برهان الصديقين لمحمد رضا اللواثي أطروحة في الحكمة المتعالية ومشروع فلسفي يثبت وجود المبدأ الأعلى. الكتاب يجمع بين تيارين كبيرين في الإسلام وينهي صراعاً طويلاً بين المدرسة الفلسفية والمدرسة العرفانية. الجمع بين المدرستين الفلسفية والعرفانية، موضوع الأطروحة في الحكمة المتعالية لكتاب "برهان الصديقين" مشروع فلسفي يثبت وجود المبدأ الأعلى، ابتدأه الشيخ الرئيس وأنهاه صدر المتألهين الشيرازي. للباحث المغربي محمد رضا اللواثي عن المركز الثقافي العربي - الدار البيضاء - المغرب. الكتاب يقع في خمسة ابواب رئيسية يتفرع كل منها الى فصول عدة جامعة شاملة كل المواقف الفلسفية التي لامست هذا الموضوع. يتألف الباب الأول من ثلاثة فصول تلخص علاقة البحث ببرهان الصديقين، وأهمية البحث عن منابع التأليه في تبريرين. يكمن الأول في دور الفلسفة باعتبارها أرفع مظهر للتحضر الفكري. والثاني: تأكيد على الواقع العملي للإنسان. فوجود الله يستدعي التحدث عن علاقته بالكون، وعن صفاته وسائر شؤونه. ويعتبر المؤلف ان أولى لحظات ولادة العقل في الأزمنة الأسطورية اي ما قبل التأريخ المدون عبر تأمل الصورة الفريدة لطفولة التفكير. اما منابعه فهي ثلاثة، البيئة الاجتماعية كما يشير إليها هربرت سبنسر صاحب نظرية الأنتروبولوجية أو الأرواحية بقوله: من الخطأ الاعتقاد ان الدين شيء مصطنع نسجه العقل من أوهام خياله، فالأشياء نفسها أوحت للإنسان بالدين، فكان بذلك الاستجابة التلقائية. وصاغ موللر التوجه الثاني للمسألة ذاتها الجهد العقلي ومال اليه جملة من الفلاسفة المسلمين مرتضى مطهري ومحمد حسين الطباطبائي. وعن الإشراق الروحي، توجد اكثر من نظرية تغني بالشرح لهذا المنبع: الصنف الأول، حيث المنبع الذاتي للتأليه وهو على صلة تكونية بالإنسان. الصنف الثاني، ما أطلق عليه العلم الحضوري بالكائن الأعظم. ويشير الفصل الثاني الى المنابع الخارجية للتدين ومسار المخطط السومري وإليه ترجع الأسس الأولى للمبادئ الدينية والروحية والدنيوية. والتشريعات والقوانين. وفي التراث الإغريقي إشارة الى أن مسألة الخلق والتكوين شغلت الإنسان عميقاً وواجهها بمنتهى العقلانية المتاحة. ويصل المؤلف الى نتيجتين: الأولى، ان الشيء لا يوجد ذاته. وأن ثمة تناسباً بين المعلول وعلته. والثانية، ان الكون الهائل الذي يحيط بالإنسان اعظم بكثير من طاقاته وإمكاناته. ويتناول الفصل الثالث المنابع الفطرية للتدين. فالنظرية الأولى تبدأ من عقدة الأنا الأعلى، والثانية رغبة الإنسان لتحقيق الخير، والثالثة نتيجة حتمية للإدراك، والنظرية الرابعة العلم الحضوري وله ركيزتان الإنسان العالم، والشيء المعلوم. أما الارتباط الوجودي فيمكن اثباته من خلال مبادئ الحكمة المتعالية التي بينها المرحوم صدر المتألهين بإثباته أن للوجود مراتب طويلة، وأن المراتب الدانية هي شعاع من المرتبة العالية ومعلولة له وقائمة به. وأن العلية الحقيقية لا تعني سوى الربط الوجودي. وفي تفسير للشيرازي كيف يسري هذا النوع من الإدراك في المعلول. وفي مراتب الإدراك الحضوري بأن التفسير الفلسفي لهذه المعرفة علم حضوري للمعلول. ويعتبر صدر الدين، العلم كالجهل قد يكون بسيطاً وهو حاصل لكل واحد في أصل فطرته. والإدراك الحضوري هو الأساس لكل إدراك آخر يناله الإنسان في مسيرته العلمية الطويلة. وفي القرآن الكريم آية تتوافق مع ما انتهى إليه المؤلف. "فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله". ويتناول الباب الثاني مظهر التدين في الأزمنة الأسطورية وما بعدها. ويشتمل الفصل الأول على أنماط الفكر الفلسفي منذ فجر التاريخ الوحدة والكثرة، المادية والميتافيزيقية، ويتناول المظهر الثاني التصورات المادية للتدين. ففي ميتافيزيقية التدين، أن للعالم مبدعاً لا تدرك صفاته وإنما يدرك من جهة آثاره وهو الذي لا يعرف اسمه فضلاً عن هويته إلا من نحو مفاعيله وإبداعه وتكوينه الأشياء. ونقل الشهرستاني أقوالاً لفيثاغورس: إن الباري تعالى واحد لا كالآحاد ولا يدخل في العدد ولا يدرك من جهة العقل ولا من جهة النفس، فلا الفكر العقلي يدركه ولا المنطق النفسي يصفه، فهو فوق الصفات الروحانية غير مدرك من نحو ذاته وإنما يدرك بآثاره وصنائعه. بينما اعتبر هراليطس ان الطبيعة الإنسانية لا بصيرة لها. ويرى أفلاطون: "إن الإله خير علة بل هو الخير ذاته". ويتضمن الباب الثالث البراهين الطبيعية وهي كما يوردها المؤلف برهان العلية، برهان الحركة، برهان الحدوث، برهان النظام، وبرهان الغاية. ثم يأتي البرهان الوجودي وهو برهان فكرة الكامل، برهان الحقائق الأزلية، البرهان الأخلاقي، وبرهان العلم الحضوري. وفي كل هذه البراهين ان الإنسان في بدايته موجود بالقوة من حيث العلم والعقل، وأن لديه إمكانات لنيل هذه الصفات. أما البراهين الفطرية فتبدأ بالبرهان الوجودي أو التجديدي الذي يقول إن الجميع من دون استثناء من مؤمن وملحد لديه تصوراً. وفي برهان فكرة الكامل واللامتناهي يقول ديكارت فكرة اللامتناهي توجد قبل فكرة المتناهي. اي فكرة الله قبل فكرة ذاتي. وفي برهان الحقائق الأزلية شهادة للكاتب الفرنسي برسويه. إن ثمة حقائق أزلية في الكون لا تدركها الحواس. ويرى كانط ان البشر جميعاً يسعون لنيل السعادة، بينما برهان الفطرة فيؤكد على أن المعرفة الفطرية كامنة في اعماق الكيان الإنساني. وفي ذلك قول لعبدالله الأملي: لا يمكن سلب الأمل من نفوس الناس لأن الرجاء والمحبة موجودان في دخيلة كل انسان ومنطلقها هو الوجود اللامتناهي. وبذلك يصل المؤلف الى الثوابت الآتية: - الكيان الإنساني وجود حادث وإمكاني. - إن الإدراك الذي يتمتع به الموجود الإنساني هو ظاهرة متعالية عن افق المادة. - إن الرابطة التي تربط الموجود المعلول بعلته المضيفة هي رابطة الإمكان الفقري. وفي الخصائص المشتركة والمميزة للبراهين يقول المؤلف ان سائر البراهين الطبيعية مع كونها حققت غرضها وأثبتت ما سعت إليه لإثباته... ومن هنا يتأكد ان الإثبات منحصر في الدليل العقلي ولولاه لأضحت سائر الأدلة الطبيعية معطلة في منتصف طريق البرهنة على الموضوع. ويتضمن الباب الرابع برهان الصديقين في مرحلتي الصياغة والتوسعة. ففي الفصل الأول ينفرد الفارابي بحط الصيغة الأولى لبرهان الصديقين عبر الإمكان الوجودي. وفي إشارة الى اقتران الحياة العقلية التي عاشها المسلمون بظهور الإسلام، التي حملت تعاليمه الدعوة الى التأمل والتفكير العقلي وإقامة الاستدلال والبرهان. ومن هنا فالحياة العقلية توأم الحياة الدينية لدى المسلمين. وفي الدرجة ذاتها لا توجد ثمة فائدة وراء التفكيك بين الحياة العقلية والحياة الفلسفية وبذلك تبين ان ما أطلق عليه بالفلسفة الإسلامية ليست إعادة صوغ الفلسفة اليونانية مرة اخرى وإعادة كتابتها بالعربية كما زعم بعض المستشرقين وأصروا على أن المسلمين ليست لهم تجربة فلسفية وأن أعمالهم في هذا الإطار لا تتجاوز دور "ساعي البريد". فالواضح انه من بين مجموع 200 مسألة فلسفية تلقاها المسلمون من اليونان ارتفع رصيد المسائل الفلسفية التي بحثتها وحققت فيها الفلسفة الإسلامية الى 700 مسألة. وهذا التفاوت له دلالة مهمة في تقويم روح الإبداع الفلسفي في الحضارة الإسلامية. وفي الفصل الثاني يعطي المؤلف مساحة واسعة للقارئ للتعرف من خلالها على الحسين بن عبدالله بن حسن بن علي بن سينا من سنة مولده في بخارى في العام 370ه للهجرة ثم شروعه في دراسة الرياضيات والمنطق ومن بعدها الطبيعيات والطب. فمع قصر الحياة التي عاشها دور هائل في تقدم العلوم في شرق العالم وغربه. وتعاقبت الأجيال وهي تنهل من تراثه العلمي والفلسفي. وظلت موسوعته الطبية القانون تدرّس في أشهر الجامعات حتى عام 1909. فيكفي القول إن سائر من أتى بعده سيما السهروردي والرازي والطوسي استلهموا منه واستفادوا من تراثه على رغم ان بعض الكتاب المعاصرين يعتبرونه اكبر مكرس لمرحلة الجمود والانحطاط.فإنه والكلام للمؤلف يختزل عصراً فلسفياً لعب دور نقطة الارتكاز في تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام. ففي مقدمات البرهان تناول ابن سينا معاني الواجب ومعاني الممكن بالشرح معتبراً أن الواجب الوجود ضروري الوجود. اما في مجال تعريفه مكمن الوجود فهو الذي لا ضرورة فيه بوجه أي لا في وجوده ولا في عدمه فهذا الذي نعنيه في هذا الوضع بممكن الوجود. وفي مسألة وحدانية الواجب قوله: لا يجوز ان يكون نوع واجب الوجود لغير ذاته لأن وجود نوعه أولاً تقتضيه علة. وفي الباب الخامس لمحة عن حياة صدر الدين محمد بن ابراهيم الذي ولد في مدينة شيراز قرابة عام 979ه وتنقسم حياته الى ثلاث مراحل: مرحلة التلمذة وانصرافه الى تحصيل العلم والمعرفة على يد أستاذه محمد باقر ميردادا. الثانية، وهي التي قرر صدر الدين فيها متابعة النهج الإشراقي والإتيان بالمجاهدات الشرعية وتهذيب الباطن. والمرحلة الثالثة عندما قرر صدر المتألهين ممارسة التأليف وإنتاج مدرسة فلسفية جديدة تدمج البرهان والعرفان وتعليمات الأديان. وفي ذلك قوله: "فاقتضت رحمته ألا يختفي في البطون والأستار هذه المعاني المنكشفة لي من مضيض عالم الأسرار ولا يبقى في الكتمان والاحتجاب الأنوار الفائضة علي من نور الأنوار فألهمني الله الإفاضة مما شربنا جرعة العطاش الطالبين، فرأيت إخراجه من القوة الى الفعل والتكميل وإبرازه الى الوجود والتحصيل". فإن الأساس الأعظم والإنتاج الأهم لصدر الدين إثباته لأصالة الوجود، منبهاً الى وقوع التشكيك في الوجود، وأنه ذو مراتب أدناها حيث الصيرورة، وأعظمها ذاك الذي هو فوق اللامتناهي بما لا يتناهى مدة وعدة وشدة. رفع صدر الدين اليد عن التقسيم الثنائي الشهير للوجود الذي خطه الفارابي وأحلّ مسألة اللامحدودية والإطلاق الوجودي للذات المقدسة محل مسألة وجوب الوجود مستفيداً تماماً من الأسلوب المتبع في كتاب "نهج البلاغة" لإثبات الواجب. وتناول المؤلف أصالة الوجود لأن صدر الدين يقول إن حقيقة كل شيء هو وجوده الذي يترتب عليه آثاره وأحكامه. فالوجود إذاً أحق الأشياء بأن يكون ذا حقيقة كل ذي حقيقة. وفي فصل الوحدة في عين الكثرة توجد أطروحتان: الأولى تلغي الكثرة تماماً تمثلها في الفكر الإسلامي ابن عربي وفي الفكر الغربي اسبينوزا بنحو مخالف لابن عربي. وفي الفصل الرابع إشارة الى غرض البحث وفيه ملاحقة ما تبقى من غموض حول علاقة مراتب الوجود الكثيرة بمنبعها الواحد ذي الحقيقة الواحدة متناولاً أيضاً العلية وتحققها. ويتناول الفصل الخامس الصيغة النهائية لبرهان الصديقين وفيه يؤكد صدر الدين قبل عرضه لصيغة برهانه، أنه أوثق طريق يسلك بالفكر نحو وجود الحق المتعالي. ويذكر ان هذه الدراسة تقع في 400 صفحة على قياس 17x24 وهي في طبعتها الأولى سنة 2001.