هل النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية من الرجال؟ نعم. وهل النساء في الدول النامية أكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية مقارنة بنساء الدول المتقدمة؟ نعم. منظمة الصحة العالمية خصصت هذا العام عاماً للصحة النفسية. و"الحياة" تتطرق إلى صحة المرأة النفسية، باعتبارها حلقة في سلسلة، فصحتها النفسية تساعد على تحقيق الصحة النفسية للمحيطين بها، من ابناء، وأزواج، وزملاء عمل. الدراسات والأبحاث تؤكد أن معدلات إصابة المرأة أو تعرضها للاكتئاب، والقلق، والتوتر النفسي، والعنف الجنسي والمنزلي، أعلى بكثير من الرجال. ومن العوامل المساعدة في ذلك الأدوار المتزايدة والمتشابكة التي تقوم بها المرأة في المجتمع. لكن المشكلة في مجتمعاتنا العربية تكمن في أن الأمراض النفسية والعصبية لا تلقى الاهتمام المطلوب أصلاً. دراسة البنك الدولي وجرت العادة أن يرتبط اسم المرأة بقضايا الصحة وبرامجها في دولنا بالصحة الإنجابية، على رغم أن دراسة أجراها البنك الدولي على نساء الدول النامية أكدت أن الاختلالات الناجمة من الاكتئاب تتسبب في 30 في المئة من الإعاقات الناجمة من الأمراض النفسية بين نساء الدول النامية، مقارنة ب 6،12 في المئة فقط للرجال. وهناك عدد من العوامل تشير إليها منظمة الصحة العالمية باعتبارها من أسباب الفروق بين الجنسين في نوعية الأمراض النفسية التي تصيبهما، مثل الاختلاف في طرق طلب المساعدة أو المعونة في الأزمات النفسية، الفروق البيولوجية، والأسباب الاجتماعية. وهذه الأخيرة تحملها المنظمة المسؤولية الأكبر. فالنساء اللواتي يعشن في ظروف اجتماعية وبيئية فقيرة، إضافة إلى الأمية أو القسط المتواضع من التعليم، والدخل المنخفض، والظروف الأسرية الصعبة أكثر عرضة للإصابة بالاختلالات النفسية. وإذا أضفنا إلى ذلك تعرّض المرأة الى العنف الجنسي والجسدي تكون الدائرة اكتملت وأهّلت المرأة لتكون حاملة لقب ال"مريضة نفسياً". وفي مجتمعاتنا، كثيراً ما تتعرض المرأة للإساءة البدنية أو اللفظية في بيتها تحت شعار "التهذيب والتأديب"، سواء على يدِ الأب، أو الزوج، أو الشقيق، أو أيٍّ من أقارب الأسرة من الرجال. وكثيرات يعتبرن "التهذيب والتأديب" واقعاً لا بد منه، والواقع أيضاً يؤكد أن تلك النساء - أو على الأقل نسبة كبيرة منهن - يعانين أمراضاًَ واختلالات نفسية. نوعان من العنف وهناك نوعان من العنف الجنسي: الاغتصاب والدعارة الإجبارية. ومعروف أن الاغتصاب موجود في جميع أنحاء العالم، لكنه أكثر انتشاراً في المجتمعات التي تعاني انهياراً اجتماعياً أو عنفاً سياسياً أو الاثنين. تشير الإحصاءات أن واحدة بين كل خمس إلى سبع نساء في الولاياتالمتحدة الاميركية ضحية اغتصاب أو محاولة اغتصاب. والعواقب النفسية المترتبة على الاغتصاب كثيرة ومعروفة، وتضاف إليها في المجتمعات الشرقية مثلاً أعباء المعتقدات الثقافية التي توازي كرامة المرأة بعذريتها. وبدلاً من إمداد ضحية الاغتصاب بالمساعدة والمشورة والمساندة، تجبر على الزواج من مغتصبها في محاولة للتغلب على وصمة فقدانها عذريتها، وأخريات يتحولن إلى الدعارة أو ينتحرن هرباً من الوصمة، في حين يتبرع أفراد من الأسرة للقيام بمهمة القتل. أما الدعارة الإجبارية، وهي التي تنقل فيها النساء إلى أماكن بعيدة لممارسة الدعارة قصراً، فيتعرضن لإساءات جسدية ونفسية وجنسية لا أول لها ولا آخر. ونعود إلى مجتمعاتنا الشرقية حيث القيود الثقافية العاتية تمنع المرأة من رفض ممارسة الجنس مع زوجها. كما أن الزوج هو صاحب القرار في قبول أو رفض وضع "الواقي"، وبذلك تفقد الزوجة السيطرة تماماً على صحتها الجنسية، والإنجابية، فضلاً عن تعرضها للإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً. وإذا كان الإعلام وسيلة فاعلة للتعليم ونشر الوعي وتصحيح المعتقدات، فهو أيضاً وسيلة فاعلة لبث المعتقدات الخاطئة والأفكار الاجتماعية المغلوطة، وهذا تحديداً ما فعله الإعلام بترويجه الدائم للعنف والأنماط المكررة للمرأة، هذا المخلوق الضعيف المثير. منظمة الصحة العالمية وجهت دعوة للإعلام ليكون من العوامل المؤثرة إيجاباً في صحة المرأة النفسية، وذلك من طريق تغيير الأنماط الاجتماعية والاقتصادية والثقافية السلبية التي تجعل من المرأة نموذجاً للضعف ومصدراً للإثارة. وقد تكون هذه هي نقطة البداية لتسليط الضوء على صحة المرأة النفسية التي لا تقل أهمية عن صحتها الإنجابية.