذكرني كيف انه لم يشاغب يوماً في المدرسة او يحدث اذى للآخرين، وكيف عاش بعد ذلك جل حياته كسهم يسابق الفرح... يحلم دائماً بحياة كريمة دون هفوات، كما في السينما، لينتهي به الأمر الى عمر لا يفضي إلاّ الى الهاوية... وكيف يعيش حياته الآن خارج الوقت كحبة طماطم تنام في "هورية"، فجدول الأيام يركض في زمانه دون غاية... يتبدد بين كؤوس الشاي وأعقاب السجائر، وساعة تعوي في المعصم ترقص عقاربها باتجاه العمر بالمقلوب، يحدق في اللاشيء بلا معنى، مسجى الحركات كعمود هاتف. الرسالة من مجملها - يا بو وجدي - صفعة على وجه هذا المجتمع الذي اصبح يضم بين كتفيه أناساً يبنون فنادق رحبة على أنقاض بيوت الضعفاء، ويفاخرون كنسور بقوتهم، وتحت أقدامهم عصافير مطحونة منتوفة الريش... مجتمع قاس أصبح يتفرج على المظلوم وكأنه سلحفاة مقلوبة في عرض الطريق لا يفكر أحد منهم في التدخل لقلبها لتواصل المسيرة!! الرسالة البائسة التي أرفقها لك هي من إنسان يعيش أيامه الآن كصحن مهمل في قبو يعتقد بعدما حل به: أن الحرية استئجار، وأن السجن تمليك... كما يتضح لك في الرسالة أيضاً: أنه لا يطلب من أحد معونة مالية، أو وصفة سحرية، أو خريطة مهربة للنفاذ من السجن... كل ما يرجوه هو: أن يعيد من هو في موقع المسؤولية النظر في قضيته من جديد، وإعادة فتح الملف!! وأنا على يقين أن رجاء هذا المتعب لن يختلط بالأسمنت، ففي عمر كل مسؤول وقت يتسع لإنصاف المظلومين... وما دفعني للكتابة إليك هو: أنك أحلت عمودك النوراني إلى حضن وادٍ لا ينمو فيه شيء غير العدل... وأوجدت في قلبك حجرة لكل مظلوم! هذا إنسان يدعي الظلم - يا بو وجدي - فهل كتبت لمن ينصفه، لعل في قلمك الفرج؟!!