مهرجان "الفن للجميع" مهرجان أول من نوعه، أطلقته "مؤسسة المنصورية للثقافة والإبداع" في عاصمة الفن التشكيلي السعودي جدة، وهيأت له قبل أكثر من عام ويشارك فيه واحد وعشرون فناناً من الرواد والمخضرمين والمحدثين. وقد استقبلت ذخائرهم ذات القياس الصغير الصالات الأساسية الأربع الكبرى وهي: محترف جدة وصالة أرابسك وغاليري العالمية، وغاليري رضا. وبدا الوسط الفني والذواقة ينتظرون عروضه بلهفة وبعضها من أفضل ما أنتج الفنانون طه صبان ويوسف جاها وشادية عالم ومهدي الجريبي وزمان الجاسم. تكشف صيغة الدعوة التي وجهتها المؤسسة الى الفنانين المنظور "الاستراتيجي" الذي يصبو اليه هذا للمشروع تحقيق "مبدأ الفن الراقي" "من خلال وضعه بمتناول من يتذوقه عموماً والجيل الناشئ خصوصاً"، لا سيما أن الدراسات الميدانية المتأنية التي أجرتها عناصر المؤسسة بين شرائح متباينة من المتذوقين أثبتت وجود "فجوة "اقتناء" ما بين "المتلقي الناشئ خصوصاً ولوحات رموز الفن السعودي". تُرجع الدراسة السبب الى غياب قنوات "التوعية الاعلامية والتربوية" بسبب "انفصال الفن عن جمهور الناشئة"، وذلك يرجع الى أسعار الأعمال الفنية غير المتوافرة بالنسبة الى اصحاب الدخل المحدود. وغالبيتهم من الشباب المتوقد وجدانياً للتوحد مع العمل الفني والذي يتمتع بذائقة وحساسية. لا شك في أن لجنة التحكيم كا نت حريصة على ألا تكون الأعمال معروضة سابقاً في المملكة، أو أن تكون في مستوى أقل من مألوف عادة عند الفنان. وذلك لأن "المعرض - المهرجان" هو فرصة أو ذريعة لإعادة التواصل بين ذوي الدخل المحدود من الناشئة على الأخص والتجارب التشكيلية المحدثة، يقتضي هذا التقارب التوفيقي تسوية نسبية لتخفيف أعباء الأسعار الملتهبة، وذلك من طريق تواضع قياس العمل الفني وتجنب رفع التكاليف بالاطارات الزاهية وسواها. الفن والنخبة لعله من الاجحاف بمكان احتكار النخبة الاقتصادية للفن النخبوي أي غير الاستهلاكي أو المبتذل. قاد هذا الالتباس المزمن بعد التحرر الطبقي في أوروبا الى اعتماد صيغة "كتاب الجيب" تعويضاً عن غلاء الكتب الزاهية، والاستعانة ب"الاسطوانة" وشريط التسجيل بديلاً عن حفلات الباليه والفيلهارموني والأوبرا، بل ولعل أبرز أسباب انتشار أنماط الحفر والطباعة و"البورتفوليو" هو تناقض ثمن اللوحة الباهظ مع القدرة الشرائية للعامة. تقترح "المنصورية" بدورها ضماداً توفيقياً يعيد التحام المتلقي خصوصاً من الشباب بالمنتج الابداعي المحلي، وذلك من دون تضحية كبيرة بنواظم تسعيرة الفنان، وإنما باعتماد القياس الصغير أو المتواضع نسبياً، وتجنب ترف بعض المواد مثل الاطارات وسواها. لا يعكس تواضع القيمة النقدية في هذه الحال تواضع القيمة الابداعية. بدليل أن بعضهم قدّم أفضل ما عنده، على مثال لوحات جرايبي وصوان وعالم وعاشور وغيرهم. اتجهت المؤسسة منذ البداية الى دعوة فنانين معروفين، طالبة تسليم ما بين عشر لوحات وخمس عشرة لوحة، على أن تخضع لرقابة حازمة من قبل لجنة القبول، تجنباً لأن تكون عُرضت سابقاً في الصالات المحلية، وألا تشكل تراجعاً في المتسوى المألوف للفنان بسبب سلم الأسعار المقترحة بين 500 وألفي ريال سعودي. وأعلنت الأسماء المقبولة كالآتي: رضوي، الصبان، الشيخ، السليمان، حمّاس، سيام، جاها، عالم، رائدة عاشور، مصلي، بوعلي، الجاسم، النغيثر، ضياء عزيز، الطخيس، الزهراني، الجريبي، ملا، يسرى، عبدالعزيز عاشور، فلمبان. لا تقف هذه الدعوة عند مشكلة تواضع القدرة الشرائية لدى بعض شرائح الذواقة، ولكنها تجابه أيضاً أزمة كساد تسويق الفن المعاصر وهي أزمة عالمية وليست محلية فقط. علينا مجابهة هذه المشكلة بشجاعة ومن دون تحرّج. هيأت المؤسسة كراساً كاتالوغاً ملوناً بالغ العناية حول أعمال الفنانين الذين انتخبوا في التصفية النهائية. والأمل أن تتحول التجربة الى مهرجان أو صالون سنوي، يختص بتسويق الأعمال ذات المستوى الحرفي العالي، وذلك على غرار مهرجان سوق "الفياك" العالمي الذي نشهده في باريس كل عام، وتتسابق من خلاله صالات العرض الكبرى على تقديم أفضل فنانيها وأهم تجاربهم. يندمج في هذه الحال المشروع الثقافي بالتسويق، فلا تنفصل صبوة المعيشة عن الهاجس الابداعي، وهو ما يفسّر مساعدة الدولة الفرنسية لمهرجان "الفياك"، ومساعدة المؤسسة للمعرض الرباعي. ولكن ما يخشاه البعض هو أن تدخل صالات العرض في احتكار مضمر، وتشتري بعضاً من الأعمال بأسعارها المتهاودة، لتعيد تسويقها بأسعار أعلى وهكذا.