يفيد الدكتور محمد ملص انه كتب "النهضة الأوربية في أدب الطفل" رداً على كتاب "انها تدور" لباحثين غربيين تناولوا الانجازات العربية ونسبوها الى غير أهلها، وتغاضوا عن انتحال علماء أوروبيين كثر ما حققه قبلهم نظراؤهم العرب. واستند ملص، في كتابه، الى ما أثبته باحثون غربيون عن انتحال علماء كبار انجازات عربية، مثل كوبرنيكوس رائد الثورة العلمية الحديثة في علم الفلك، الذي تبين لباحثة بولندية انه ربما اطلع على نسخ من رسائل فلكية لعلماء مسلمين وعرب، من مثل نصير الدين الطوسي 1200 - 1273 وابن الشاطر 1304 - 1375 والعالم ما شاءالله 762 - 815 وابو معشر الفلكي والفرغاني والكندي وثابت بن قرة وابن الهيثم وجابر بن افلح وغيرهم. واثبت باحثون ان نظرية كوبرنيكوس عن كوكب عطارد، التي جمعت حركتين دائريتين في توافق تام، هي نموذج سبق للطوسي ان طرحه، وان كتب الفلك العربية ترجمت الى اللاتينية، ونقلت الى ايطاليا، وهكذا انتقلت الافكار العربية الى اوروبا. واستطاع ابن الشاطر الذي سبق كوبرنيكوس بأكثر من مئة عام، ان يصل الى إصلاح تصور حركة الافلاك عند العالم اليوناني الشهير بطليموس، لتصبح متناسقة ومنطقية من النواحي الرياضية. واستلهم ما اوضحه العالم ابن الهيثم من تناقض تصوّر بطلميوس مع احوال الفلك، وكذلك الانتقادات التي قدمها الطوسي وغيره. وعام 1957، توصل الباحثان كنيدي وروبرتس الى وجود اوجه شبه بين اعمال كوبرنيكوس وابن الشاطر، مثل تصورهما عن مدار القمر وكوكب عطارد. واثر الفلكي بورباخ 1423 - 1461 صاحب كتاب "النظرية الجديدة للكواكب السيّارة" في رؤية كوبرنيكوس. واللافت ان الكتاب المذكور هو تجميع لكتب ابن الهيثم وثابت بن قرة والزرقالي. ويذكر بعض الباحثين ان كوبرنيكوس نقل من كتاب "الزيج" للرزقالي اموراً كثيرة من دون ذكر المصدر، منها وصف حركة اوجه الشمس السنوية. واكتشف ريجومونتانوس عصا فلكية سماها "عصا يعقوب"، ثبت انه استقاها من العالم الاندلسي ليفي بن كرسون الذي اقتبسها، بدوره، من ابن سينا. ويقول الباحث سزكين "ان الاوروبيين لم يكونوا يعرفون بطليموس ونظامه الفلكي، ولو عرفوه لما استطاعوا ان يفهموه، إذ ان العنصر الهندسي الضروري لفهمه كان غير متوافر لديهم، إلا ان اسهامات العرب يسرت لهم ذلك". ويذكر الأوروبيون ان غاليليو اكتشف ان"القمر ليس كوكباً منيراً بل يستمد نوره من الشمس". ولكن ورد في كتاب الفرغاني "جوامع علم النجوم واصول الحركات السماوية" ما يأتي: "ونبدأ بذكر القمر، فنقول انه يستضيء من نور الشمس الواقع عليه..."، الى ان يقول في موضع آخر: "فقد بيّنا في ما تقدم ان القمر يستضيء بنور الشمس". ويعتبر الفرغاني واضع اول كتاب عربي في عرض نظام الفلك عند بطليموس، وسبق غاليليو بمئات السنين. واكتشف كبلر ان الشمس لا تتبع مساراً دائرياً، بل مساراً اهليليجياً، فهل يعقل ألا يكون اطلع على ما وجهه العلماء العرب من نقد الى نظريات بطليموس؟ وبالانتقال إلى قوانين نيوتن، يبدو بعضها على تواصل مع ما جاء في كتابات العلماء العرب من وصف لحركة الاجسام. فعلى سبيل المثال، لاحظ نيوتن ان "الجسم يبقى في حال سكون أو حال حركة منتظمة في خط مستقيم ما لم تؤثر فيه قوة خارجية". ويشبه ذلك ما قاله ابن سيناء الذي عاش قبله بستمئة عام، في كتاب "الارشادات والتنبيهات": "إنك لتعلم أن الجسم إذا خلي... ولم يعرض له من الخارج تأثير غريب لم يكن له بد من موضع معين وشكل معين". واهتم نيوتن بالتجارب الكونية التي فسر بها الجاذبية الأرضية وحركة الكواكب السيّارة حول الشمس وتجاذبها في ما بينها. ويقارب ذلك ما ذهب اليه الرازي بالقول إن "انجذاب الجسم إلى مجاورة الأقرب أولى من انجذابه إلى مجاورة الأبعد" . ومن هذا العرض لإسهامات العرب في النهضة العلمية في اوروبا التي نسب بعضها الى علماء اغريق اندثر علمهم بعدما اثبت علماء العرب اخطاء في نظرياتهم، معتمدين منهجاً علمياً، يتضح ان العلم الحق يقوم على التبادل والتلاقح لا على الانعزال.