ثمة وجه مضيء من الأزمة المالية. فهي تتهدد الأميركيين بالعجز عن شراء الملابس الجديدة. وأرجو أن تحمل الأزمة الأميركيين على الإقلاع عن ارتداء الجينز بنطلون (سروال) المصنوع من قماش دنيم القطني. والبنطلون هذا لا يناسب من يمضي نهاره في العمل يضغط على مفاتيح الكومبيوتر، عوض الاعتناء بالأبقار، ولا يليق الا بأصحاب الأجسام النحيلة والممشوقة القامة. وعلى رغم مساوئها الكثيرة، انتخب اكثر الناس سمنة في العالم الجينز زياً رسمياً لهم. والحق أن اعادة النظر في عادة ارتداء الجينز باتت ملحة. فهو من أركان الموضة المعاصرة ونازعها الى توحيد الأزياء، والى ترويج الملابس الرثة أزياءً تناسب المناسبات الاجتماعية كلها. وعلى رغم براءة مظهر الجينز – الدنيم، أسهم هذا النوع من السراويل في تقويض التجانس القومي. وسروال الدنيم هو مرآة شعورنا بالتوق الى العودة الى ماضينا الزراعي وأذواقنا الفلاحية. وهذه المشاعر هي وراء انتشار المنازل غير المدينية الطابع التي توصف بمنازل «ماك مانشون»، نسبة الى مطاعم الأطعمة السريعة «ماك دونالدز»، وفي إشارة الى طراز هندستها الشائع والتافه. وأسهم انتشار هذه المنازل، وقروضها ورهونها المسمومة، في انهيار النظام المالي العام. ولا شك في أن هذا السروال المصمم تصميماً دقيقاً والمغسول غسلاً مسبقاً، والمعالج بالحامض ليبدو قذراً، هو زي قبيح. وهو صنو سترة ماو، يرفع لواء اجماعنا على صفائنا ونوايانا الحسنة. وفي وقت مضى، لم يكن الجينز زياً شائعاً يرتديه الناس كلهم. وفي الخمسينات، مُنع المغني والممثل بينغ كوسبي من دخول فندق بلوس أنجيليس جراء ارتدائه الجينز. فخاط له ليفي شتراوس بزة توكسيدو من قماش الجينز ليرتديها في المناسبات. ويومها، كان الجينز رمز العنفوان الشبابي وثورته. ولبس مارلون براندو وجايمس دين هذا النوع من السراويل. وانصاع الفيس بريسلي لموضة الجينز على مضض. فهو امتنع في وقت أول عن ارتدائه، وهو رمز الفقر الريفي في أوساط أبناء الجنوب الأميركي. ويبدو، اليوم، أن الأميركيين كلهم، من مختلف الأعمار، هم ثوار. ويرتدي أصحاب البلايين، من أمثال ستيف جوبس، الجينز الأزرق، وقميصاً سوداء اللون ضيقة الرقبة، في حفل اطلاق منتجات شركة الكمبيوتر «أبل» الجديدة. ولا يسع مؤرخي الموضة اغفال دراسة الجينز. وترى أليسون لوري في كتابها «لغة الملابس» أن أكثرها (الملابس)، وتوابعها، رواجاً هي تلك التي صممت ابتداءً لباساً حربياً، أو لأداء المهمات الشاقة والرياضات المتعبة. وأرجو أن ترى ادارة باراك أوباما أن الجينز هو مصدر ربح وفير يسد عجز الموازنة المالية، وأن تفرض عليه رسوماً ضريبية عالية. فمثل هذه الضريبة هي نموذج الأبوية (البطركية) اللينة. * كاتب، عن «وول ستريت جورنال» الأميركية، 20/3/2009، إعداد منال نحاس