السلاح في اليمن جزء من الشخصية الوطنية ويرتبط بالتراث والتقاليد والعادات أكثر من كونه وسيلة متعارف عليها للعنف والقتل ولا يستخدم إلا للضرورة القصوى في حالات الدفاع عن النفس أو حماية القبيلة والشرف ورد العدوان. وفي أوقات كثيرة يضطر الشباب اليمني الى حمل السلاح حتى لو كان جامعياً أو تلقى تعليمه العالي في الخارج لأن السلاح من شروط الرجولة، حتى أن العريس مهما كان انتماؤه الجغرافي يحمل بندقيته الآلية وسيفه الأصفر اللامع معه وقت الزفة مع بعض أوراق الريحان فوق رأسه. وفي الأعياد والمناسبات العامة والشخصية يعتبر السلاح وسيلة التعبير عن الفرح أو الغضب فيطلق الرصاص لاستقبال الضيف العزيز أو خلال العرس وكذلك وقت الاستنفار أو الاغارة. ومن لوازم التربية والتنشئة تعليم الفتيان والفتيات الرماية السليمة من فوق قمة جبل والتدريب على استخدام أنواع الأسلحة كافة وفي مختلف الظروف. والسلاح في اليمن كالماء والهواء، وعدد قطعه يفوق السكان بخمسة أضعاف. والقطعة هنا لا تعني المسدس أو البندقية الكلاشنيكوف فقط بل أيضاً القنبلة واللغم والمدفع الرشاش والمدافع المضادة للطائرات وقذائف آر بي جي. وهي تباع وتشترى تحت الشمس في أسواق عدة أكبرها يبعد عن العاصمة نحو 40 كيلومتراً في منطقة جحانة وأشهرها كذلك في سوق الطلح الذي يبعد من مدينة صعدة القريبة التي تبعد من الحدود مع السعودية نحو 20 كليومتراً. 50 مليون قطعة ويقول احمد الحرازي - طالب جامعي - ان عوامل كثيرة أسهمت في انتشار السلاح في أيدي اليمنيين أبرزها الحروب التي شهدتها البلاد في العقود الأربعة الأخيرة بداية من حرب الملكيين والجمهوريين التي أعقبت ثورة 26 سبتمبر أيلول ومروراً بحرب تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني وحروب شطري اليمن سابقاً وحرب المنطقة الوسطى التي شنتها جبهات ماركسية على الحكم في صنعاء وانتهاء بحرب صيف عام 1994. وفي معظم هذه الحروب شارك آلاف من المتطوعين الذين احتفظوا في ما بعد بسلاحهم وربما بسلاح عدوهم أيضاً. وتقدر احصائات، بعضها رسمي، عدد قطع السلاح المتداولة في اليمن بين 50 و70 مليون قطعة: وتغذي عمليات التهريب تجارة السلاح سنوياً بكل جديد ومن طريقها خصوصاً عبر البحر الأحمر وقوارب قادمة من الصومال وأثيوبيا تدخل باستمرار أنواعاً جديدة وحديثة من الأسلحة الشخصية وبخاصة الروسية والأميركية الصنع. والسلاح بالنسبة الى الشباب اليمني مصدر فخر واعتزاز، وعندما يعترف انسان بخطأ ما يلقي سلاحه تعبيراً عن تسليمه بالحكم الذي سيصدره شيخ القبيلة في شكل عرفي. ويوضع السلاح الصغير كالمسدس غالباً بين الثياب وفي منطقة الخصر أما البندقية الآلية أو الكلاشنيكوف فيحمل فوق الكتف دائماً. غابة أسلحة في جولة سريعة في سوق السلاح يمكنك ان تشاهد غابة من الأسلحة المتنوعة تصطف في الدكاكين والأكشاك بجانب بعضها البعض. طريقة العرض قد تكون عشوائية فالقنابل والألغام مرصوصة فوق بعضها على الأرض أو فوق خشبات ترتفع قليلاً والمسدسات والذخائر وكل القطع الصغيرة مصفوفة في أدراج على جوانبه أما القطع الكبيرة كالمدافع الرشاشة فتعرض أمام المحل. وبعض الأسلحة موضوعة في النصف الخلفي من سيارات نصف نقل وقد ظهر لمعانها في ضوء الشمس. والبائع أحياناً يكون صبياً صغيراً يتحرك بصعوبة وسط ترسانة الأسلحة عارضاً عليك الأسعار ويفاوضك ويؤكد لك امكان تجريب البضاعة بطلقة في الهواء الطلق بل ويعرض عليك ان يوصل السلاح الى أي مكان تريده. معرض عالمي وفي أسواق السلاح تشعر أنك في معرض عالمي متنوع. فهذه أسلحة جديدة ومستعملة، وهذه أسلحة صينية وتشيكية وأوكرانية وصربية وبريطانية وأميركية وبرازيلية وفرنسية واسبانية وكورية ومصرية وعراقية اضافة الى السلاح الإسرائيلي وبخاصة البندقية "عوزي" سريعة الطلقات. ويلقى السلاح الروسي كما يؤكد عبدالرحمن العزي - بائع سلاح - رواجاً كبيراً لدى الشباب اليمني لخبرة اليمنيين به خلال سنوات طويلة ورخص أسعاره مقارنة بالأسلحة الأميركية والغربية اذ لا يتجاوز سعر أفضل مسدس روسي 65 الف ريال "حوالى 400 دولار" وفي المقابل لا يقل سعر أي مسدس أميركي عن 800 دولار. وبعض الشباب في المناطق النائية يفضلون الجرمل الألماني وسلاح آخر يطلق عليه "الكندا" إضافة الى المسدس التقليدي الذي يبدأ سعره من 8 آلاف ريال ويصل الى 70 الف ريال. ويفسر العزي هذا الاختيار بأن بعض الأسلحة تناسب المناطق المفتوحة وتكون بعيدة المدى لضمان اصابة الهدف بدقة. ويسعى الشباب الأثرياء الى اقتناء كلاشنيكوف رقم 11 الروسي الأصلي والذي يصل سعره الى 80 الف ريال. ظاهرة غير مستحبة وعلى الجانب الآخر تتضح صورة سلبية لحمل السلاح جعلت الدولة والحكومة والمثقفين يعتبرون حمله ظاهرة غير مستحبة خصوصاً أنه خرج من غمده. وتشير الاحصاءات الرسمية الى وقوع ما يزيد عن 45 الف جريمة استخدم فيها السلاح الناري خلال الأعوام الأربعة الأخيرة بسبب حروب قبلية وتفجيرات واختطافات ليمنيين وأجانب، اضافة الى وقوع 611 جريمة قتل سجلت في عام واحد وقع معظمها في ثلاث محافظات في مقدمتها صنعاء العاصمة. ولعل ذلك يفسر التحول الذي شهدته مواقف شرائح المجتمع اليمني إزاء ظاهرة حمل السلاح وبخاصة سكان المدن. ففي استبيان أجري على شرائح مختلفة أيد 95 في المئة ممن استطلعت آراؤهم القضاء على ظاهرة حمل السلاح واعتبرها 86 في المئة ظاهرة غير حضارية فيما أيد 83 في المئة حمل السلاح بطريقة قانونية. وكان الرئيس علي عبدالله صالح بدأ فترته الرئاسية الجديدة عام 1999 بمواجهة صريحة مع استحقاقات عاجلة لا يمكن تأجيلها على الصعيد الأمني خصوصاً، شملت حملة واسعة لا تزال مستمرة لجمع الأسلحة من المواطنين وانهاء مسلسل من الفوضى والعنف. المشكلة ان الغطاء التشريعي غائب حيث يسمح القانون الحالي المعمول به منذ عام 1992 بتداول وحمل الأسلحة وفقاً لتراخيص تصدرها جهات مختلفة، الأمر الذي أحال المسألة برمتها الى فوضى ومجاملات يصعب علاجها بقرار. الأمر الثاني الذي تلفت الجهات الأمنية اليه هو ان بعض أعضاء مجلس النواب الذين يرافق كل واحدٍ منهم بين 3و5 مرافقين مسلحين يحاولون وأد مشروع قانون جديد أعدته وزارة الداخلية يعتبر متشدداً الى حد كبير في منع حمل الأسلحة فضلاً عن أن القوى القبلية وكبار المسؤولين لا يستغنون عن الأسلحة لاعتبارات دفاعية وحمائية. وجاهة ويؤكد مسؤول أمني يمني ان ظاهرة حمل السلاح في المدن أصبحت تمثل وجهاً غير مستحب حتى عند أولئك الذين يتمنطقون تلك الأسلحة وذلك لاعتبارات كثيرة أهمها ان التجول بالسلاح في الأسواق بغرض الوجاهة أو التباهي بات يلقى استهجاناً لدى المواطنين. ومن الاعتبارات أيضاً أن الظاهرة استطاعت ان تستقطب الكثر من المتهورين الذين أوقعوا أنفسهم من دون ادراك في هاوية بعض الحوادث بسبب الاستخدام المتسرع أو نتيجة التهور وعدم وعي مخاطر العبث بالسلاح. وقدمت وزارة الداخلية مشروع قانون جديد أقره مجلس الوزراء قبل بضع سنوات يحظر حيازة وحمل الأسلحة والاتجار بها من قبل صف الضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن، كما يحدد القانون الأماكن التي يمنع فيها حمل السلاح أو التجوال به سواء للمرخص له أو المعفى، أثناء الاقتراع والاستفتاء والمسيرات والاحتفالات وداخل الدوائر الرسمية وفي الأماكن العامة والمساجد والأعراس والأسواق العامة ووسائل النقل. وأعطى القانون مهلة لكل من لديه سلاح شخصي ان يتصرف به خلال ستة أشهر لكنه أعفى رئيس الجمهورية ونائبه ورئيسي مجلس النواب والوزراء وكبار موظفي الدولة من شرط الترخيص. ويسمح قانون السلاح للمواطنين اليمنيين ان يحتفظوا في منازلهم بالبنادق الآلية والمسدسات وبنادق الصيد اللازمة لاستعمالهم الشخصي مع قدر من الذخيرة لها لغرض الدفاع الشرعي شريطة ان تسجل هذه الأسلحة لدى الجهات الأمنية المعنية.