لا شيء يثير حيرة الكويتيين هذه الأيام ويشغل أحاديثهم مثل جريمة اغتيال هداية سلطان السالم رئيسة تحرير مجلة "المجالس". وعلى رغم اعتراف ضابط في الشرطة بمسؤوليته عن الجريمة وتوافر أدلة مادية على اطلاقه النار على هداية 70 سنة في وضح النهار، حاسر الوجه وفي شارع مزدحم بالشهود، فإن قلة تقبل تبريره الجريمة بأنها انتقام لقبيلته العوازم من مقال نشرته "المجالس" قبل اشهر يسيء الى القبيلة. ونشرت الصحف المحلية روايات عن الاعترافات التي أدلى بها المقدم خالد ذياب العازمي 41 سنة امام المباحث، وكان من أغرب تفاصيلها انه خطط لقتل هداية قبل شهور، وانه أدى فريضة الحج أخيراً، استعداداً لحكم بالإعدام سيصدر بحقه بعد قتلها! ومن الروايات ايضاً ان المباحث أبلغت الجاني ان مبرراً للقتل مثل الذي يصر عليه عن مقال صحافي نشر قبل ثمانية شهور، سيؤدي به الى المشنقة وان معرفة الدافع الحقيقي للقتل ربما تدفع المحكمة الى تخفيف العقوبة، لكنه أصر على روايته وقال: "أنا مستعد لإبادة بلد من أجل قبيلتي" كما ذكر بعض المصادر. مثل هذه الظلال من التعصب القبلي التي أحاطت بالجريمة، شكل احراجاً فورياً للجميع، فلا الدولة راغبة في زج المسألة القبلية في جريمة كهذه، ولا قبيلة "العوازم" تريد لنفسها هذه الصورة من التطرف في الانتماء القبلي. ولم يقبل المجتمع الكويتي مناقشة الملف القبلي مصبوغاً بدماء القتيلة، لذلك كان الحديث عن دوافع شخصية مباشرة لحادث الاغتيال منطقياً عند الجميع، ولكن ما هي هذه الدوافع الشخصية؟ ربما يكون الجواب حساساً أكثر من الملف القبلي نفسه، والاشاعات والتكهنات في "الديوانيات" اكثر من ان تحصى، ولكن لا سبيل الى التأكد من أي منها، اذا لم تقدم المحاكمة التي قد تبدأ الاسبوع المقبل بعض الاجوبة عن الأسئلة الكثيرة. النيابة العامة استعجلت النظر في القضية وحققت مع المتهم خلال عطلة نهاية الاسبوع، ولم تسمع منه سوى اصرار على روايته الأولى، أي انه قتل هداية السالم انتقاماً لمقال نشرته، فيه ما اعتبره اساءة الى قبيلته. وكانت النيابة امس لا تزال تحقق في الجريمة، خصوصاً بعد استلامها تقرير الأدلة الجنائية، فيما استنفرت القبيلة وجهاءها، فقام أميرها حبيب بن جامع بزيارة مع وجهاء "العوازم" ومن بينهم أميرها في الكويت فلاح بن جامع مع تسعة من نواب القبيلة في البرلمان والمجلس البلدي، الى ديوانية أسرة القتيلة لتقديم واجب العزاء، وتطويق التداعيات الاجتماعية للحادث. وتوقعت مصادر ان تسعى القبيلة الى التوصل الى صيغة ما للصلح، وطلب العفو عن القاتل في مقابل دية يجتمع أفراد القبيلة على دفعها، لكن حدوث ذلك مستبعد لأن القانون الكويتي لا يقبل التنازل عن الحق العام. وقبول ذوي الضحية التنازل قد يخفف عقوبة الاعدام الى المؤبد، وشدد وجهاء "العوازم" في احاديثهم الى الصحافة على احترام القبيلة الدولة والقضاء الكويتيين، مع اعرابهم عن التعاطف مع أسرة المتهم. ولافراد قبيلة "العوازم" كثافة عددية في الكويت، حيث يمثلون الكتلة الأكبر بين الناخبين القبليين، ولهم سبعة ممثلين في مجلس الأمة البرلمان ووزير في الحكومة، وعلاقة القبيلة بأسرة آل الصباح الحاكمة، قديمة ووثيقة.