في العام 1982 وقف ارييل شارون الذي قاد الغزو الاسرائيلي للبنان في بناية مطلة على صبرا وشاتيلا فيما كانت القوات الاسرائيلية تطلق أنواراً كاشفة فوق المخيمين تسهيلاً لارتكاب مجزرة رهيبة بمعرفته وموافقته. لم تكن أولى مجازره ضد الفلسطينيين، لكنها كانت الأكبر. وامس وقف الرجل نفسه وهو من يجب اعتباره مجرم حرب - ذا سجل اجرامي - في الكنيست رئيساً لحكومة اسرائيلية جديدة محاطاً برجال أكثرهم على شاكلته، بعضهم يدعو علناً الى "نقل" جميع العرب، أي تشريدهم عنوة، من فلسطين، أو من "أرض اسرائيل" كما يقول وزير السياحة في حكومة "الوحدة" رحبعام زئيفي. اما وزير الأمن الجديد عوزي لنداو فطالب بنقل المعركة الى داخل الأراضي الفلسطينية داعياً الى اعتماد "سياسة الهجوم وليس الدفاع فقط"، وكأن جرائم قصف المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية منذ أواخر ايلول سبتمبر الماضي كانت "دفاعاً" عن النفس. كانت رسالة شارون الأساسية في خطابه أمس في الكنيست انه لن يتفاوض مع الفلسطينيين "إلا اذا توقف العنف". وواقع الحال هو انه الذي اشعل فتيل العنف والاحتجاج بدخوله الاستفزازي الى ساحة الحرم القدسي في ايلول سبتمبر الماضي. وواضح ان شارون لن يعزف في الأشهر المقبلة إلا نغمة "الأمن" لاسرائيل، ذلك الأمن الذي يعكف الاسرائيليون باسمه منذ اكثر من خمسة اشهر على تدمير البنى التحتية الفلسطينية وتجويع الفلسطينيين وقصفهم. ولكن شارون سيدرك ان الأمن مستحيل في غياب تسوية سلمية عن طريق التفاوض تفضي الى استقلال الفلسطينيين وتحررهم من الاحتلال الكولونيالي البغيض الذي طالما خيم على حياتهم بوحشية أبشع من الكوابيس لأن آثار ذلك الاحتلال ملموسة يومياً في حياة الناس. ثمة رجل واحد في حكومة شارون يمكن ان يحاول لجم سياساته المتطرفة هو شمعون بيريز، الذي يستطيع اعادة بناء جسور بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية. وكاد بيريز ان ينجح في ذلك في عهد ايهود باراك عندما اجتمع مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في غزة حيث اتفقا على تهدئة الوضع الميداني. غير ان رجاء بيريز كان ان يضمن باراك عدم تشييع جنازات فلسطينيين ليوم واحد على الأقل - وخاب رجاؤه. ليس صحيحاً ان ما سيعيق استئناف المفاوضات هو عدم وجود مقترحات على الطاولة. هناك التفاهمات التي تم التوصل اليها في طابا قبيل الانتخابات الاسرائيلية الأخيرة لرئاسة الوزراء، وهناك قرارا الاممالمتحدة 242 و338 واتفاقات اوسلو. لكن ما يمكن ان يؤخر العودة الى المفاوضات ويطيل سلسلة المواجهات الدموية بين الاسرائيليين والفلسطينيين هو تلك الغشاوة التي تعمي عدداً هائلاً من الساسة والعسكريين الاسرائيليين عن الحقيقة. انها غشاوة قوامها غطرسة القوة وعقدة التفوق والاعتقاد بإمكان الاستمرار في احتلال أراضي شعب آخر، هو الشعب الاصلي لبلد اغتصب عنوة وقدم أهله أكبر تنازل تاريخي لأعدائهم يوم اعترفوا بوجود اسرائيل في حدود 4 حزيران يونيو 1967. سنرى قريباً ان كان بيريز سيكتشف ان كلامه سيقع على آذان صماء في حكومة "الوحدة"، وان كانت حكومة شارون ستستمر اكثر من شهور معدودة. والأمر الأكيد هو ان كفاح الفلسطينيين سيستمر، بالانتفاضة والتفاوض، الى حين تحقيق التحرر من الاحتلال وإقامة الدولة.