تحوّلت أمسية "ربيع الشعراء" التي نظمها مركز "الثقافة والتعاون العلمي الفرنسي" في القاهرة احتفاء ب"يوم الشعر العالمي"، إلى مناسبة مأسوية. فبعد يوم واحد فقط من انقضاء الأمسية، قضى أحد أبرز المشاركين فيها، الشاعر الهندي والبنغالي الكبير لوكينات باتا شاريا، في طريقة تراجيدية، إذ سقطت سيارة كان يستقلها عقب جولة سياحية مساء 23 آذار مارس في ترعة "المريوطية" غرب القاهرة، ونُقل إلى المستشفى حيث بُذلت جهود كبيرة لإنقاذ حياته، إلا أن روحه فاضت الى بارئها صباح السبت. وكانت الأمسية أقيمت في "بيت الهراوي" الأثري في القاهرة، تحت عنوان "ربيع الشعراء: لقاء استثنائي بين أشعار الشرق والغرب"، وشارك فيها مع باتا شاريا الشاعر الفرنسي من أصل هنغاري لوران غاسبار والشاعر الفرنسي ميشال دوغي، ومن مصر الشاعران احمد عبد المعطي حجازي ومحمد عفيفي مطر. وكان مقرراً أن تشارك في الأمسية الشاعرة المصرية فاطمة قنديل لكنها اعتذرت عن المشاركة. وأوضحت قنديل ل "الحياة" إن اعتذارها عن عدم المشاركة في الأمسية يرجع الى أن الكاتبة أمينة المؤدب، ممثلة المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة الذي نظم اللقاء أبلغتها بأنه استُبعدت مقاطع من النصوص التي كان مقرراً أن تلقيها نظراً الى عدم ترجمتها الى الفرنسية بسبب ضيق الوقت، علماً أنها قدّمت قصائدها قبل شهر. وشارك في تقديم الأمسية الشاعر المصري رفعت سلام والكاتبة المصرية نورا أمين وأمينة المؤدب. وقامت بترجمة معظم النصوص التي ألقيت في الأمسية من الفرنسية الى العربية راوية صادق فيما تولى رفعت سلام مراجعتها. وفي مستهل الأمسية ألقى لوكينات باتا شاريا مجموعة من قصائده باللغة البنغالية وتولى ترجمتها الى الفرنسية بشير السباعي. وباتا شاريا، المولود في 1927 لأسرة سنسكريتية الثقافة، جمع قصائده النثرية في قرابة 20 ديواناً. ويتميز شعره بالرصانة والجمال . ومن أبرز تلك الدواوين "خطوات الفراغ" و"لون موتي" و"حيثما تذهب الانهار". ولباتا شاريا مجموعات عدة من القصص القصيرة منها "رقصات منتصف الليل" التي صدرت في 1999 وعدد من الروايات من أهمها "النزول الى نهر الغانج" التي صدرت أيضاً في العام 1999. ومن بين النصوص الشعرية التي ألقاها خلال الأمسية نص عنوانه "ظهيرة الصحراء" وفيها: "امرأة ضائعة، في مكان ما من مدينة حجرية، هذيان الليل الأسير تراكم فيها مثل طمي: أصبح الآن صخراً، في روحها. لكن اذا ما ذهبتم بعيداً، وعميقاً، متوغلين في طبقة إثر طبقة، فسترون الظلمة تزداد سمكاً، كأن طنين الليل والنهار، منذ مئة عام استحال صمتاً". ثم ألقى احمد عبد المعطي حجازي قصيدتين من ديوانه "كائنات مملكة الليل" الصادر في 1978. الأولى عنوانها "صورة شخصية للسيدة ص.ك." والثانية عنوانها "غرفة المرأة الوحيدة". ومن مقاطع القصيدة الثانية: "ها هي الآن تطرد عنها المدينة/ تغلق من خلفها بابها / وتضم الستار/ ثم تشعل مصباحها في النهار". ثم كان دور لوران غاسبار، المولود في 1925، في ترانسلفانيا، التي تقع الآن ضمن حدود رومانيا. وكان استقر في فرنسا دارساً الطب منذ 1946 وهو يقيم في سيدي بو سعيد تونس منذ 1979 حيث عمل حتى اوائل التسعينات جراحاً في مستشفى المركزي في تونس. ويتقن غاسبار لغات عدة بينها الالمانية والانكليزية والفرنسية والعربية والايطالية واليونانية. وهو ايضاً ترجم أعمالاً لكل من لورانس وريلكه وكفافي وسفيريس وبيلنسكي وسوميلو. وإقامته في تونس فضلاً عن جولاته في الاردن وسورية وشبه الجزيرة العربية، انطبعت الى حد كبير في شعره. ومن أبرز مجموعاته الشعرية "أجسام قارضة"، "الأرض المطلقة"، "جزيرة العرب السعيدة". ومن النصوص التي ألقاها خلال الأمسية نص عنوانه "معرفة الضوء": "اشتعلت جداولُنا / وعصفور يصقل الضوء احياناً - تأخر الوقت هنا / سنمضي الى الطرف الآخر للاشياء/ نستكشف الواجهة المضيئة من الليل...". أما محمد عفيفي مطر فكان من المقرر أن يلقي قصيدة عنوانها "يصيدون الأسماء" لكنه ألقى قصيدة أخرى لم تكن ممكنة ترجمتها فوراً الى الفرنسية. وفي ختام الأمسية ألقى الشاعر الفرنسي ميشال دوغي مجموعة من قصائده. ودوغي ظل سنوات عدة عضو لجنة القراءة في دار نشر "غاليمار"، وكان بين 1989و 1992 رئيساً للمعهد الدولي للفلسفة، وبين 1992 و1998 رئيساً ل "بيت الكتاب". ونال جائزة فرنسا الكبرى للشعر سنة 1989. ومن بين القصائد التي ألقاها دوغي قصيدة عنوانها "حكاية": "ذات مساء حين ارتدينا حزاماً / كنتِ تهمسين في أذني بحكاية في بياض الثلج/ وتقولين لي إنني منفعلة / وكنّا تخطينا من قبل فواصل كبيرة عدة / مصنوعة من جسور غياب أكبر من جسور أفينيون، وعدنا الى أنفسنا بمعابد من فيضان". أما الشاعر الراحل باتا شاريا فكان على صداقة متينة مع عدد من الشعراء العرب وخصوصاً أدونيس ومحمد بنيس وسواهما. وشارك في مهرجان "بيت الشعر" المغرب في دورته الأولى 1998 وحل ضيفاً على الدار البيضاء وقرأ قصائده بلغته الأصل أمام الجمهور المغربي.