الرئيس التشيخي فاكلاف هافيل ناشد حلف شمال الاطلسي الناتو، وكرر المناشدة، لقبول دول البلطيق الثلاث فيه. فلاتفيا واستونيا وليتوانيا، يجب ان تكون في الحلف لأنها قريبة جداً من روسيا. هذه وجهة نظر الرئيس التشيكي الخائف على استقلال هذه البلدان وعلى حرياتها. وهافيل، المنشق السابق والمضطَهَد السابق، كان قد قال إن روسيا ضعيفة خير من اتحاد سوفياتي قوي. ووراء عبارته هذه قدر هائل من المخاوف التي كنّتها ولا تزال تكنّها بلدان اوروبا الوسطى لروسيا، والتي تضرب جذرها في ازمنة سابقة على انتصار الشيوعية في موسكو. لكن ليتوانيا ولاتفيا واستونيا كانت جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد السوفياتي. واذا كان الكرملين لم يبتلع حتى الآن تمدد الحلف الى بلدان الكتلة السابقة، كتشيخيا نفسها فضلاً عن هنغاريا وبولندا، فكيف يبتلع تمدده الى البلد السابق؟ وكيف لا يتحرك لديه ولدى شعبه شعور بالنرجسية الجريح؟ والحال ان فلاديمير بوتين تحديداً لا يقبل بمثل هذا التحدي، هو الساعي الى تجديد البناء الامبراطوري. وربما كان في التحدي ما يستحق الاقدام عليه لو ان المشروع الامبراطوري الروسي قابل للتحقق. الا انه في ظل الظروف المعروفة يبقى اقرب الى التمنيات والرغبات. ويُخشى، لهذا السبب تحديداً، ان تكون مناشدة هافيل في غير محلها. فروسيا غير قادرة على الاخافة، غير انها قابلة لأن تتعرض للابتزاز، ولأن تردّ بابتزاز هي الاخرى. وما يزيد الخشية من اقتراح كهذا ان الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش لا يتورّع عن الاستجابة والتنفيذ! وهذا فيما تحاول بلدان اوروبا الغربية استمالة موسكو كي تعتمد اليورو عملة لتبادلها التجاري مع العالم الخارجي. اي، ان الدعوة التشيكية لن تخدم، في الاطار هذا، غير تعقيد مهمة اوروبية يُستحسن ان لا تتعقد، وتسهيل مهمة اميركية يُستحسن ان لا تتسهّل. اما هافيل، المثقف والضمير، فآن له هو الآخر ان يبارح الماضي وعقده ومخاوفه، وهي عقد ومخاوف فعلية، من اجل الدخول في مغامرة الصياغة الجديدة لعالم جديد. وهي مغامرة بالطبع، الا ان كل تحول من هذا النوع ينطوي على مغامرة. فاذا نجحت قُيّض لأوروبا الوسطى ان تجدد دورها الذي دافع عنه مثقفوها جيلا بعد جيل، وهو ان يكونوا الجسر بين القارة الغربية والقارة الشرقية... وصولا الى روسيا.