أنهى وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين جولته على لبنان وسورية، نهاية الأسبوع الماضي، بانطباع يغلفه المزيد من التشاؤم بإمكان تفاقم الوضع في الشرق الأوسط. وهو يرى أن سعي فرنسا وأوروبا الى وقف التصعيد و"العنف" يصطدم بجدار من العقبات، ولا يستبعد ضربات اسرائيلية جديدة تستهدف مواقع سورية. رغب الوزير الفرنسي في زيارة سورية التي يعتبرها دولة مهمة في اطار عملية السلام، والتعرف الى رئيسها الشاب وأفكاره. كانت انطباعاته ان الرئيس بشار الأسد منفتح وعازم على تحديث بلده على الصعيد الاقتصادي والاصلاحي، وعبر الوزير الفرنسي عن رغبة بلاده في المساعدة في هذه المهمة. أما بالنسبة الى السياسة السورية الخارجية والاقليمية فلم يلمس فيدرين أي تغيير في الخط الذي انتهجه الرئيس الراحل حافظ الأسد، على صعيد المسار السوري - الاسرائيلي أو العلاقة السورية - اللبنانية. ورغب الوزير الفرنسي في طرح سؤال على الرئيس بشار الأسد عن رأيه في النقاش الدائر في لبنان حول الوجود السوري، فرد الأسد بأن هذه مسألة تعود الى المسؤولين في البلدين، وتناقش بصورة طبيعية بين الرئيسين اللبناني والسوري، مشيراً الى أن الأمور جيدة على هذا الصعيد. وتابع الرئيس السوري ان العلاقات بين البلدين خاضعة لتاريخهما وجيرتهما، وينبغي ألا يكون هناك أي تدخل في النقاش الذي يدور في لبنان. وأكد لفيدرين ان سورية تحترم العلاقات "من دولة الى دولة"، لكنه أضاف ان ليس لدى اللبنانيين شعور الانتماء الى دولة فينزعجون عندما يمر النقاش عبر الرئيس. ونبه الى أن نظرة بعضهم للعلاقة بين الدولتين تتسم أحياناً بالطائفية وينبغي أن تتحول الى نظرة حديثة. اقليمياً، كان انطباع الوزير الفرنسي، بحسب مصادر مطلعة، ان السياسة السورية مستمرة على النهج والشروط التي وضعها الرئيس حافظ الأسد. فسورية لها شروطها المعروفة لمعاودة المفاوضات مع اسرائيل، وهي ليست مستعجلة وتتكيف مع جمود المسيرة السلمية نتيجة سياسة ارييل شارون في الأراضي الفلسطينية. ولم يلمس فيدرين قلقاً لدى الجانب السوري حيال مسألة معاودة المفاوضات مع اسرائيل، في حين لمس لدى الجانب اللبناني قلقاً واسعاً من جمود عملية السلام وسياسة شارون. بالنسبة الى احتمال تنفيذ "حزب الله" عمليات جديدة ضد اسرائيل، كان رد الجانب السوري ان الحزب مستقل لا يأخذ توجيهاته من دمشق، لكن وزير الخارجية السوري فاروق الشرع اعلن في مؤتمره الصحافي مع فيدرين ان بلاده ستقرر الرد على الضربة الاسرائيلية لموقع الرادار في لبنان في الوقت المناسب، من دون خرق القانون الدولي. وعندما تطرّق مع الرئيس اميل لحود الى موضوع نشر الجيش اللبناني في الجنوب شدد فيدرين على ان فرنسا والامم المتحدة ترى ان نشر الجيش في الجنوب يفرض نفسه بعد الانسحاب الاسرائيلي، وذلك من اجل الحصول على مساعدة الاسرة الدولية للبنان كي يستعيد دوره الكامل. واكد المسؤولون اللبنانيون وفي مقدمهم لحود ان ذلك غير ممكن لان نشر الجيش على خط الفصل يعني تكريس خط الفصل مع الاسرائيليين، الذي لم يعترف به لبنان وقدم وثائق على الخط الفاصل الحقيقي. لكن الاسرة الدولية، بحسب المصادر المطلعة، لا تطلب من لبنان نشر جيشه على خط الفصل بل عودة السلطة اللبنانية الى الجنوب. وكان انطباع الوزير الفرنسي ان المسؤولين اللبنانيين لا يربطون بين العامل الامني والاوضاع الخطرة والحل للمشاكل الاقتصادية التي يواجهها لبنان. وعندما دان لحود قصف اسرائيل موقع الرادار السوري في ضهر البيدر قال فيدرين، بحسب مصادر مطلعة، ان شارون أراد تذكير العالم بأن الجيش السوري ما زال موجوداً في لبنان وان ليس هناك مبرر لبقائه فيه، فردّ الرئيس اللبناني بأنها مسألة تخصّ لبنان ولا تعني اسرائيل. فيدرين غادر المنطقة متشائماً بإمكان وقف التصعيد وتفاقم الاوضاع، وهو يرى ان سياسة شارون ازاء الاراضي الفلسطينية والتي ينتقدها تحظى بتأييد كبير من الرأي العام الاسرائيلي الذي تشدد واصبح مقتنعاً بأن الرئيس ياسر عرفات "لا يريد السلام". ويتوقع فيدرين تشدداً اكبر من شارون طالما الرأي العام يؤيده، ويخشى مزيداً من القمع للفلسطينيين، كما لا يستبعد ضربات اسرائيلية جديدة تستهدف مواقع سورية.