وأخيراً حقق الكاتب الصحافي عامر بدر حسون حلماً ظل يراوده سنوات لإصدار مطبوعة تعتمد الماضي، بحنين ليس مجرداً من هموم الحاضر ومن أجل ضمان المستقبل المرتجى، وهو المحفوف حاضراً بالمخاطر على أكثر من صعيد. ... أخيراً صدرت مجلة "الأيام"... مجلة تهتمّ بماضيك" فهذه هي هويتها، وهي هوية جديدة ولافتة، وفيها شجن وعمق قد لا يلحظه الكثير من الناس خصوصاً من أهل العولمة. فهي تقدم مختارات من صحافة السنوات الماضيات، مختارات ساخنة، مواضيعها قديمة - جديدة، أو قديمة متجددة، أو هي قديمة لها ما يوافقها، مثلما لها ما يقابلها باعتباره مفارقاً لها: "هل يمكن أوراقاً صفراً، قديمة، ومهترئة أن تورق مثل شجرة في عز الربيع؟"... هكذا يبتدئ المحرر حديثه مع قراء مجلة "الأيام" الجديدة - القديمة، ثم يعرض تساؤلات متوقعة تلح في الذهن المقارن بين صحافة بدايات القرن الماضي، وانترنيت القرن الحادي والعشرين. مجلة حجمها حجم مجلات تلك "الأيام"، وورقها الحديث يحاكي الورق العتيق وكذلك غلافها "مجلة تهتم بماضيك"، فهل تتصفحها أم لا؟... ألا تريد ان تقرأ - مثلاً -: وثيقة نادرة لبرنارد شو عن فلسطين!، التصوير ايام زمان: طرائف وغرائب! النكتة السياسية: تاريخ ونماذج! دمشق تطرد بلفور! أم كلثوم تكتب: هذه حكايتي مع أحمد رامي! شهدتُ إعدام ريا وسكينة! تلك هي عناوين الغلاف على رغم صغر حجم المجلة. وقد حمل ست صور فوتوغرافية، وبدا الغلاف - عموماً - غلافاً لمجلة من الأربعينات أو الخمسينات من القرن العشرين، ولكنها صادرة في العام 2001. إنه حلم العودة الى الأصول ومراجعتها، والتمسك بما يستحق التمسك به. ومع ان الغلاف حمل ستة مواضيع لها أهميتها وطرافتها وخطورتها، إلا ان العدد تضمّن، الكثير من الطريف والعميق والمدهش والمثير والخطير. إن أول مادة مدهشة في هذا العدد هي افتتاحية كتبها قبل 74 عاماً، الصحافي العراقي ابراهيم صالح شكر للعدد الأول من جريدته "الزمان" التي أصدرها عام 1927 فكان عنوان الافتتاحية غريباً لدى الناس والقراء، على رغم صدقه: مني وإليّ! مبتدئاً بالقول: "تصدر هذه الجريدة وليست وجهتها خدمة "الوطن" أو "الأمة" أو "القضية" أو الاستقلال" أو "العلم" أو "الفن"، وانما وجهتها "خدمتي أنا"، فهي تنطق بلساني، وتعبر عن شعوري، وتكتب بقلمي، وتطبع بدراهمي، وتنشر في "وطني" وليس للجمهور أن يتوخى فيها شيئاً تأنس به نفسه...". ثم يمضي على هذا المنوال بموارد عدة، يفسر من خلالها هذا التوجه "الصادق" الغريب، ولكنه - في الوقت ذاته - يعالج كل القضايا المعقدة والمشكلات العالقة في ذلك الزمان، وفي كل زمان، وفي جريدته التي حملت اسم "الزمان"! تتيح مجل "الأيام" تصفّح الأيام والسنوات والمراحل الماضيات، مثلما تتيح تأمل ما كان، ليحدّق القراء بما هو كائن وكي يمضوا الى المستقبل بدفء الماضي مهما يكن وخطورة الحاضر مهما تكن... يمضون نمو المستقبل الذي ينبغي أن يكون محصلة معقولة ومرضية وملبية لروحهم التي عاشت الماضي والحاضر.