عندما ترى شبيبة بريطانيا في الشوارع يمكنك ان تعتقد انها الأكثر حرية في العالم من حيث التنوع في اختيار الملبس والتعبير عن الذات من خلاله. لكن الواقع ان الأزياء المفضلة محكومة الى حد كبير بعناصر عديدة، من بينها تأثير ثقافة الأميركيين السود على الأذواق وقدرات شركات صنع الملابس على التسويق وفرض الموضات. المثال على ذلك أن بنطلونات الجينز، بعدما فقدت شعبيتها قبل مدة، تعود الآن الى الواجهة بفضل الحملة الاعلانية القوية الموجهة الى الشبيبة التي قامت بها شركة ليفاي لصالح الجينز "المفتول" الجديد. تختلف بريطانيا عن الكثير من البلدان الاخرى بافتقارها الى زي وطني تقليدي، على رغم ان الرجال في اسكتلندا لا يزالون يفتخرون بلبس ال"كيلت"، اي التنورة الرجالية الشهيرة. مع ذلك فان طراز اللبس في بريطانيا لا يزال يشكل مؤشراً مهما على العمر والطبقة الاجتماعية والمدخول والتصور للذات. أي ان ما يلبسه الشاب أو الشابة في المدرسة أو الجامعة أو لدى الخروج لملاقاة الاصحاب أو في المناسبات الاجتماعية يعبر الى حد كبير عن الفئة الاجتماعية او الطبقة التي يريد الشخص التماهي معها. وتحاول وسائل الاعلام فرز "القبائل" المختلفة التي تنقسم اليها الشبيبة حسب ذوقها في اللبس وموسيقى البوب. وتتغير هذه "القبائل" باستمرار، فيما تبرز على المشهد دوماً قبائل جديدة. وعددت صحيفة "غارديان" أخيراً ستاً من هذه المجموعات. ووصف التقرير الصبي اللندني هكتور كومبز 14 سنة بأنه نموذج لقبيلة ال"سكيترز"، التي تستعمل الواح التزلج للتنقل وتلبس الجينز الفضفاض وال"تي شيرت" مع حذاء رياضة كبير، وتفضل فرقا موسيقية مثل "ديفتونز" و"ليمب بيزكيت". القبيلة الكبرى المنافسة للسكيترز، حسب تعريف كومبز لها، هي "رود بويز" أي "الأولاد بلا تهذيب"، التي تميل الى أزياء الرياضة وتفضل موسيقى ال"راب" و"درام أند باس" و"الكراج". هناك أيضاً "قبيلة" ال"روكرز"، التي يصبغ افرادها شعرهم بالوان فاقعة ويفتلونه ليشبه القرون الصغيرة. الفرقة الموسيقية التي يتبعها هؤلاء هي "اوفسبرنغ" والفرق المشابهة. هذا الاهتمام بالموضة وماركات الملابس يمتد الى الأطفال، ويضغط الكثيرون منهم على أهلهم لشراء زي معين أو نوع معين من احذية الرياضة. وهناك بعض القلق من حداثة سن الفتيات بعضهن لا يتعدين السابعة أو الثامنة اللواتي يلاحقن الموضة ويلبسن الأحذية ذات الكعب العالي ويستعملن مستحضرات التجميل. وابتكرت وسائل الاعلام لهؤلاء اسم "توين ايجرز"، أي الاطفال في المرحلة ما بين الطفولة والمراهقة. النموذج الذي تحاول الكثيرات من هؤلاء الاقتداء به هو المغنية الأميركية برتني سبيرز. الفروق الاجتماعية والطبقية تبدو في شكل واضح في الزي الذي تفرضه المدارس على التلامذة، خصوصاً المدارس الخاصة. وكان قصر بكنغهام أصدر في حزيران يونيو الماضي صوراً وفيلماً للأمير وليام، نجل ولي العهد الأمير تشارلز، بمناسبة عيد ميلاده ال18 . وتم التصوير في كلية ايتون الارستقراطية الشهيرة حيث يدرس، وأثار زيه المدرسي الكثير من الاهتمام والتعليق. يتكون زي طلاب ايتون من بنطلون مخطط ومعطف "فراك" طويل الذيل مع قميص أبيض بياقة عالية. وأظهرت الصور أن الأمير يلبس تحت المعطف صديريات زاهية الألوان، من بينها واحدة تحمل شكل العلم البريطاني، وهي تشير الى انتمائه الى جمعية متميزة تضم مراقبي الصفوف في الكلية وتعرف باسم "بوب" لا علاقة لها بموسيقى البوب. وقال الأمير في مقابلة صحافية انه يرتاح تماما الى زي الكلية، خصوصا الياقة العالية والصديرية. وتعتبر ايتون وغيرها من المدارس الداخلية الخاصة - مثل كليتي هارو وونشستر - من معاقل التمايز الطبقي في بريطانيا، وتبلغ كلفة الدارسة فيها نحو 15 ألف جنيه استرليني سنوياً. ولكل من الكليات زيها الخاص، من بين ذلك قبعة القش المعروفة باسم "بوتر" التي يلبسها تلامذة كلية هارو. لكن الكثير من المدارس الحكومية يفرض أيضا على الطلبة زياً خاصاً، يتكون عادة من معطف بلون متميز ورباط عنق يحمل رمزا معينا. ويدور النقاش منذ زمن طويل على الحاجة لهذا الفرض. ويقول المؤيدون انه يشجع على الانضباط وينمي روح الجماعة. ويشيرون الى ان السماح بحرية الملبس يؤدي الى تمييز ضد التلامذة الفقراء، اذ لن يستطيعوا مجاراة زملائهم الاغنياء في جودة الملبس ومتابعة الموضة. وعلى رغم توحيد الزي يحاول كثيرون من التلامذة تحويره ما امكن ليعبر عن الشخصية - خصوصاً التلميذات اللواتي يقصرن التنورة. وفي احيان كثيرة يعترض المدرسون على طريقة لبس التلامذة، وعلى استعمال مستحضرات التجميل والحلي وما شابه. لبعض الجامعات، خصوصاً القديمة منها، متطلباتها الخاصة من حيث الزي. مثلاً تفرض جامعة اكسفورد على الطلبة لبس الرداء الجامعي الأسود أثناء الامتحان أو أثناء حضور العشاء الرسمي في كلياتهم. طراز اللباس التقليدي لا يزال مهماً، خصوصاً في المناسبات الرسمية، وينظر الى مخالفة التقاليد في هذا المجال على انها نوع من قلة الأدب أو الجهل بالأصول الاجتماعية. وتلتزم حتى الاجيال الجديدة الطراز التقليدي المطلوب في المناسبات المهمة، لكن مفهومها له اكثر مرونة من مفهوم جيل الأبوين. ويستفسر العرب المقيمون في بريطانيا احياناً من اصدقائهم الانكليز عن الطراز المطلوب عندما يتلقون دعوة الى مناسبة رسمية تنص على لبس "ربطة العنق السوداء" أي بذلة مسائية مع بابيون أسود، أو "بذلة الصباح" بذلة رسمية نهارية، أو "ربطة العنق البيضاء" أو "بذلة السهرة". عندما يذهب الشباب الى العمل عليهم اختيار الملبس الذي يعطي أفضل انطباع ممكن عن انفسهم، خصوصاً في مهن مثل المحاماة أو العمل في البنوك. وتحمل وسائل الاعلام الكثير من النصائح عن اللباس الأنسب للمقابلات من اجل الحصول على عمل، وتشير الى ان عليهم ان "يلبسوا للنجاح". ولا تزال غالبية الاعمال المكتبية تتطلب لبس البدلة. لكن الكثير من الشركات الجديدة، خصوصا في مجالات ابداعية مثل الانترنت، تترك للموظفين الشباب حرية اكبر في اللبس. واذا كانت بريطانيا تفتقر الى زي وطني موحد فإن اسكتلندا تشتهر بال"كيلت"، اي التنورة الرجالية من الصوف المخطط. ويفخر الاسكتلنديون في انحاء العالم بارتداء هذا الزي في المناسبات المتميزة مثل الاعراس والاعياد. وتزداد شعبية الزي، حتى بين الشباب، بفضل تنامي الشعور القومي الاسكتلندي وحصول البلد على برلمانه الخاص. ويعرف مشجعو كرة القدم الاسكتلنديون باسم "جيش التارتان"، نسبة الى الصوف المخطط الذي تمتاز به اسكتلندا، ويسيرون في مواكب بهيجة بالتنورات والبنطلونات والقبعات المختلفة الألوان المصنوعة منه. ويبدأ الأمير وليام هذا الخريف دراسة تاريخ الفن في جامعة سانت اندروز العريقة في اسكتلندا. ويتوقع ان شعبيته، خصوصاً بين الشابات، ستجيء بالمزيد من الشهرة للزي التقليدي هناك. اخيراً هناك ارلندا الشمالية، حيث تؤدي الخلافات المستمرة بين الكاثوليك والبروتستانت الى استمرار اهمية الزي التقليدي لكل من الطرفين في المناسبات الرمزية والتاريخية. من بين هذه المسيرات السنوية تلك التي يقوم بها "الموالون"، اي البروتستانت الموالون للتاج البريطاني، الذين يلبسون ازياءهم التقليدية وتتقدمهم الفرق الموسيقية بالنايات والطبول.