تحفل وسائل النقل من سيارات وباصات وسواها في سورية ب"موزاييك" غريب عجيب من الزينة والزخرفة. فنرى السائق يحيط نفسه بخليط غير متجانس من الأنتيكات، والصور، والزهور، والحكم والمأثورات الشعبية، إضافة الى "كراكيب" متفرقة تجعل السيارة تبدو أشبه بمتحف غريب متنقل: أساور وعقود تهتز مع اهتزازات الباص محدثة نوعاً من الموسيقى المستمرة، صور لفنانين وفنانات، سجّاد، مصابيح ملونة، مزهريات، مسابح، مناظر طبيعية... علاوة على إبريق الشاي وقاعدته الخشب والكؤوس. وعبر الزمن ينشأ نوع من الألفة بين السائق وسيارته، فتصبح ركناً أساسياً في حياته، وربما المكان الوحيد الذي يعبّر فيه عن ذاته، ومكنوناته ورؤيته الى الحياة، وخبرته وذوقه ونظرته الى الجمال. وغالباً ما تتساوى السيارة مع الحبيبة أو العروس، فنرى خلف السيارة عبارة مثل حبيبة فلان، أو عروسة فلان، أو أميرة فلان. ويلتقط السائق صورة تذكارية له قرب "عروسته" ويعلّقها في السيارة. ويهتم السائق اكثر ما يهتم بالحكم التي تلخّص تجاربه الحلوة والمرّة نتيجة احتكاكه بالناس، ومعاشرته صنوفاً منهم. فنقرأ أبيات شعر وحكماً، تنضح بالموعظة والنصيحة، وغالباً ما تتناول موضوعة خيانة الصديق، وغدر الزمان، وكيد الحاسدين، وخلوّ الدنيا من الصالحين: عاشر السبع ولو أكلك ولا تعاشر النذل ولو حملك. واحذر عدوّك مرة وصديقك ألف مرة، ربما ينقلب الصديق عدواً فيكون أعلم بالمضرّة، ولله درّ الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله، وإن أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت اكرمت اللئيم تمرّدا، من راقب الناس مات همّاً، إرضاء الناس غاية لا تدرك، اتّق شرّ من أحسنت إليه... أما تقسيم الأرزاق فهو على الله، والقناعة كنز لا يفنى، ونقرأ: لا تكن للعيش مجروح الفؤاد إنما الرزق على ربّ العباد. ولدرء الإصابة بالعين وتجنّب الحسد عبارات خاصة مثل: يا داخل هذا المكان صلّ على النبي العدنان، وكرمال النبي صلِّ على النبي، محروسة بحمى الرحمن، سيري فعين الله ترعاك، راجعة بإذن الله. ولا يخلو الأمر من بعض الأحجبة والتمائم مثل كفّ أزرق وعين وحدوة وحذاء طفل. وللحبّ والعشق نصيب. فنرى مقاطع من اغنيات عاطفية معروفة: حاول تفتكرني، أحبك لوحدك، أنت عمري، القلب يعشق كل جميل، والنبي تبسّم. ولاستجلاب الرضا نقرأ: رضاك يا أمي، يا رضا الله ورضا الوالدين... وهذه الظاهرة، تزيين الباصات، ما زالت منتشرة وخصوصاً في السيارات القديمة التي تجوب الشوارع في المدن والقرى. وهي بدأت بالانحسار في السيارات الحديثة، لتحلّ محلّها أشكال أخرى من وحي "الحداثة" مثل أسطوانة سي. دي مثقوبة ومعلقة، ألعاب بأضواء ليزر، عبارات ومقاطع من أغان غربية، نجوم و"أعلام" من عالم الكرتون مثل البوكيمون، تويتي... ومع ما تبدو عليه هذه الظاهرة من بساطة ومباشرة، فإنها تشي بالكثير مما يعتمل في مجتمعنا، في طريقة تفكيره، وسبل تعبيره عن ذوقه وأفكاره، وحتى عن انتماءاته المذهبية والإثنية.