شدد رئيس "المجلس الوطني" البرلمان في السودان أحمد ابراهيم الطاهر على ان الحكومة السودانية تسير الآن على نهج يهدف الى "الانفتاح على الآخرين وأن يكون العمل السياسي مفتوحاً لكل الناس وليس حكراً على فئة معينة". وقال في حديث إلى "الحياة" في الدوحة التي زارها قادماً من ايران في طريق عودته الى الخرطوم "أن البرلمان سيناقش قريباً مشروع التنظيمات السياسية، وان هذا المشروع الذي سيحل محل "قانون التوالي السياسي" سيناقش أيضاً خارج البرلمان في سبيل الوصول الى صيغة مرضية للأطراف السودانية". وفيما قال إن قضية اعتقال الترابي لا تشكل أبرز قضية تشغل بال الحكومة حالياً أكد ان الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي هو "شخصية اسلامية لا يمكن تجاوزها" و"هو الذي ساعد في بناء الحركة الاسلامية وقادها في الفترة السابقة"، لكنه وجه انتقادات شديدة للاتفاق بين الترابي وجون قرنق زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" ورأى ان اتفاقهما يهدف الى "تقويض الدولة وإحداث فوضى في البلاد"، كما حمّل الترابي مسؤولية فشل وساطة قام بها بعض الشخصيات الاسلامية من بعض الدول العربية أخيراً. وأشار الطاهر، وهو شخصية بارزة منذ سنوات في العمل السياسي ومجال المحاماة والأوساط القانونية، الى ان الحكومة السودانية تتلقى اشارات ايجابية من اميركا. وقال: "إننا نسعى لنهج التعايش والمصالح المتبادلة مع واشنطن". وهنا نص الحوار. يبدو ان أهم ما يشغل الحكومة السودانية قضية الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي، ما هي توقعاتك لكيفية حل المشكلة، هل عن طريق محاكمة أم حل سياسي؟ - لا أتفق معك ان هذه أهم قضية تشغل بال الحكومة الآن، القضية الأهم بالنسبة لنا هي قضية السلام والحوار مع المتمردين الحركة والجيش الشعبي لتحرير السودان بقيادة جون قرنق للوصول الى صيغة عادلة ودائمة للسلام في السودان، لكن صحيح ان بعض الأحداث تفرض نفسها مثل الاتفاق الذي تم أخيراً بين الدكتور حسن الترابي وجون قرنق. وفي الحقيقة ان مثار الاهتمام به تجاوزه العمل السياسي الى العمل الاستراتيجي الذي يستهدف استقرار السودان وأمنه وسلامته، ومن هذا الجانب حدثت المعالجة الأخيرة اعتقال الترابي، ولكنني أقول لك صحيح ان الترابي شخصية اسلامية لا يمكن تجاوزها وهو قائد اسلامي في السودان ومعروف في العالم كله، وصحيح انه هو الذي ساعد في بناء الحركة الاسلامية وقادها في الفترة السابقة، وصحيح انه ربى هذا الجيل الذي يتولى الآن العمل العام في السودان لكن هذا جانب، أما الجانب الآخر فهو انك عندما تتولى أنت مسؤولية ادارة الدولة فإن المسؤولية تلقي عليك عبئاً بأن توازن بين عواطفك الشخصية تجاه الأشخاص وبين أمن البلد وسلامته وحفظ كيانه العام، لذلك هذه هي الموازنة التي تقوم الآن، وأقول لك ان التحفظ الذي تم على حسن الترابي اعتقاله جاء من هذا الباب. ونعتقد ان الاتفاق اتفاق الترابي- قرنق لا يقل خطورة عما حدث من مواثيق في اسمرا بين التجمع تحالف احزاب المعارضة وجون قرنق لأن الهدف واحد وهو تقويض الدولة في السودان وإحداث فوضى في البلاد لا يعرف مداها إلا الله. وهذا العلاج الذي تم في السودان اعتقال الترابي هو في اطار القانون، وتم بأيسر الوسائل الممكنة وروعيت فيه هذه الجوانب التي ذكرتها. هل سيستمر اعتقال الترابي، وهل سيتم تقديمه الى المحاكمة؟ - بما ان هذه القضية الآن امام وزارة العدل فإنني لا استطيع ان أتنبأ لك بنتائجها المصيرية، لكن أقول لك ان كثيراً من الحادبين والمشفقين على الأمور في السودان جاؤوا وأرادوا أن يغّير الدكتور في آرائه في ما يختص بالاتفاق مع قرنق نظير ان يطلق سراحه من السجن وتتجاوز الحكومة هذه الاجراءات لكن في النهاية هو أصّر على موقفه. هل توافق على ما ذكرته أوساط عدة بأن "الوساطة الاسلامية" التي قام بها بعض الشخصيات من دول عربية فشلت؟ - أقول لك انها فشلت لسبب واحد، فالصيغة التي جاءت من اجلها كانت معقولة من الناحية العملية اذ انها ارادت ان تتجاوز بالحكومة وبالشعبي حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الترابي الأزمة التي نجمت عن توقيع الاتفاق بين الترابي وقرنق الذي اجمع الكل في السودان وفي الخارج على انه خطأ سياسي شنيع، وأيضاً خطأ ديني. وكان القصد من الوساطة ان يتجاوز المؤتمر الشعبي عن ذلك ويتراجع نظير ان تتراجع الدولة أيضاً عن اجراءاتها التي اتخذتها اخيراً، ولكن على رغم ان قيادة الشعبي حزب المؤتمر الشعبي خارج السجن توافقت على ذلك ما طرحته شخصيات الوساطة لكن الدكتور الترابي لم يوافق عليها، وبالتالي انتهت الوساطة الى هذا الأمر. اشرت الى ان قضية السلام هي الأولى التي تشغل بال الحكومة حالياً، فهل لديكم اتصالات تهدف لعقد جولة مفاوضات جديدة مع قرنق؟ - الناس تركز على الجولات الخارجية ونحن نركز على السلام من الداخل على المستوى نفسه، ولا أقول بمستوى اكثر أو أقل لكن لدينا وسيلتان لإحلال السلام في السودان: الأولى هي العمل الداخلي في الجنوب سواء كان ذلك في مجال التنمية، أو في مجال بناء الثقة والتحاور مع القوى الجنوبية الداخلية والقوى المعارضة من الداخل، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في كل هذه المجالات، الوسيلة الثانية هي الجانب الخارجي، وتعلم ان الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة قرنق هي حركة مدفوعة من الخارج، وتمويلها من الخارج، وسلاحها وتدريبها من الخارج، والأرض التي تنطلق بها من الخارج، والدعم المعنوي والسياسي والاعلامي كذلك، فهي حركة ذات بعد خارجي كبير، ولذلك يأتي التفاوض مع الخارج من هذا الباب لإيجاد صيغة لا تضر باستقلال البلد وأمنه وسلامته لكن تضمن الحق للمواطن الجنوبي من جنوب السودان ليعيش معززاً مكرماً في بلده. وهذه التحركات تقوم بها دول عدة الآن. مثالاً؟ - بينها مجموعة "الايغاد"، ومعلوم انها مستوردة من الاتحاد الأوروبي أي ما يسمى بشركاء "الايغاد" وأيضاً من خلفهم طبعاً الولاياتالمتحدة، وكل هذه الدول تسعى للتفاوض من خلال "الايغاد" ولم تكن الحركة حركة قرنق مستعدة في الفترة الماضية للتفاوض، بل كانت مستعدة للحرب، كما لم تكن مستعدة لوقف اطلاق النار، وكانت تسعى دائماً الى ان تعرقل مفاوضات السلام من اجل استمرار الحرب، وكانت تركز على استمرار الحرب لتحقيق الهدف الكلي وهو اسقاط الحكومة عن طريق الحرب. لكننا في هذه الفترة استطعنا من خلال التفاوض ان نقنع الدول المشاركة في مبادرة "الايغاد" سواء دول الجوار أو الدول الأوروبية بالنهج الحكومي المشرف والعادل الهادف لإحلال السلام في السودان. وبالتالي بحمد الله كسبنا ثقة هذه الدول ونستطيع ان نقول الآن ان معظمها يضغط الآن على حركة التمرد لوقف اطلاق النار الذي هو بداية للتفاوض الجدي بين الحكومة وبين الحركة، وكما تعلم فإن ما يروج الآن هو انه لا بد من ايقاف الحرب، وهذا وصل اليه العالم الخارجي الآن ونحن كنا وصلنا الى هذا قبل 11 عاماً اذ كنا في كل مفاوضاتنا نحاول اقناع الحركة بايقاف الحرب والجلوس للتفاوض. واستطيع ان أقول ان عملية السلام الآن خطت خطوات متقدمة ونحسب ان كل القوى الدولية الآن تُعد حساباتها السياسية والاستراتيجية في المنطقة كلها وذلك من اجل استقرار السودان والدخول في عملية مشاركة في المصالح المشتركة بين السودان وهذه الدول. هل يشمل هذا الولاياتالمتحدة خصوصاً وان الدوحة شهدت قبل ايام اجتماعاً بين عضو في الكونغرس وشخصيتين سياسيتين أوفدتهما الحكومة لمقابلة عضو الكونغرس في العاصمة القطرية، وهل تتوقع تغيراً في الموقف الأميركي تجاه الحكومة؟ - هذا سابق لأوانه، لأن الادارة الأميركية الجديدة ما زالت ترتب أوراقها ولم تدرس الملف السوداني حتى الآن، ونحسب ان عليها ضغوطاً كثيرة جداً لأنها تسير في الخط نفسه الذي كانت تسير عليه الادارة السابقة الذي قاد الى القطيعة بين السودان والولاياتالمتحدة، ولكننا نتلقى بعض الاشارات الايجابية بأن الادارة الجديدة لن تقدم على خطوة في شأن السودان إلا بعد دراسة وانها لن تمشي في هذه الخطوات بأعين مغمضة، وأنها ستراعي كل المستجدات والمتغيرات في المنطقة، وهذا شيء ايجابي، ونحن لا نريد ان نعادي الولاياتالمتحدة من دون سبب ولا أن نخلق لنا بطولات بالعداء معها، ونحن نريد ان نتعايش في عالم مستقر ومصالح متبادلة وفيه اخوة تحترم بعضها بعضاً، واذا ما شعرنا ان الولاياتالمتحدة تسير على النهج نفسه فإننا سنسير في هذا الشوط الى نهايته. يتردد كلام كثير عن الوفاق بين الحكومة وأحزاب المعارضة فما دور البرلمان في تقنين وإلغاء تشريعات تبيح الاعتقال خارج دائرة القضاء، وهل ستصدرون تشريعات تقنن العمل الحزبي، وما هي أولويات البرلمان في هذا الاتجاه، وهل انت متفائل بامكان حدوث وفاق سوداني في المرحلة المقبلة؟ - ما يسمى بالوفاق هو الانفتاح نحو الآخرين وتقبل وجهات نظرهم، وان يكون العمل السياسي مفتوحاً لكل الناس وليس حكراً على فئة معينة، وهذا هو النهج الذي تسير عليه الحكومة الآن، وبالتالي استطيع ان أقول ان هناك قناعات عامة في السودان لدى القوى السياسية بأن الوفاق يسير الى طريق أفضل مما كان عليه، وان النتائج التي ترتبت على ما تم من اتصالات واتفاقات وفتح ابواب جعلت الساحة السياسية تتحمل ان يكون هناك تعدد حزبي سياسي مختلف، وان يكون هناك تداول سلمي للسلطة، وهذه أصبحت مسائل واقعة في السودان لا ينكرها أحد، كما اصبحت قناعات حتى لدى المعارضة في الخارج. وكما تعلم ان بعض المعارضة عاد الى السودان والبعض الآخر يفكر ولم تعد هذه قضية شعارات، بل قضية واقع. وهل يدعم القانون هذا الاتجاه، أي اتجاه التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة؟ - يبقى كيف يدعم القانون ذلك وأؤكد لك ان التشريع سيتابع ذلك، والآن امامنا مشروع لتعديل قانون "التوالي السياسي" يضع قيوداً على الأحزاب، ليصبح قانون التنظيمات السياسية وليفتح فيه المجال أكثر للعمل السياسي، وسيفتح المجال لمناقشته داخل البرلمان وخارجه لتبادل الآراء حتى نصل الى صيغة مرضية لكل الأطراف في السودان إن شاء الله. معلوم ان هناك تأثيراً وتأثراً متبادلين بين السودان ومصر، فكيف تقوم الآن العلاقات بين البلدين؟ - أحسب انها احسن مما مضى بكثير، وواضح ان هناك تفهماً من الجانبين لضرورة التعاون بينهما، واعتقد ان العلاقة بين الحكومتين جيدة الآن، ومصر خطت خطوات ايجابية في المجتمع الدولي تجاه السودان لم تكن من قبل، ويبقى ان نُجسد هذه الأماني كلها في عمل واقعي ملموس يقوم على الاستثمار في مجال الزراعة والتجارة والتصنيع والتنمية وأن تكون شعارات التكامل بين السودان ومصر، وهما شعب واحد، هي شعارات حقيقية، وهذا يحتاج ليس فقط الى جهود الحكومتين وانما لجهود الشعبين ان شاء الله. تعني دور البرلمانيين في البلدين؟ - طبعاً. وهل لديكم خطة لتمتين العمل الشعبي في السودان ومصر لدعم العلاقات الرسمية؟ - لدينا تحرك واسع يشمل كل البرلمانات، وفي كل زيارة للخارج نحن نقابل نظراءنا في سبيل تمتين هذه العلاقات.