هذه قصة من قصص العشاق المبللين بأطياف من يحبونهم.. هي فنانة تشكيليه مكسيكية فاتنة أسطورة جمال.. أنثى لها رائحة البيلسان إن كشفت عن عنقها تدلى منه ماسا ونعاسا وحلما جميلا.. أينما تضع قدميها ينبت النعناع والعسجد وتغرد الطيور.. كان جبينها تسكنه ياسمينة مزهرة تقيها طوفان الليل يتدفق جمالها فتجعل للمكان معنى وللزمان رحيق.. عندما تتحدث كانت تتحدث كنضج العشب عندما يتخلل الدماغ فيصيبك بالدوار.. كلماتها نسمة تربة الزهر والنرجس.. كانت عيناها الواسعتان بحجم البحر تكبران كل يوم في حبه وكان هو فنان عالمي من أمريكا اللاتينية يدعى «ديجيوا ريفيرا» كان يحنو عليها كنخلة تحنو على بحر وكان الاثنان ورق زيتون أخضر في ظلمة ليل غامق كأنهما نهر صاف ضاع في مكان نسيته الأرض فأصبح نقيا نقاء النبع.. كان يمارس معها عشقا غير العشق المكتوب.. كان يكتب لها كلاما يشبهه صوت خميلة ناعمة يداعبها النسيم وكان يحيطها بغابة حنان.. وكانت تجيبه بكلمات من مجمرة الروح كأنه بخور عود هندي عتيق يقرأه فيبعث في نفسه شجنا لا ينتهي في أرجاء روحه.. كانت عندما تتحدث تستخدم أناملها كأنها تسكب الليل في الصباح وتسقط البرق من الشعاب كانت كلماتها تتحد في نفسه كوجل الرجوع.. وكانا عندما يتخاصمان تعاتبه برفق كان يستعذب عتابها كفاكهة لا تنضج، واستمر ذلك الحلم بينهما كشراشف مخيطة بالذهب وعاشا كزوجين متحابين في حياة معجونة بالفن والعشق والشوك والعسل والحليب وحب الحياة يتبادلان طعام الكلام وهمس العشق.. كانت تنغرس في أريج نومه وتلبس معطف أحلامه وتنتشر في مملكة مسورة بسياج روحها يمسك بجناحها كلما طارت إليه وكانت تفرد كفيها إليه عندما يريد أن يرى السماء كان ينام ليصحو على رشح الضوء من عينيها وكان لا يريد أن يستيقظ أبدا حتى لا يطفئ النار التي تلسع أحلامه وكانت ما أن تترك المنزل حتى تترك له رائحتها العذبة ورسالة تتركها على ركن القلب.. ما أن يفتحها حتى يظهر له خيالها من جديد.. كانت رسائلها له مملكة عسل وكلامها نحل يطوف حول الهمس..كان بعادها عنه أقسى من قارة فراق وعندما تعود تصبح الحياة له فصلا ربيعيا مجاورا ومطرا على التلال كأنها بحيرة ماء الجمع.. واستمر ذلك الفرح المباح بين الفنان العالمي «ديجيوا ريفيرا» والفنانة التشكيلية المكسيكية «فريدا كالا» حتى أقعدها مرض خطير وجعلها عاجزة عن الخروج من شقتها والتواصل مع العالم الخارجي وتحول «ديجيوا ريفيرا» إلى طفل كبير فقد ألعابه وظل يبكي ويخطو على الأرض مرتعشا كبيت على حدود التماس، واعتكف «ديجيوا ريفيرا» في شقته مستخدما إبداعه وموهبته في الرسم على جدرانها وأسقفها وأرضيتها وأعمدتها وأثاثها.. رسم كل الأشخاص الذين تحبهم «فريدا» والأماكن التي كانت تشتاق إليها.. المزارع والسماء والنباتات التي تحبها، والحياة الطبيعية لسكان المكسيك التي تعشقها كان يتفنن كل فترة في إبداع رسومات أخرى جديدة كي يجعلها لا تحس بلحظة عجز واحدة.. لم تكن تشتاق لرؤية مكان أو شخص إلا ووجدته أمامها.. ظلت هذه الصورة للعشق تلازمني طويلا.. تدلت اليوم أمام عيني كحبل ينتهي طرفه بالماسة فنقلتها لكم.