كنت في آخر السنوات الستين أترك مدرستي لأخرج في تظاهرات تنظمها الأحزاب والمجموعات اليسارية للاحتجاج على "حرب الامبريالية الأميركية القذرة في فيتنام". وكنت أنافس زملائي في رفع عقيرتي ضد "اليانكي الذباح" و"مجرمي الحرب الأميركان" و"الحرية لشعب فيتنام". تحرر شعب الفيتنام من "الإمبريالية اليانكية"، لأراه راكعاً تحت أقدام امبريالية الحزب الواحد والإيديولوجية الواحدة، فشعرت بالإحباط ثم نسيت الموضوع، وشيئاً فشيئاً نسيت اخطاء مراهقتي وراجعت موقفي من الإمبريالية الأميركية في حرب الخليج الثانية، عندما رأيتها تهب لنجدة شعب الكويت من السحق العراقي، كما راجعت موقفي من أفضلية اليسار على اليمين في المطلق. لكن غباء أقطاب الحزب الجمهوري في الولاياتالمتحدة نجح أو هو في صدد النجاح في إرغامي على مراجعة المراجعة لسببين: الأول، تشجيع إدارة جورج بوش عدوان شارون على الشعب الفلسطيني وانتفاضته التي يدافع بها عن آخر ما تبقى له من كرامة بعد ان فقد كل شيء آخر. والثاني، تشجيعها العدوان على البيئة عندما أعلن بوش معارضته تطبيق بنود بروتوكول كيوتو لخفض نشر ثاني أوكسيد الكربون في الجو استجابة لضغوط اللوبي النفطي الذي موَّل حملته الانتخابية، والذي يمثله في إدارة بوش نائب الرئيس تشيني، الذي يقوم بدور رئيس الحكومة في الأنظمة غير الرئاسية. هذا القرار المتهور يغامر بمصير الإنسانية التي يتفق العلماء على أن تلوث البيئة قد يقضي عليها بكارثة ايكولوجية كما قضت الكوارث البيئوية على الديناصورات قبل عشرات آلاف الأعوام. والقرار وقح لأنه جاء إثر نشر الأممالمتحدة تقريرها العلمي عن البيئة التي يحذر الإنسانية من مصير الديناصورات. وهو قرار "امبريالي"، لأن أميركا تقول للعالم كله: مصيرك لا يعنيني. كل ما يعنيني هو ارتفاع ارباح الشركات النفطية التي تساوي كل القيم الأخلاقية وكل حياة الإنسانية، فشعار الشركات هو البزنس أولاً وأخيراً، أما الإنسان فلا مكان له في خريطة الأرباح العالية. لو أن جورج بوش قال الحقيقة، هكذا عارية، لنجا من تهمة النفاق والكذب، لكنه لم يفعل بل عمد الى تمويه الحقيقة مدعياً ان بروتوكول كيوتو يشجع البلدان النامية على "الكسل" وعدم القيام بجهد لخفض تلويثها البيئة، متناسياً الحقيقة التي يؤكدها تقرير الأممالمتحدة وتقارير العلماء الأميركيين والتي تثبت احصائياً ان 20 في المئة من سكان العالم وهم سكان البلدان الصناعية الغربية أرسلوا في الجو في سنة 1999 وحدها 56 في المئة من ثاني اوكسيد الكربون، وأن أميركا وحدها ترسل منه في الجو عشر مرات اكثر من الصين و20 مرة اكثر من الهند. وتؤكد التقارير العلمية المحايدة ان كمية ما ترسله بلاد جورج بوش من ثاني اوكسيد الكربون يزيد دائماً ولا ينقص، لكن ما ترسله الصين من اوكسيد الكربون نقص في ثلاث سنوات بين 1997 و1999 بنسبة 17 في المئة. المضحك - وشر البلية ما يضحك - ان من أسهم في إسقاط المرشح الديموقراطي آل غور الذي كانت حماية البيئة تحتل مكان الصدارة في برنامجه هو مرشح الإيكولوجيين الأميركيين الديموقراطي رالف نادر، ليساعد على إنجاح المرشح الجمهوري جورج بوش المعادي للبيئة. ويتضاعف أسفي لأن رالف نادر الذي ارتكب هذه الحماقة التي لا تغتفر، من أصل عربي لبناني. فإلى متى يبقى العربي في كل مكان يحمل دائماً لقباً ثانياً ثابتاً هو "تأبط شراً"؟! * كاتب مغربي مقيم في فرنسا.