ودع التوانسة الدوري المحلي الحالي باكراً وسط حال من اللامبالاة جماهيرياً عكست في باطنها مشاعر "ملتهبة" من الاستياء والحسرة لما آلت اليه كرة القدم التونسية محلياً وتراجع اسمها عربياً وقارياً ودولياً في بداية الألفية الجديدة وفي الموسم الأول "للاحتراف" التونسي. وتوج الترجي التونسي بلقب الدوري حاصداً كل الألقاب الفرعية، فقد جمع 57 نقطة في 22 مباراة متقدماً على الوصيف النجم الساحلي ب19 نقطة وتلك أولى المفارقات، ففي أكثر بطولات العالم بدائية، من الصعب حصول مثل هذا الفارق الكبير بين البطل والوصيف ما يعكس حال من غياب التوازن وانعدام التنافس الذي هو رمز لكرة القدم ويمثل المذاق الحلو فيها. وجاءت اندية النجم الساحلي والنادي الافريقي والنادي الصفاقسي في المراتب الأولى بعد الترجي طبعاً، مما سيسمح لها بالمشاركة في المسابقات العربية والافريقية... لكن هذه المشاركة لا تعني شيئاً لجماهيرها لأن هذه الأندية عجزت عن هزيمة الترجي او التنافس معه بندية لأربعة مواسم متتالية... فكيف لها ان تواجه الأندية الافريقية والعربية؟ لقد كانت مأساة الصفاقسي في كأس النخبة العربية الأخيرة خير شاهد على عجز الأندية التونسية، اذ تكبده ثلاث هزائم ثقيلة وهو الذي يملك أفضل رصيد بشري من اللاعبين المحليين والاجانب. وتتعذر الجماهير التونسية بأن الدوري المحلي بأنديته ال12 وجولاته ال22 لم يعرف من الكرة واللعب سوى شوط واحد جمع بين "الأخوة - الاعداء" الترجي والافريقي الذي كاد يطيح بالاخير لولا الخبرة التي أحدثت الفارق وحافظت على "عذرية" نادي باب سويقة الذي احتفظ بسجله خالياً من الهزائم ثلاث سنوات متتالية! وتدحرج ناديا شبيبة القيروان وجمعية جربة الى الدرجة الثانية، في حين تمكن حمام الأنف واولمبيك مدنين من العودة الى الدوري الممتاز. واذا كان سقوط جمعية جربة لم يكن مستبعداً، فإن انحدار شبيبة القيروان، احد الأندية العريقة التي أنجبت أجيالاً من اللاعبين الكبار أبرزهم خميس العبيدي ومراد العقبي، دفع الى التساؤل عن وجهة الأندية المحلية في بداية عصر الاحتراف. فبالأمس سقط الحديد الصفاقسي ومستقبل المرسي، واليوم شبية القيروان وكلها أندية تعج بالمواجب الكروية لكنها لم تتمكن من فهم طبيعة المرحلة الجديدة التي تحتاج أولاً وأخيراً رصيداً مهماً من الأموال والأنفس التي تعرف من أين تأكل الكتف. فشبيبة القيروان فرط منذ بداية الموسم في أبرز لاعبيه الى "الأخ الأكبر" والجار بالجغرافيا النجم الساحلي، بل ان أرفع صفقة انتقال في الموسم والتي بلغت 325 الف دينار كانت من نصيب أحد مدافعيه الذي تحول الى النجمة الحمراء. وقد أقدمت رئاسة الشبيبة على ذلك لتتمكن من توفير حاجاتها المالية، فكان ان خسرت الرهان البشري ومكانها في الدوري الممتاز. وحصل لاعب الملعب التونسي اسامة السلاسي على لقب أفضل الهدافين بتسجيله 11 هدفاً، وهي حصيلة هزيلة تعكس النزعة الدفاعية للأندية وغياب مهاجمين قادرين على التهديف. واذا كانت هذه الاشكالية لا تعد حال تونسية بل ظاهرة تعاني منها كرة القدم العالمية، فان انعكاساتها جد مؤثرة على منتخب تونس الذي تنتظره استحقاقات مهمة على درب كأسي افريقيا والعالم. وجاء لاعب الترجي التونسي اديلتون أول لاعب اجنبي في ترتيب الهدافين بتسجيله 7 أهداف. وشهدت بداية الموسم موجة كبيرة من اللاعبين البرازيليين، من الدرجة الثانية طبعاً، وصلت الى تونس وادت الى انحسارقيمة اللاعبين الافارقة والحضور العربي. ولكن هذا التوجه نحو المدرسة البرازيلية أبرز محدوديته حيث لم تجن الأندية منه سوى هدر الامكانات المالية ووجع الرأس. فبعد مغادرة اللاعب البرازيلي سيلفا دي سانتوس النجم الساحلي الى نادي سوشو الفرنسي، لم يتمكن ابناء وطنه من تقديم اي اضافة. أما الكونغولي العائد للصفاقسي جون بنزا فيبدو ان الدوري الألماني استنفد كل امكاناته وطاقاته، ولم يبق له من "النسر السريع" سوى اللقب. ويبقى الليبي طارق التايب معضلة مستعصية عن الفهم فلم يتمكن من التأقلم لا مع الصفاقسي ولا مع النجم الساحلي وقضى مواسم في تونس ما بين الفنادق ومقاعد الاحتياط فذهبت بذلك موهبة عربية حقيقية من الزمن الضائع... ادراج الرياح. واللافت ان اللاعبين الأجانب في تونس يشتكون دائماً من تحرش المحليين بهم واستنفزازهم، وفي ذلك شيء من الصحة فاللاعب عبدالقادر كاتيا اشتراه النجم الساحلي بأكثر من 500 الف دينار ثم اقصي في أول مباراة، وفضل بعدها في الاندماج مع باقي عناصر فريقه. واذا كانت ابرز سمات هذا الموسم هي فشل اللاعبين الاجانب، فان الامر لم يختلف كثيراً على صعيد المدربين. فمن اجمالي المدربين أجانب لم يتألق سوى الفرنسي ايكسبريا مدرب الافريقي، والجزائري علي الفرقاني مدرب الاتحاد المنستيري. فهل تعكس هذه "الحال" من "العداء" للأجانب، مضافاً اليها تدني القدرة التنافسية للفرق مؤشراً واضحاً لتقدم الكرة التونسية اكثر نحو الهاوية... خصوصاً ان تجربة الاحتراف لم تمس سوى رواتب اللاعبين؟