«فيفا» يعلن حصول ملف استضافة السعودية لكأس العالم 2034 على أعلى تقييم في التاريخ    أستراليا تحظر «السوشال ميديا» على الأطفال    سكري القصيم «عقدة» رائد التحدي    استهداف 34 ألف لاعب تتراوح أعمارهم بين 6 إلى 9 سنوات    بحضور وزير الرياضة.. انطلاق منافسات سباق "سال جدة جي تي 2024"    نائب رئيس مجلس الإفتاء السويدي: المملكة ناصرة للدين الإسلامي    «الإيدز» يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت    باكستان تقدم لزوار معرض "بَنان" أشهر المنتجات الحرفية المصنعة على أيدي نساء القرى    معرض "أنا عربية" يفتتح أبوابه لاستقبال الجمهور في منطقة "فيا رياض"    انطلاق فعاليات معرض وزارة الداخلية التوعوي لتعزيز السلامة المرورية    مطارات الدمام تدشن مطارنا أخضر مع مسافريها بإستخدام الذكاء الاصطناعي    ديوانية الأطباء في اللقاء ال89 عن شبكية العين    حرمان قاصر وجه إهانات عنصرية إلى فينيسيوس من دخول الملاعب لمدة عام    الأهلي يتغلب على الوحدة بهدف محرز في دوري روشن للمحترفين    ندى الغامدي تتوج بجائزة الأمير سعود بن نهار آل سعود    أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس واعضاء مجلس ادارة جمعية التوحد بالمنطقة    مدني الزلفي ينفذ التمرين الفرضي ل كارثة سيول بحي العزيزية    مدني أبها يخمد حريقًا في غرفة خارجية نتيجة وميض لحظي    الحملة الشعبية لإغاثة الفلسطينيين تصل 702,165,745 ريالًا    البنك المركزي الروسي: لا حاجة لإجراءات طارئة لدعم قيمة الروبل    الجبلين يتعادل مع الحزم إيجابياً في دوري يلو    "أخضر السيدات" يخسر وديته أمام نظيره الفلسطيني    6 مراحل تاريخية مهمة أسست ل«قطار الرياض».. تعرف عليها    «سلمان للإغاثة» يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحات المتخصصة والجراحة العامة للأطفال في سقطرى    المملكة تفوز بعضوية الهيئة الاستشارية الدولية المعنية بمرونة الكابلات البحرية    نعيم قاسم: حققنا «نصراً إلهياً» أكبر من انتصارنا في 2006    الجيش السوري يستعيد السيطرة على مواقع بريفي حلب وإدلب    "مكافحة المخدرات" تضبط أكثر من (2.4) مليون قرص من مادة الإمفيتامين المخدر بمنطقة الرياض    السعودية تتسلّم مواطنًا مطلوبًا دوليًا في قضايا فساد مالي وإداري من روسيا الاتحادية    خطيب المسجد النبوي: السجود ملجأ إلى الله وعلاج للقلوب وتفريج للهموم    الشؤون الإسلامية تطلق الدورة التأهلية لمنسوبي المساجد    والد الأديب سهم الدعجاني في ذمة الله    «الأونروا»: أعنف قصف على غزة منذ الحرب العالمية الثانية    وكيل إمارة جازان للشؤون الأمنية يفتتح البرنامج الدعوي "المخدرات عدو التنمية"    خطيب المسجد الحرام: أعظمِ أعمالِ البِرِّ أن يترُكَ العبدُ خلفَه ذُرّيَّة صالحة مباركة    الملحم يعيد المعارك الأدبية بمهاجمة «حياة القصيبي في الإدارة»    تقدمهم عدد من الأمراء ونوابهم.. المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء بالمناطق كافة    طبيب يواجه السجن 582 عاماً    التشكيلي الخزمري: وصلت لما أصبو إليه وأتعمد الرمزية لتعميق الفكرة    انطباع نقدي لقصيدة «بعد حيِّي» للشاعرة منى البدراني    عبدالرحمن الربيعي.. الإتقان والأمانة    ذوو الاحتياجات الخاصة    اكتشافات النفط والغاز عززت موثوقية إمدادات المملكة لاستقرار الاقتصاد العالمي    فصل التوائم.. البداية والمسيرة    «متلازمة الغروب» لدى كبار السن    "راديو مدل بيست" توسع نطاق بثها وتصل إلى أبها    بالله نحسدك على ايش؟!    حملة توعوية بجدة عن التهاب المفاصل الفقارية المحوري    أمير تبوك يستقبل المواطن مطير الضيوفي الذي تنازل عن قاتل ابنه    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الدورة ال 162 للمجلس الوزاري التحضيري للمجلس الأعلى الخليجي    إنسانية عبدالعزيز بن سلمان    أمير حائل يعقد لقاءً مع قافلة شباب الغد    أكدت رفضها القاطع للإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين.. السعودية تدعو لحظر جميع أسلحة الدمار الشامل    محمد بن عبدالرحمن يشرّف حفل سفارة عُمان    رئيس مجلس الشيوخ في باكستان يصل المدينة المنورة    أمير تبوك يقف على المراحل النهائية لمشروع مبنى مجلس المنطقة    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس الحكومة اللبنانية السابق يقدم تجربته "للحقيقة والتاريخ". الحص يدافع عن نفسه ويعاتب لحود وينتقد سورية ويهاجم الحريري
نشر في الحياة يوم 31 - 03 - 2001

شاء رئيس الحكومة اللبنانية السابق سليم الحص في كتابه الجديد "للحقيقة والتاريخ" أن يخرج من حصار الخيبة ومرارة الهزيمة السياسية بمطالعة دفاع عن النفس تضمنت هجوماً قاسياً على خصومه السياسيين.
لكن المفاجأة الأساسية في الكتاب لا تكمن في حجم الانتقاد والهجوم اللذين يوجههما الحص لخصمه السياسي المباشر، أي الرئيس رفيق الحريري صاحب الضربة القاضية التي أنهت تقريباً حياته السياسية، بل المفاجأة أن الحص لم يوفر، في معركته الكتابية لإثبات حسن أدائه، من يفترض أنهم كانوا حلفاءه في السنتين اللتين امضاهما رئيساً للحكومة الأولى في عهد الرئيس العماد اميل لحود.
ولذلك فإن اكثر ما يلفت القارئ في كتاب الحص هو ما يعلنه احياناً من انتقاد قاس وصريح لطرفين اساسيين في المعادلة اللبنانية كان من المعلوم عموماً أنه على وفاق معهما، وعنينا رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وسورية عبر جهازها الأمني العامل في لبنان، علماً أن الحص لم يستثن نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية والبلديات السابق ميشال المر ولا حتى رئيس مجلس النواب نبيه بري في معرض دفاعه عن سيرته السياسية والوطنية.
والكتاب لا يأتي بنذر يسير من المعلومات الجديدة في الشق المخصص لمقارعة رئيس الحكومة الحالي رفيق الحريري، إذ ان معظم الكلام والمعطيات الواردة فيه ضمن هذا الإطار سبق للرئيس الحص ان أوردها في مؤتمراته الصحافية وبياناته التي تساجل فيها مع الحريري أو مع وسائل إعلامه أو أعوانه. ويفيض الكتاب بإيراد النصوص الكاملة لهذه البيانات وكأن الرئيس الحص، الذي سقط في الانتخابات النيابية التي أشرفت عليها حكومته ورضخ "لحكم الناس بكل رضا وراحة ضمير"، ص13 استأنف هذا الحكم وينتظر ان يكون كتابه وثيقة للتاريخ والناس تحمل له يوماً الانصاف الذي يظن انه يستحقه أو على الأقل "تقديراً لظروفه" في الحياة السياسية في لبنان حيث "لا شريعة ولا ضوابط، فالضرب على غير هدى، فلا اعتبار لزمالة أو صداقة، ولا تقدير لظروف قاهرة أو موروثة. والغلبة في كثير من الحالات للمصالح الآنية والمال السياسي والافتراس هو سنة الحياة السياسية. اما المعارضة، التي لا ديموقراطية من دونها، فكثيراً ما تكون مغرضة وموتورة، وبالتالي غير بناءة" ص12.
ثناء وعتاب للرئيس لحود
لا تمر الصفحات العشرون الأولى من الكتاب في يد القارئ حتى يتبدى له ان الحص يحمّل مسؤولية معظم الأخطاء التي يقول إنها ارتكبت في عهد رئاسته للحكومة الى غيره.
ويعترف الحص بوجود محاصصة في التعيينات التي أجرتها حكومته لكنه يرمي بثقل المسؤولية على غير كاهله فيقول: "لا بد من الاعتراف بأن التعيينات التي اجريناها شابها شيء من المحاباة والمحسوبية، ولو أنني شخصياً حرصت في كل الأوقات على الترفع عن الانغماس في لعبة التقاسم، فقد عبرت او تسربت أسماء في التعيينات روعي في اختيارها جانب رئيس مجلس النواب. ولم أكن أنا الذي شاورته في شأنها، أو حاولت الوقوف على رأيه فيها، بل كان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود هو الذي فعل، خصوصاً أثناء اللقاءات الأسبوعية التي كانت تتم بينهما" ص16.
ولا يكتفي الحص بذلك، ويستشهد على واقعة المحسوبية في التعيينات التي اجرتها حكومته بتصريح لرفيقه السابق في اللقاء الوطني النائب نسيب لحود، ثم يورد الآتي: "... كما روعي في بعض التعيينات جانب نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية ميشال المر، الذي يمت الى الرئيس لحود، ويتمتع بثقته المطلقة، فكانت الأسماء التي تهم نائب رئيس الوزراء تعرض عليّ بأنها من ترشيحات رئيس الجمهورية، وكان الرئيس لحود يتبناها امامي ويزكّيها. هكذا دخل الإدارة وبعض المجالس في زمن حكومتنا، من حيث لم أكن أريد، موظفون أو أعضاء في مجالس لم يكونوا هم الأفضل من حيث الكفاية أو الأهلية للمناصب التي أنيطت بهم. ومن هنا كان اتهام بعض السياسيين المعارضين لنا بأننا نمارس المحاصصة في شكل مستتر بما يذكر بصيغة الترويكا، ولو أنني شخصياً لم أطلب لنفسي يوماً حصة في التعيينات. من هنا اكتسب ميشال المر صفة الوزير المتميز. وقد لوح النائب نسيب لحود يوماً الى هذا الواقع في تصريح له قال فيه ان التعيينات التي تمت لا تخلو من المحاصصة ولو أن رئيس مجلس الوزراء سليم الحص لم يكن له فيها حصة. وأحياناً كان يراعى في التعيينات جانب جهات سورية كانت تمر في قناة رئيس الجمهورية" ص16.
على أن الحص يبدو في معرض كلامه عن رئيس الجمهورية معاتباً أكثر منه مخاصماً، فهو لا يخفي اعجابه بشخصيته وبخصاله واصفاً إياه بأنه "رجل نزيه ومستقيم ومترفع الى أبعد الحدود".
لكن يظهر من قراءة الكتاب ان الحص ليس راضياً عن الأداء السياسي لرئيس الجمهورية بمقدار رضاه عن أدائه العسكري يوم كان قائداً للجيش. ففي الفصل الذي يسميه "بين الرئيس لحود وبيني"، يثني الحص بإعجاب على ما قام به لحود اثناء توليه قيادة الجيش ولاسيما عملية دمج الألوية وتنقيته من الهوية المذهبية او الطائفية ويعتبر ان هذا الأمر "هو إنجازه التاريخي العظيم الذي فتح أمامه آفاق تبوؤ رئاسة الجمهورية في ما بعد" ص 38. ويضيف أنه لم يتوان اثناء لقائه الدكتور بشار الأسد - قبل توليه سدة الرئاسة في سورية - عن تسمية العماد لحود كمرشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية لكنه يكشف انه سمى أيضاً نسيب لحود.
وخص الحص الرئيس لحود بثناء ومديح قل نظيرهما معتبراً أنه "لو كان في لبنان رجل واحد لا طائفي ولا يعرف الطائفية معنى في فكره ووجدانه وسلوكه فهو اميل لحود. كان كذلك وبقي كذلك"، كما يشيد ب"صدقه والتزامه في الشأن القومي" ص44.
لكن ذلك لم يمنع رئيس الحكومة السابق من اتهام الرئيس بارتكاب اخطاء. وهكذا يعتبر الحص انه كان يتوجب على الرئيس ان يمنع ترشيح نجله الى النيابة وتوزير صهره المحامي الياس المر لأن ذلك "انعكس سلباً على صورته امام الناس... وهو أخطأ في اعتقادي في الحالتين". ص40.
ومعلوم ان ترشيح نجل الرئيس لم يكن مثلاً بأي شكل من الأشكال عاملاً سلبياً مؤثراً على عمل الحكومة ولا يفترض انه سبب اي حرج للحص نفسه الذي كان مرشحاً في بيروت فيما لحود الابن ترشح في المتن، ثم ان توزير الياس المر حصل بعد هزيمة الحص في الانتخابات وفي حكومة رفيق الحريري، فلماذا اختار سليم الحص ان يتحدث عن الأمرين في كتابه وكيف يصبّان في مطالعته في الدفاع عن النفس؟
ان الحص ينطلق من هذين الحدثين ليرفع درجة انتقاده للرئيس ويصل الى حد اتهامه بأنه "في بعض الأحيان لا يتوقف كثيراً أمام وقع قراراته على الرأي العام، إذا كان مقتنعاً بصوابيتها أو بجدواها... ولا يميل الى الأخذ بنصائح احد إذا عقد العزم على أمر معيّن" ص40.
ويروي كيف انه نصح الرئيس لحود بتحضير خطاب لإلقائه في القمة العربية فلم يستجب لنصيحته "فكان الانطباع الذي خلفه ارتجال الرئيس كلمته في الرأي العام اللبناني الى حد ما سلبياً". كما يأخذ الحص على لحود عدم مشاركته في مؤتمر القمة الإسلامي الذي عقد في قطر متجاهلاً أيضاً نصيحته. لكن على رغم هذا العتاب الشديد، وعلى رغم قوله ان الرئيس أساء له حين ارسل مذكرتين الى الأمين العام للأمم المتحدة من دون ان يعلمه بذلك، فإن الرئيس الحص ينهي كلامه عن رئيس الجمهورية اللبناني بمديح خالص قائلاً: "إن من ينصف الرئيس لحود يعترف بأنه رجل نبيل ونزيه ومستقيم ووطني وصادق" ص48.
سوريا وجهاتها
سرعان ما ينطلق الحص في كتابه الى رسم ميزان القوى الذي كان يتحكم بمسار الأمور في الدولة، لا سيما في شأن الإصلاح الإداري الذي كان عنوان العهد والحكومة آنذاك.
ويقول إن بعض الموظفين الفاسدين كانوا يحظون بدعم "اقليمي" ينسبه الى "جهات سورية" ص20.
ويورد الكاتب، بعد ان اعترف بالمحسوبية في التعيينات، أن "عمليات الإقالة والوضع في التصرف توقفت، عند بعض اعتاب اركان النظام الفاسدين والمدعومين اقليمياً. وقد امسى اتفاقنا داخل الحكم على اقصاء بعض كبار الموظفين المحسوبين على هؤلاء متعذراً. ومما يذكر اننا لم نستطع اجراء تبديل في رئاسة إحدى المؤسسات الكبرى، لأن رئيسها القائم كان يحظى بحماية جهة سورية، كما اننا لم نستطع تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كبيرة تسهم فيها الدولة، لأن أحد النافذين اعترض على اسمين رشحناهما لرئاسة هذا المجلس. وفي مثل هذه الحالات يغدو اتفاقنا داخل الحكم على اسم معين متعذراً"ص20. كما يكشف ان قانون الانتخاب الذي عارضه هو وأقرته حكومته "كان معروفاً أن اللواء جميل السيد، مدير عام الأمن العام، لعب دوراً في إخراج هذا المشروع بالتنسيق مع المرجعية السورية في عنجر" ص61.
يؤكد سليم الحص في مطلع الفصل الذي اختار له عنواناً "بين سورية وبيني" ايمانه بالعلاقات المميزة بين لبنان وسورية. ويشدد على أن علاقته بالمسؤولين السوريين كانت "علاقة احترام متبادل لا أكثر ولا أقل".
لكنه رويداً رويداً يبدأ بذكر ما أزعجه في العلاقة مع السوريين من دون ان ينسب الى ذلك أي مس بإيمانه بترابط مصالح البلدين. ويشعر القارئ بأن الرئيس الحص يسعى عبر ما يورده عن علاقته بسورية الى إثبات صداقته لها وليس تبعيته لها.
ويروي الحص انه لم يكن يكثر من زياراته الى دمشق وأنه كان يقوم بزيارة قائد جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان اللواء الركن غازي كنعان في طريق ذهابه الى دمشق أو إيابه منها وليس أكثر، مضيفاً أنه "كثيراً ما كنت اتبلغ من بعض الأصدقاء الذين كانوا يزورون المسؤولين السوريين في دمشق أو في عنجر، تحيات أولئك المسؤولين واحترامهم لا بل ودعمهم، مقرونة بكلمة عتاب بأن أولئك المسؤولين يرون أن علاقتي بهم تفتقر الى الحرارة. ولعل المقصود بالحرارة كثرة المراجعة لهم وكثافة الاتصالات بهم، وهذا ما لم أتقنه" ص52.
ويتضح ان الحص يرمي من هذا الكلام الى القول إنه لم يكن خاضعاً على المستوى الشخصي لعمليات ضغط سوري. ويكتب "أنه اذا كانت هناك مؤثرات سورية على القرار اللبناني، على حد تعبير المعترضين على استمرار الوجود السوري في لبنان، فإن هذه الظاهرة لم تعبر يوماً من خلالي، وإنما عبرت من خلال قنوات اخرى في الدولة". ص53.
ويروي أن نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام عبر له مرة عن عتب اذ قبل بترؤس الحكومة بعد اغتيال الرئيس رشيد كرامي ودعاه لسماع تسجيل يكشف له كيف تمت محاولة اغتياله. ويضيف ان خدام أخبره لاحقاً، في حضور رئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، ان المجموعة التي تآمرت على حياته ضمت ايلي حبيقة ومدير المخابرات السابق في الجيش اللبناني العميد سيمون قسيس وكان الاجتماع في منزل ميشال المر. على أنه يورد ان المر أكد له لاحقاً أنه لم يشارك في هذا الاجتماع لا من قريب ولا من بعيد، اما حبيقة فرفض الكلام امام القاضي سعيد ميرزا عن الموضوع.
ويذكر الحص لاحقاً كيف رفض في الماضي طلب حليفي سورية، رئيس مجلس النواب نبيه بري ووليد جنبلاط شراء أسلحة منها على رغم تدخل نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، وكيف انه رفض حتى طلب الرئيس السوري حافظ الأسد منه شخصياً تعيين سامي الخطيب مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، فكان ان عين الخطيب وزيراً للداخلية في حكومة رشيد الصلح.
كما يورد الحص بعض الحوادث التي تحمل دلالات على انحياز سوري معين تجاه خصمه الرئيس رفيق الحريري. ويذكر ان نائب الرئيس السوري، الذي يصفه الحص بأنه "المعروف بعلاقته الوثيقة مع الرئيس الحريري" ص59 والعماد ابراهيم صافي واللواء كنعان حاولوا قبيل انتخابات 1996 إقناعه بالتحالف مع الرئيس الحريري لكنه أبى، فعاتبه الرئيس الأسد ودياً قائلاً: "إن إخوانك في سورية حاولوا جاهدين ان يرتبوا تحالفاً بينك وبين الرئيس رفيق الحريري في المعركة الانتخابية ضماناً لمصلحتك الذاتية. ولم يكن في الأمر مأرب آخر. ولكنك على ما قيل لي، عنيد، فلم تستجب للمبادرة".
كما انه يشير الى حضور اللواء كنعان الى جانب الرئيس الحريري مهرجان وضع حجر الأساس للجامعة اللبنانية - السورية عام 1999 في البقاع معتبراً أنه "أضفى على المهرجان معنى الرعاية السورية".
ويذكر الحص نمطاً آخر من رفضه للضغوط السورية تمثل في رفضه ضم النائب ناصر قنديل الى لائحته الانتخابية بناء على طلب من رئيس مكتب المخابرات السورية في بيروت "عبر اثنين من الأصدقاء" ص59.
مال الحريري أم سحره؟
يردد الرئيس الحص في كتابه عبارته الشهيرة ان في لبنان "الكثير من الحرية والقليل من الديموقراطية" معبراً عن إيمانه بضعف الثقافة الديموقراطية في بلده وطغيان الحال الطائفية والمذهبية "التي تشكل العقبة الأولى في وجه الديموقراطية" ص12.
يؤكد الحص، السياسي المخضرم، ورئيس الحكومة لمرات عدة، أنه كتب كتابه ليثبت للناس انه حاول بعض الإصلاح في الرعية و... فشل لأنه "عبثاً نسعى الى بناء دولة القانون والمؤسسات، وعبثاً نسعى الى بناء الدولة القادرة والعادلة، وعبثاً نسعى الى بناء المجتمع الأفضل خارج إطار الديموقراطية". ولا يتردد الحص في وصف الساحة السياسية في لبنان "بأنها غاب بلا شريعة" حيث لا اعتبار لزمالة أو صداقة والغلبة في الكثير من الحالات للمصالح الآنية والمال السياسي"، هذا المال الذي يعني به مال رئيس الحكومة الحالي رفيق الحريري.
ولعل القارئ كان يتمنى لو ان الكاتب أفرد في كتابه فصلاً خاصاً للحديث عن علاقته بالرئيس الحريري، فكنا نود ان نقرأ فصلاً بعنوان "بين الحريري وبيني" كما قرأنا فصلاً عنوانه "بين الرئيس لحود وبيني" و"بين سورية وبيني".
فهذا الرجل الذي كتب الرئيس الحص أنه لا يجد ما يجمعه به "فكراً وأسلوباً وأهدافاً وإمكانات" ص 59 تمكن ان يحصل غالبية أصوات الناخبين الذين كان الحص يأمل أن يمحضوه ثقتهم. وإذا كان الحص يعتبر ان الحريري فاز لسبب وحيد مؤداه أنه يملك المال فهل هذا يعني أنه يعتبر ان كتلة الناخبين البيارتة هي لقمة سائغة لكل من امتلك مالاً؟ ألم يترشح الى الانتخابات آخرون من اصحاب الملايين و...سقطوا؟ ألا يمكن ان يكون البيارتة بغالبيتهم يفضلون الحريري وبكل بساطة يحبونه اكثر من الحص لسبب ما في تركيبتهم الفكرية والثقافية، بغض النظر عن الميزان السياسي الإقليمي؟ هل السبب يكمن كما يقول الحص في انعدام الثقافة الديموقراطية؟ هل المثقف ديموقراطياً يفضل الحص وغير المثقف يحبذ الحريري؟ هل أن الحص يدين ناخبيه؟
إن كتاب "للحقيقة والتاريخ" يدفعنا لنطمع بالمزيد من الأجوبة من الرئيس الحص، أجوبة أعمق وأشمل وتتجاوز الوقائع واليوميات والدفاع عن النفس وعن ضمير لا يحتاج الى دفاع ولا الى زمن يدافع عنه ولا يحتاج خصوصاً الى مرور الزمن لكي ينصفه التاريخ ولو سلّم بأن صاحبه أخطأ أحياناً.
آراء لا أسرار
ان الرئيس الحص لا يكشف في كتابه الشيق الكثير من الأسرار بقدر ما يعبر عن الآراء. ويردد الكثير من السياسيين اللبنانيين ان لبنان بلد ليس فيه اسرار بسبب صغره وتعدد وسائل الإعلام فيه وسرعة انتشار المعلومات بين الناس فيه بسبب الحجم الهائل للثرثرة. وبالتالي فإن الجديد الذي أتى به الرئيس الحص في كتابه ليس فضائح ووثائق كانت مستورة، بل تعبير صادق عن آراء لم يكن يقولها كما هي حين كان في سدة الحكم.
وحسناً فعل إذ أدلى بها بسرعة بعد خروجه من العمل السياسي المباشر، لكن ذلك لا ينبغي ان يكون خاتمة التعبير عن خلاصات تجربته.
ان الرئيس الحص يأتي في كتابه على ذكر حفيده سليم اكثر من مرة مورداً أقواله، ولكن الكاتب لا يقول لنا ما اذا كان يأمل ان يدخل الحفيد يوماً درب السياسة أو إذا كان يشجع الشباب اللبناني على دخول الساحة السياسية التي كال لها أشد أنماط الهجاء.
كتاب الرئيس الحص يمكن ان يكون دليلاً للعمل في السياسة اللبنانية بكل تعقيداتها الداخلية والإقليمية، ويمكن ان يكون درساً للسياسي في ما يجب ان يفعله في حالات صعبة ومربكة، وكيف أن الاستقالة كان يمكن ان تكون في بعض الحالات أجدى لصاحبها من مواصلة العمل بكثير.
* صحافي لبناني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.