أعلنت الحكومة البريطانية الاسبوع الماضي تخصيص 71 مليون جنيه لأبحاث الخوف المرضي، أو القلق، ما يسمى بالانكليزية ولغات عدة من أصل لاتيني "فوبيا"، مع العلم أن الكلمة نفسها يونانية وتعني الخوف. قبل ذلك بسبعين سنة أو نحوها كان الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت يقول للاميركيين، وهم يعانون أسوأ انهيار اقتصادي في تاريخ البلاد: "ليس عندنا ما نخاف سوى الخوف نفسه". ومن روزفلت الى الحكومة البريطانية اعتقد انني المقصود بالكلام، فأنا لا أخاف من شيء بعينه، وإنما يقلقني كل شيء، فأنا أقلق لأتفه سبب أو من دون سبب، وأقلق "كواجب" مع غيري، وإذا لم أجد سبباً للقلق يزداد قلقي لأنني أقرر أنه لا بد من أن يكون هناك سبب للقلق لا أعرفه، وأبدأ أتخيل نوع المصائب المقبلة. وإذا حلت في النهاية مصيبة، فإنني أقلق عليها ثم أقلق معها على المصيبة التي لا بد من أن تتبعها. اكتشفت ان ثمة اسماً لحالي الطبية هو "فوبوفوبيا"، أو التخوف من الخوف. وإذا كان القارئ يعتقد انني أبالغ، فأنا أقول انني أصبت بطرف قرحة معوية وأنا في آخر سنوات المراهقة، وقال لي الطبيب ان من الأسباب انني انسان قلق. ولم أحزن فقد وجدت انني من معدن المتنبي الذي قال يوماً: على قلق كأن الريح تحتي أوجهها جنوباً أو شمالا لم أجد اشارة في أبحاث الفوبيا البريطانية الى المتنبي أو اليّ، غير انني وجدت أن من أصل 55 مليون بريطاني هناك ستة ملايين يعانون فوبيا أو أكثر. وأظهرت دراسة ان أول عشرة أسباب للخوف هي، بحسب الانتشار، من العقارب، الأوضاع الاجتماعية، الأماكن المفتوحة، الطيران، الأماكن الضيقة، الأماكن المرتفعة، سرطان، رعد، موت، مرض القلب. وإذا كان ما سبق معروفاً، فإن جمعية الفوبيا الوطنية البريطانية تقول انها سجلت أكثر من 300 فوبيا مختلفة، فهناك أيضاً الخوف من الفئران والعتمة والدود والسكة الحديد، وألوان معينة والكومبيوتر، وأطباء الأسنان، وكثير غيره. كلنا يخاف زيارة طبيب الأسنان، إلا أن المصاب بفوبيا طب الاسنان، قد يفضل ألم الأسنان مهما اشتد على زيارة الطبيب، وإذا أرغم على زيارته قد يمرض، فيصاب بإسهال أو انهيار عصبي. يقول الخبراء ان هناك العلاج النفسي وهو المداواة بالتي كانت هي الداء، فالمرأة التي تخاف فأراً تدرب على ترديد كلمة فأر، ثم على رؤيته حتى يزول الخوف الذي ربما انتقل اليها من أمها التي كانت تخاف الفئران وتصرخ إذا رأتها فانغرس الخوف من الفئران في قلب البنت. غير ان اكثر العلاج هذه الأيام هو بالعقاقير. وقرأت أن هناك فوبيا من الحمل، وهذا مفهوم. فالوضع مؤلم جداً. غير انني قرأت أيضاً ان النساء البريطانيات بدأن يفضلن الولادة القيصرية، وهناك احصاءات تدل على ان الولادة من طريق شق البطن زادت واحد في المئة كل سنة منذ سنة 1988، ووجد الأطباء أن لا سبب طبياً للولادة بهذا الشكل في أكثر الحالات. وكنت خبرت بنفسي مرة فوبيا الأماكن الضيقة، فقد ذهبت وصديق وزوجتانا الى نيويورك، وقررنا يوماً الصعود الى المشعل في تمثال الحرية المشهور. وقطعنا تذاكر وسرنا مع الناس، وكان الطريق داخل التمثال عبارة عن درج معدن ضيق لولبي الشكل، فسار الصديق في المقدمة ووراءه زوجته ثم زوجتي وأنا في النهاية. وبدأ الدرج يضيق فتوقفت زوجة الصديق، ثم أخذت تصرخ وتبكي وقفزت فوق رؤوسنا جميعاً، وهي تهبط هاربة، وحملها الزوار وراءنا على أيديهم حتى وصلت الى حيث بدأنا وهي ترتجف وتبكي. وهي اعتذرت بعد ذلك وقالت انها لم تتصور ان درج الصعود ضيق بهذا الشكل، وتذكرتها وأنا أقرأ التقرير البريطاني عن الفوبيا. فهو قال ان المصاب بخوف مرضي يعرف ان خوفه غير منطقي ومع ذلك يخاف، وكانت الصديقة قالت انها كانت تعرف انه لا يوجد خطر على حياتها ومع ذلك خافت. هناك، في المقابل، ناس يخافون من الأوضاع الاجتماعية، فالواحد من هؤلاء يجد صعوبة في التعامل مع الناس الآخرين، وربما لزم الصمت تماماً في حضور غرباء، وبعضهم يعاني الى درجة ان يفضل عدم ترك بيته. والتزام البيت هو أيضاً نتيجة فوبيا الخوف من الأماكن المفتوحة، فهذا مرض شائع على رغم ما يبدو من غرابة أن يخاف انسان عادي حقلاً، أو ملعب كرة. شخصياً، أرجو ألا أقابل شخصاً يعاني فوبيا الماء، فهذا أيضاً مرض شائع. وبما انني والقارئ نعاني فوبيا الروائح الكريهة، فإننا نفضل عدم مقابلة انسان لم يستحم منذ هبوط نيل أرمسترونغ على سطح القمر. غير انني هنا في خدمة القارئ العربي، وأريد أن أختتم بشيء مفيد، فقد فككت لغز أكثر الأمراض العربية انتشاراً عندما اكتشفت اسم مرض العرب جميعاً، وهو الودوكسوفوبيا Allodoxophobia، أو الخوف من إبداء رأي، وما على القارئ بعد هذا إلا أن يذهب الى أقرب طبيب نفسي أجنبي ليطلب العلاج. أما أنا فوجدت انني أقرأ فأقلق، وقررت أن أتوقف عن القراءة.